| أفاق اسلامية
يقال إن الذي يتبنى فكرة ينجز عملاً، والذي ينجز عملا بعد عمل تتكون لديه عادة، والذي تتكون لديه جملة من العادات تتبلور له شخصية محددة تكون مصدرا للرضا النفسي أو عدمه بحسب العادات التي اكتسبها، وهذا الكلام صحيح، فالإنسان في الواقع حصيلة لعادات تجذرت كونت شخصيته التي يعرفه من خلالها الناس.
وهذه المعرفة بمراحل تكون الشخصية تورث لدينا حسا بالأهمية البالغة للتصرفات اليومية التي نمارسها سواء كانت أقوالا أم أفعالا ولا فرق بين أن تكون في السر أو العلن. والذي يفكر جيدا عند الاقدام على أي عمل مهما كان بالتأثير التراكمي له نستطيع أن نقول إنه قد بدأ مشوار تكوين الشخصية المتميزة المبدعة، ولحظة شعوره بهذا الإحساس ينمو لديه شعور لا إرادي وفطري بتنميته والمحافظة عليه، وتزداد الحساسية كلما ازداد شعورا بهذا التميز.. لكن تداخل هذا الإحساس مع الغرور والإعجاب من شأنه أن يدمر هذه الشخصية ويعرضها للذوبان والانطفاء. والنقطة الأخيرة هي ما يسمى بالمحاسبة، فهي في نهاية اليوم البوصلة التي تحكم الاتجاه، وهي التي تسدد وجهة العادات لتساهم في الوصول للنتيجة النهائية.
وثمة مسألة مهمة هنا فيما يتعلق بالاستمرارية في الأعمال حتى تستحيل عادة تكون جزءا من الشخصية، فالأعمال العظيمة المنقطعة لا يكون لها من الأثر ما يكون للأعمال الصغيرة التي تتصف بالديمومة، فقراءة صفحة يوميا مثلا أكثر فعالية من قراءة آلاف الصفحات لمرة واحدة، والتعامل الراقي المتقطع لا يؤثر في النفس كما تؤثر ابتسامة مرتسمة على المحيا على الدوام.. والحاصل ان الممارسات المتكررة وإن كانت بلا وعي تشكل في اللاشعور فكرا ونفسية ذات طابع مخصوص، بل إن هذه الممارسات تؤثر على البنية الفيزيائية للجسم وهذا شيء مقرر في الطب.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا هو: كيف نجعل من الشخصية المكتسبة مصدرا للسعادة النفسية، وما الوسيلة لجعل النفس تشعر بالرضا؟ ولعل الجواب يعود بنا إلى الكلام عن البيئة الثقافية والأفكار المؤسسة لهذه الشخصية المكتسبة، وعما إذا كانت تحمل مقومات إمداد الروح والنفس بالمطلوب أم أنها في الواقع من عناء الإنسان وشقائه. وهذا أمر عميق يحتاج فيما يحتاج إلى فهم طبيعة النفس وعلم بالأفكار التي تنسجم معها، فالإنسان الذي لا يفهم ضرورة إحداث التوازن بين حاجات الروح والبدن لا يستطيع ان يكتسب شخصية مستقرة؛ فالروح تحتاج الى غذاء كما ان البدن يفتقر الى العناية، فالإنسان الذي يعتنق فكرا يلغي حاجة البدن هو أكثر الناس عرضة للإصابة بمختلف الأمراض النفسية والعصبية، كما ان ذلك الذي يتبنى مسلكا يتناقض ومتطلبات روحه يكون عرضة أيضا للإصابة بأمراض نفسية ولكن من نوع آخر. وعليه فإن ارتكاب المعصية يساهم في خلخلة التوازن المطلوب، وهي وإن كانت تمنح الجوارح متعة آنية لكنها بالنظر إلى المحصلة تكون شخصية قلقة خائفة فاقدة لذاتها. لاهثة وراء سراب الخلوص من المأزق الذي تسببت في الوقوع فيه.
|
|
|
|
|