| الثقافية
الدجاجة لم تعد تبيض بيضا مسلوقا.. ولم تعد تبيض كل شهر بيضة ذهبية في جيب طفل.. ولم تعد صالحة بوصفها لاحمة بين فكي سيد البيت.. ولم تعد تعجب الديك الذي يكبس كل الدجاجات عداها.. ولم تعد تقاقي مقاقاة الغزل.. ولم تعد قادرة على ان تحضن البيض، فيفقس بعد واحد وعشرين يوما.. ولم تعد تتفعفل في التراب، فتستر عري البذور انتظارا لموسم هطول المطر.. ولم تعد صالحة للعب مع الاطفال، فتغسل شيئا من نزقهم وعصبيتهم التي لا تطاق عند الامهات.. ولم تعد تناجي دجاجة اخرى، فتشكي لها همومها، وتسمع منها همومها، وتخفف عنها بؤسها بتعاطي بؤسها.. ولم تعد تتعمد ان تتحرش بالديك الذي ينقرها في رقبتها، فتستسلم لجبروته، مستعرضا عضلاته امام الاخريات.. ولم تعد تهجم مع بقية الدجاج على العلف الذي تعلفه «ربابة ربة البيت»، وهي تتنغم بصوت طروب: تيعا تيعا تيعا.. ولم تعد تقفز الى خمها المرتفع في جدار السقيفة، بعيدا عن تحرشات القطط، وبقايا المطر.. ولم تعد تتشبه بصوت الديكة، فتحاول التماثل مع صوتها، ولعبتها هذه مكشوفة، اذ مهما حاولت فهي دجاجة، وهو الديك، لذلك ينزعج من صوتها فينقرها نقرا فيه القسوة وشيء من الدلال، بل قد يغازل دجاجة اخرى ليفجر غيرتها، ولكن الدجاج ربما لا يغار.. ولم تعد تتحرش بمذود الحمارة باحثة عن بقايا الحب المتناثرة هنا او هناك، وساعية احيانا الى القفز داخل المذود مما يثير الحمارة، فتنهق عدة نهقات «هاق هاق هاق».. ولم تعد تصعد الى كومة التبن، تتفعفل بها، فتمثل ولادة بيضة تبيضها، وتشعر انها تنساب الى الجوار، تزغرد )قيق قيق قيق(، فتتوهم ان بيضة جارتها الفتية هي بيضتها،.. ولم تعد تصفق جناحيها محاولة الطيران عندما ترى عصفورا بجانبها يسرق الحب، فتهجم عليه، فيطير، فتتخيل نفسها دجاجة برية، تطمح ان تعلو، ان تتحرر من )الدجاج الداجن(.. ولم تعد تمارس الركض فاردة جناحيها، تمثل انها تسخن للطيران.. ولم تعد قادرة على النوم واقفة على رجل واحدة، غامرة رأسها تحت جناحها.. ولم تعد تغسل نفسها في سطل الماء، فتنفش ريشها، وتنقر جلدها بمنقارها، شاعرة بنشوة الماء تتسلل الى منخريها.. كانت دجاجة متيبسة في التفكير العميق الذي اخذها الى جهة الموت.. حملتها «ربابة ربة البيت»، وطوحت بها بعيدا لترتطم بين الحجارة، وحينها كأنها لفظت انفاسها الاخيرة!!
|
|
|
|
|