| مقـالات
بعد انتشار وسائل الإعلام الحديثة وخروج الإنترنت كوسيلة اتصال جماهيرية مؤثرة وتطاير أطباق الأقمار الصناعية في كبد السماء تطل على كل دولة خارقة الإرث الثقافي والحضاري برزت شكوك ومخاوف كبيرة ومستمرة في بلدان العالم وخصوصاً العالم الثالث من تأثير هذا الانتشار وما تحويه وسائله من مضمون يخالف ما قد ترسخ من مفاهيم عقدية ووجدانية لدى مواطني هذه الدول فتحدث خدشا وربما انشطاراً كبيراً جداً في الثقافة بل في السلوك البشري تجاه عقائده وحضارته.
فالاتهام الأول، ولاريب في ذلك، يشير إلى قوة وسائل ووسائط الإعلام الأمريكي وقدرتها علي اختراق العقول البشرية وتغيير ما يمكن تغييره وتحوير ما يمكن تحويره في القيم الاجتماعية وأهدافها ومعاييرها حيث تؤكد عدة دراسات إعلامية واجتماعية تأثير التحرك الإعلامي والاتصالي الأمريكي مدعوماً بخطط منهجية وعلمية وباتصالات متقدمة وأجهزة استخبارات متمرسة، ويسند ذلك بالطبع مكانة وقوة الولايات المتحدة الأمريكية، مكانتها في خارطة الإعلام العالمي واحتضانها لأبرز وكالات الأنباء العالمية ومحطات الأخبار عابرة القارات مثل CNN ومحطات إذاعية مؤثرة كمحطة صوت أمريكا ومحطات ذات إمكانيات هائلة كمحطة NBC و CBS وغيرهما، وهي ذات قوة اقتصادية وعسكرية تدعم التحرك الإعلامي بل تأتي بعد التحرك الإعلامي ذاته ومن هنا تكاملت وحدات العمل أو أمركة الثقافة العالمية بما تريد هي لا بما يريد الغير.
فعندما بشّر الرئيس الأمريكي السابق «بوش» بالنظام العالمي الجديد وبعد تحرير الكويت 1991م وبعد ان استطاعت أجهزة استخباراته تفكيك الاتحاد السوفيتي إلى دويلات متصارعة على السيادة أصبح العالم في صراع مع الثقافة الأمريكية خصوصاً فرنسا وألمانيا اللتين تحاربان بشدة ذلك الزحف الثقافي الأمريكي.
نعود مرة أخرى إلى رغبة أمريكا الشمالية في الهيمنة الثقافية وأمركة العالم أجمع وبخاصة دول العالم الثالث وبالتحديد الدول الإسلامية وبالتركيز على الدول العربية وبالنوايا الأكبر على أبناء دول مجلس التعاون الخليجي وقد ساعد على ذلك عدة أسباب هي:
1 اعتماد دول العالم خصوصاً النامية على النقل المباشر من المواد الإعلامية والإخبارية الأمريكية بأنواعها والترفيهية بمختلف تشعباتها.
2 الأخذ بمدارس الإعلام الأمريكية سواء في تدريس طلبة الإعلام أو ممارستها الإعلامية، مما أدى إلى تأثر ثقافي أوصل المواطن إلى التشبه بالغرب في حركته وملبسه ومأكله ومشربه، أي أصبح الفرد الناشئ أمام تيار حركته سريعة وإيقاعه سهل المنال، أي أصبح النشء بخاصة في عالمنا العربي أمام تيارين: إما التمسك بالتيار الإسلامي الصحيح الذي ينادي بالخلق والطاعة والتثبت والاستقامة والصلاة، أي التمسك بالإرث الإسلامي الحق وأمام تيار يأتي بكل ما ينافي قيمنا وأخلاقنا وتيار آخر نشك أنه تأثر بالقنوات الفضائية وربما ممارسة العمالة الأجنبية فتكون لدينا فئات وكأنها لم تعش في بيئة إسلامية، والغريب وكأنها لم تعش بالفعل في بيئة غربية وهنا تكمن خطورة الازدواجية.
إن مسؤولية وزارات الثقافة والشباب ووزارات الإعلام أو المؤسسات الشبابية أو الدينية هي التصدي لمثل هذا الغزو الثقافي العالمي الجديد، وربما وبنظرة تفاؤلية ان يكون هناك توجه جديد في تحقيق التالي:
1 اسناد الأجهزة الإعلامية لأهل العلم والخبرة والتأهيل.
2 دعم المؤسسات الإعلامية بالكوادر البشرية المتميزة المتمكنة.
3 فتح المجال أمام حرية التعبير بصورة جديدة مناسبة مع عصر العولمة.
4 الاهتمام بالمواطن وتحسين أوضاعه المعيشية والتعليمية والصحية لأن بيئة الغزو دائماً هي البيئة الفقيرة.
5 دعم وتحضير الإنتاج المحلي والتعاون المسبق مع الدول ذات الأصول القومية والدينية واللغوية الواحدة.
6 وضع الحوافز المالية والمعنوية.
7 دعم المؤسسات والسفارات والمكاتب الإعلامية الثقافية والسياسية والرياضية في الخارج.
ولهذا فإن النظر والمشاهدة دون تحرك على الصعيد الإعلامي المشترك أمام أمركة الثقافة العالمية أو إن شئت الثقافة الغربية لا يؤدي إلا إلى الاستسلام والخنوع والتفكك وبالتالي يكون المواطن في حالة فاقدا فيها الاتجاه ومخدرا ومريضا.
ولهذا فإن متابعة هذا الأمر الجدير بالاهتمام دون التحرك الواعي الجاد على الصعيد الإعلامي المشترك لصد هذه الأمركة الشرسة )التي يقودها الإعلام الأمريكي الصهيوني( سوف تؤدي إلى عواقب وخيمة ربما تسلمنا إلى نوع من التفكك والفوضى التي يصعب لمّ شتاتها بعد ذلك.
|
|
|
|
|