| منوعـات
* حين زرت فقيدنا الاستاذ محمود عارف رحمه الله الزيارة الاخيرة ، في الليلة التي ودع فيها الحياة، وكان حوله بعض ابنائه، في المستشفى ، ادركت من علو نفسه وأنّاته الخفيفة المتقطعة، ادركت انها سكرات الموت، وقلت للطبيبة ابنته.. ان مستوى نفس ابيك مرتفع.. على غير الحال التي كان عليها مدة الغيبوبة التي امتدت تسعة عشر يوما، ولم ارد إفجاع افراد الاسرة، بأن ما فيه والدهم حالة احتضار. وصدق حدسي، حين أُبلغت ظهر الخميس بأن عميد الاسرة فارق الحياة.. رحمه الله.
* وخلال كتابتي هذه الكلمة الرثائية.. رجعت بالذاكرة الى اكثر من نصف قرن مضى.. يوم عرفت الفقيد، وأنا اسعى اليه ليعينني على القراءة وفهم ما اقرأ، وحين دلني على اقتناء نظرات المنفلوطي ، وأنه سيجيء اليّ عشية.. في بيت آل راجح في حارة المظلوم بجدة طوال الاسبوع ، لأقرأ عليه كل يوم فصلا من النظرات ، وفي اليوم التالي اقدم اليه ملخصا لما قرأت!
* لقد كان استاذي محمود عارف.. سريع الاستجابة الى رجائي.. فأتاح لي ان اشق طريقي الى عالم المعرفة عبر القراءة، ثم الكتابة! وكم كنت مشوقاً الى ادراك ما اقرأ، والى الارتقاء والفهم، ذلك اني ادركت قيمة العلم، وأن زمناً انقضى من عمري وليس طويلا دون ان اتعلم القراءة والكتابة ، غير ان ادراك ذلك ليس عسيرا، وليس مستحيلا، مادام ثم طموح وعشق الى المعرفة والدرس، وقد كان بفضل الله وعونه!
* وحين شرعت في نقد كتاب : «شعراء الحجاز في العصر الحديث» الذي جمع مادته.. الاستاذ عبدالسلام طاهر الساسي رحمه الله، وطُبع عام 1370، ربما لم يتوقع استاذي العارف ذلك، لأن ذاك الفتى الذي كان لا يحسن القراءة الجيدة.. قبل عامين فقط، يقفز فجأة.. الى نقد شعراء بارزين على الساحة الادبية، وقد اصبح ناقدا، يتلمس اخطاء اولئك الشعراء ، ويدل عليها، وكان في نقده شيء من حدّة وصراحة، وربما فوجئ المجتمع الادبي بفتى.. ليس له تجارب في الكتابة، ان يبرز شاقاً طريقه بجرأة، ليتصدى للنقد، وليس ما اقدم عليه بالشيء الهيِّن السير، ولكن هكذا كان! ثم من هو هذا الفتى.. الذي يخطِّئ كتّابا وشعراء كباراً.. يومئذ!؟
|
|
|
|
|