| الثقافية
حوار: محمد الدبيسي
يشكل حضوره مساحة من التناول النقدي الجاد، والمجتهد في اعطاء هذه المساحة توازنها القائم على المام بجوانب العمل المعرفي، المؤسس على منهجية نقدية وفكر منظم، ورؤية تجعل من التعددية مقياساً لقيمة العمل، وغاية الاجتهاد.
والحضور الذي يمثله الناقد معجب العدواني لافت في مظهره الشكلاني ومعطاه الصياغي، وكذا في بنيته التكوينية.. ومكامن وجوده في جسد الاشكال المعرفي..
وعبر هذه السطور، نستطلع ملامح من جوانب الاشكال الفكري والثقافي الذي يهمه ويهمنا.
* المشهد الثقافي في المملكة.. يراه البعض قاصراً في التعبير عن مضامين انساقه.. وبناه المكونة للخطاب المعرمي بعامة.. فكيف تراه انت؟
لبناء تمهيد للاجابة على هذا السؤال ارى انه لا يمكن النظر الى المشهد الثقافي في المملكة بمنظار منفصل عن المشهد الثقافي العربي، فالثقافة السعودية جزء لا يمكن اقتطاعه من الثقافة العربية وربما كانت ازمة المثاقفة المحلية متشعبة ومتعددة، لكن ذلك لا يعني ان تسود لغة الجحود هنا للمنجز الثقافي السعودي، الذي تواصل مع الثقافة العربية واصبح صوتاً بارزاً له حضوره المبشر في اغلب المجالات الثقافية.
وبنظرة شمولية الى واقع الثقافي العربي الذي يتوازى بل ينطلق من مرحلة من اسوأ المراحل التي مر بها الانسان العربي في التاريخ، فثقافة الانسان العربي حالياً هي وليدة تلك المرحلة ولذا كان لابد لها من التثاقف مع الحضارات الاخرى، ومع اختلاف درجة ذلك المستوى الثقافي فانه قد بدأ عليها الاضطراب والمراوحة، ومع ذلك هي تنكشف احياناً من الداخل بوصفها ثقافة مرحلية تتبنى اقصاء الرأي الآخر وتهميشه وعدم الحوار معه، مع اننا نملك تعددية في الطرح الثقافي الا ان لغة هذه التعددية لغة صراع لا حوار، وتتبنى قانون الصراخ الذي لا يفضي الا الى التيه في المجهول، انها اوضاع ثقافية بحاجة بالفعل الى قراءة سيكولوجية، تتوسل الى الوصول الى خبايا تلك الاوضاع.
ومع ذلك فاننا نلمح حرص ثقافتنا على السعي الحثيث للارتفاع بوعي الانسان وذلك ما ينبغي التركيز عليه، ليس من قبل افراد محدودين فحسب، ولكن من قبل المؤسسات التي ينبغي عليها ان تأخذ ذلك في الاعتبار بتفعيل دورها للقيام بتلك المهمة.
كما ينبغي الحرص في الارتكاز على ما يمكن وصفه حفظ التوازن لامتصاص الآثار الناتجة عن تلك النقلة التي يزدوج فيها فعل التغيير. الى جانب الاعداد الجاد والهادف لاستقبال المرحلة القادمة التي تنم عن تغييرات عدة وبسط الرؤى المتصلة بتلك المرحلة التي تلوح في الافق.
* نالت التجربة السردية نصيباً وافراً من اشتغالاتك النقدية.. ما معطيات هذه التجربة من وجهة نظرك؟
تتنامى تجربتنا الروائية يوماً بعد آخر، ولعل من الانسب الاشارة الى التنامي الذي تحققه روايتنا في مستويين: الكمي والكيفي، ويتناسب ذلك بصورة واضحة مع المعطى الروائي العربي، لو اردنا تحديد اهم الخصائص لروايتنا لذكرنا امراً واحداً وهو استلهامها للشكل الادبي نفسه الذي لم يكن مطروقاً في ساحتنا، وفي الوقت نفسه ارى ان معظم الاعمال الروائية لدينا تستنبت، بجدارة، الشعري ليتحول مخالفاً الى روائي ولذا بدت اكثر الاعمال لدينا مفعمة بروح الصوت الشعري الاوحد، وبعيدة عن الحوارية.
هذا الامر شكل اهم العوائق التي تتوضع في روايتنا العربية اولاً، ويتمثل ذلك في عدم وجود تلك الخطابات المتناقضة المجسدة لطبيعة العمل الروائي، ومن ثم غياب الاصوات التي تشي بالتعدد والاختلاف وحوارية المعارف والثقافات لدى المبدع، وقد ادى هذا الغياب المباشر الى فقدان طبيعة الاختلاف في البيئات المختلفة التي يعيش بها وفيها النص كالسياق الثقافي، وتأويل المتلقي وغيرهما مما ادى الى تأصيل ذلك جيداً في ثقافتنا وتمظهره في اشكال تتجسد، على سبيل المثال، في انحياز مباشر الى الشعر، وضمن هذا الانحياز نلحظ تزايد السعي الى عناية تصل حد )المبالغة( في الشعر الشعبي، حين نلمح في هذه الزاوية مظاهر تكريس لنماذج ذات رؤى احادية صرف. وهو ما يحدث انفصالاً مباشراً واضحاً عن التعددية تغيب قيمة الرافد الفعلية لتوجد الالغاء للفاعل المركزي ومن ثم تبدأ في عملية تحويل الرافد الفرعي الى رئيس وتهميش الرئيس حتى في ابسط مستويات التناول وهو الاستثمار النصي له.
وقد ادى ذلك الى ايجاد فراغات قاتلة في هوية تأمل ظاهرياً ان تحقق الاختلاف والتميز لروايتنا السعودية في فضاء الرواية العربية والعالمية، وتسعى كغيرها الى صراع في اولية المراكز. ان هذه البيئة هي الصورة القديمة والمتأخرة لبيئة نشأ فيها النص الروائي لدينا باحثاً عن موقعه.
* ولكن.. هناك من يرى ان هذه.. التجربة قد تماست مع تجارب الرواية العربية في نماذجها المميزة.. فما هو رأيك..؟
لعلي اشرت الى هذا في حديثي السابق وذلك في امرين: الاول منهما عدم الانفصال والتميز بين السياقين والثاني هو الاتفاق في النقاط السلبية، وندرة الجوانب الايجابية.
واضيف الى ذلك اشارة قد تبدو لي على جانب من الاهمية وهي اسبقية الكتابة الروائية في السياق العربي، ما ادى الى افضلية في الطرح وقدرة على التنظير وخلق مساحات من التأثير.
* اهتمامك ببعض قضايا التراث الثقافي )نقدياً(.. هل تهدف منه الى تأصيل مفهوم نقدي معين؟
اهتمامي بقضايا تراثية مختلفة لم يكن تناولاً تراثياً صرفاً، فالكتابة في موضوعات التراث برؤية ومنهجية حديثة يعد صورة من صور المعاصرة، فالتراث لا يمكن الاستغناء عنه بكتابة تتوهم البعد عنه، وهي تستلهم كافة اصنافه بوعي او بلا وعي.
قرأت بعض الامثال العربية بآليات حديثة، وتناولت قضايا اتلاف الكتاب العربي بصورة حديثة ومختلفة فيما اظن، لذا اجد هذا النوع من الكتابة ملائماً لاختبار عدد من المفاهيم النقدية المتنوعة ومن ابرزها مفهوم التناصية Intertextuality الذي حاولت تطبيقه بوصفه مفهوماً حديثاً على نصوص تراثية واخرى حديثة.
* من موقعك )ناقداً(.. هل واكبت الحركة النقدية في بلانا النموذج الابداعي متابعة وقراءة. ونقداً؟
مع اني لا افصل الابداع عن النقد، فالنقد صيغ ابداعية متنوعة، ولكن تمشياً مع السؤال ارى ضرورة ان نعيد تشكيل صيغة السؤال ليكون في صورته الجديدة: هل واكبت الحركة الابداعية في بلادنا النموذج النقدي؟
* اشتغال النقاد الاكاديميين على قضايا الساحة الثقافية كيف تنظر اليه؟
هذا السؤال اكثر الحاحاً على تأكيد اجابتي السابقة، فالنموذج النقدي متطور ويقوم بتحديث آلياته كل حين، هو انموذج العصر الملائم لحركته وسرعة ايقاعه، وتحولات النقد إلى دراسات ثقافية ما كان لها ان تحدث حين يوجد النص الابداعي الذي يغري بالدراسة النقدية، هذا جانب، اما الجانب الآخر فهو رغبة النقاد انفسهم في اجتراح فضاءات جديدة واخضاعها للدرس النقدي الحديث.
* قاربت في بعض اعمالك النقدية.. منجز الرواد في ثقافتنا. فهل ترى ان معطيات تلك المرحلة.. بحاجة الى اعادة قراءة.. ام تفعيل حوار لمضامينها.. واستنتاج المتميز منها.. ام ماذا؟
مع قلة ما انجزته في هذا المجال فاني اؤكد لك ان ما تناولته كان يهدف الى ان اعرض بالتحليل النقدي لاعمال في مناطق قريبة من اشتغالي النقدي كالرواية، على سبيل المثال، ومادمت قد اثرت هذا السؤال فاني ارى ان علينا ان نستعيد عجلة الزمن قليلاً لمحاولة تصنيف الاجيال الرائدة، لنبدأ بجيل الادباء السعوديين الرواد الذين مازالت بصماتهم واضحة في المسيرة الادبية في الشعر او القصة او النقد الادبي، هؤلاء الرواد الذي اتسم عطاؤهم بالواقعية ذات الدور المؤثر في ثقافتنا، ثم جيل ادبي تالٍ اخترق الساحة الثقافية واحدث تطويراً مشهوداً بحركته الصادمة والطامحة الى التغيير.
* كيف تنظر الى دور الاندية الادبية كونها المؤسسات الرسمية الموكل اليها دعم ورعاية الشأن الثقافي في بلادنا؟
تظل ادوار الاندية الادبية سؤالاً دائماً يتردد دون مراجعة لحسابات الاندية واختلاف ادوارها وتباين ادائها، وتنوع اتجاهاتها
وفي رأيي الشخصي ان ذلك يعد ظاهرة طبيعية، وذلك لكون هذه المؤسسة تتوجه الى المثقف وتتبنى غايته، ومن المألوف ان تختلف الاتجاهات والتيارات وتتضارب، ولكن آمل الا يكون هذا التباين سبباً في كبح اداء المؤسسة واصابة دوره بالعقم.
في الحين نفسه ينبغي على رؤساء الاندية الادبية ان يكونوا اكثر المالماً بهذه التوجهات وان يراعوها ليؤكدوا على التنوع والاختلاف.
لقد برز ذلك التفاوت الكبير في عطاءات الاندية الادبية المتمثل في اعداد اصداراتها وتنوعها، وفي تميز ندواتها ومحاضراتها الثقافية، وقد ادى ذلك التفاوت في عطاء الاندية الى تفاوت ايضاً في درجة ومدى القدرة على ايجاد جيل من الشباب المثقف، وعلى الشباب المهتمين الا يعدوا النادي الادبي سوى قناة واحدة ووسيلة من الوسائل التي يمكن بها ومن خلالها صقل التجربة وابرازها، وفي حال غياب هذه القناة وربما تلك او تغيبها من قبل المسؤولين عنها فقنوات الثقافة متعددة، ولا تمثل الاندية الادبية سوى جزء من تلك القنوات، علينا آنذاك الا نعلن نهاية الثقافة بتعثر مسار ناد هنا او هناك.هنا، وبنظرة تتلمس الموضوعية لا يمكن انكار دور بعض الاندية الادبية في تفعيل الثقافة في بلادنا، ولا يمكن انكار دور مثل هذه الاندية في رعاية اصوات ثقافية عبرت الاطار المحلي لتتجاوزه الى العالم العربي.
* بماذا افدت.. من تجربتك في النادي الادبي بجدة؟
النادي الادبي بجدة حقق بوصفه مؤسسة ثقافية، ادواره الايجابية المميزة، ويكفي ان ننظر الى انتاج النادي المتراكم منذ فترة زمنية ليست بالقصيرة، حيث تجد قائمة من الانتاج الذي يعد مواكباً لتطلعات الاجيال، وما زال النادي الادبي بجدة يبحث عن المثقف الجاد فيما يطرحه في مطبوعاته او على منبره، ولذا كانت تجربتي في النادي الادبي مختلفة لم تتصل بالسعي الى مطامح شخصية، اذا استثنينا التواصل مع نخبة من المفكرين والادباء الذي يمكن ان يمنح التجربة ثراءها واطارها الملائم.
* التجربة الشعرية في المملكة.. هل ترى انها حققت امتيازات معينة على صعيد الرؤيا والتشكيل.. بالنظر للتجارب في الوطن العربي..؟
التجربة الشعرية في المملكة اخذت مكانتها المناسبة في العالم العربي، وبدأ الاهتمام الجدي بما يطرح على ساحتنا الثقافية من المثقفين العرب..
وهو امر تجاوز به الادب السعودي مفهوم المركز والهامش التي كان يؤمن بها بعض المثقفين.
كلما تأرجح الشعر بين العتاقة والحداثة حقق قيمته الفنية المتعالقة مع تراثه من جانب ومع تواصله مع الآخر،
وكلما تعددت التيارات الشعرية المنطلقة ضمن اطر التجديد او الرفض زاد ثراء الفعل الشعري وخصوبته.
|
|
|
|
|