| الثقافية
.. سوف أقدم اعتذارا شفيفا يشبه بيرقا ملونا للزملاء في الجزيرة . و )شفيف( ومعناها لغة: TRANSPARENT ومعناها اصطلاحا موجود في المرجع.
هذا من زاوية. أما من زاوية أخرى فسوف أخص الزميل الذي قام بطباعة ونسخ مقالتي السابقة باعتذار خاص ومختلف تماما. فربما كان ناسخا جديدا لأن كتاباتي لم تتعرض لمثل ذلك التدمير من قبل.
وقد بحثت لزميلنا الناسخ عن عذر فوجدت له سبعين عذرا. فربما كان حاله مثل حالي فطفح به الكيل فأخذ يرفع زاوية إلى فوق ويلقي زاوية أخرى إلى تحت.
وهناك احتمالات كثيرة إلا أن الضرب بأصبع من حديد الذي تعرض له حرف الدال جعلني أعتقد أن لزميلنا شأنا مع حرف الدال بالذات فيقوم بتشتيته وبعثرته في المقال السابق وإنزاله شر منزل.
فهو يحرم )دَلَفَ( من دالها فتلتف على حالها أسيفة كسيفة. أو يقوم بنزع دال من مكان ليضعها في مكان آخر.
أو أن يأخذ دالا مدللة فيلقي بها في مهاوي الردى. والكلمة الأخيرةبدون دال طبعا. ولهذا تجتمع جميع الدالات في العالم فتدلي بدالها في صندوق واحد. وتدلي بدلوها بين الدلاء.
وكان جاري قد غضب مني ذات يوم غضبا شديدا فصاح بي مؤنبا : )جار الله ولا جارك ياشيخ( فلزمت الصمت. والسبب أنني كنت يومها أحمل سبع جرائد كعادتي وكانت الدالات قد تهالكت من صفحات الجرائد عند أبواب الجيران. فقالوا: ما بال هذا الفتى يحمل جرائده كالحمار؟ فدلفت داخلا داري متشبثا بالجرائد أكواما أكواما، محدقا بالمجهول الذي ربما يكون خارج هذه الجرائد. فإن كان كذلك أكون واقعا في مقلب. قلت في نفسي )من يدري؟( وبقي السؤال معلقا.
* أما أعظم دال في حياتي فهي دال لاتينية ضخمة ضارية ضاقت المحاضرة وتضرعت السبورة من هولها وذلك عندما دخل المحاضر الجديد في بداية السنة الدراسية: دخل صامتا ووجهه محايد تماما. ثم أعطانا ظهره. أخذ الطبشور. ثم رسم دالا لاتينية CABITAL شبيهة بأضخم فيل في العالم.ومنفوخة أيضا. ثم كتب إلى جانبها، من تحتها طبعا راءً أو بالأصح آراً لاتينية ضئيلة جدا شبيهة بذرة من صغار النمل تعيش في زمن القحط. فحدقت كعادتي قائلا في نفسي ) يا له من داهية ضحلة مكتنزة بالغباء المستدير والذكاء المبتذل(. ثم بعد ذلك التفت إلينا. ثم حدق فينا. ثم بعد ذلك بدأ يتحدث. كان ذلك زمن الجامعة.
أي منذ أكثر من عشرين سنة. وكنت قد نسيت هذه الدال ذات الدلالة. إلا أنني دلفت إلى بعض العواصم فتذكرتها علي التو. ذلك أنني رأيت ما يشبهها تماما. رأيت صورا ضخمة وأهازيج يكون الكائن البشري إزاءها وبسبب منها ذرة ضئيلة منكسة ومهزومة فابتلعت ريقي وقلت: يا أمان الخائفين.
والتفت إلى جاري في المقعد الخلفي وكنا خارجين من المطار ونحن على سفر. فلكزته بكوعي وكان جاري جالسا إلى جانبي يرتجف مجبورا على الجبن فلكزته مرة ثانية. فابتسم بخبث ونصحني بأن أخفف التحديق وقال بدهاء: هذه ليست صور بيكاسو ولا عبدالجبار اليحيا لكي تبحث فيها عن دلالات وجماليات قلت: فلماذا وضعوها هنا إذن؟! فنهرني نهرا حميما كما تفعل الأمهات.
|
|
|
|
|