قابَلتُها في رَوَاق الشِعْرِ هائمةً
كالطيف تُثري خيال الرائح الغادي
لمَّا رأتني بأنفاسي أظللها
رنتْ إليَّ بطرف باسم هادي
راحتْ تجاملني والحزن اسطرُهُ
من فرط رقتها في وجهها بادي
فقلت أشعلُها: عيناك ليلُهما
نهر من الحب يروي الظامي الصَّادي
ردت تُعاتبني في صوتها شجنٌ
تقول باسمة: دعني لأحزاني
لن توقظ النار في قلبي فقد خمدت
وجفَّ نهري وغاصتْ كل ودياني
ضاعت حياتي وليْلُ اليأس أخرسني
فَدَعْ فُؤادي ولا تحزن لحرماني
فرُحتُ أسألها عمَّا يؤرّقها
عن سرِّ مأساتها والحزن يغشاني
لما رأت حيرتي والشك يسكنني
راحت تحدّثني مسلوبة الفكر
قالت : تَعلَّقْتُه غض الشباب فتىً
أنفاسه كشذى الأزهار في الفجر
كان ، الربيع شذا والليل أغنية
وكنتُ زُنبقةً لم يُجتنى عِطري
ألْبَسْتُهُ روعة الاحلام أرسمها
في خاطري صوراً من عالم السِّحر
وبعد ما طال صبري.. بتُّ زوجتهُ
فرُحتُ أسقيه ذوب الحب في طُهْر
عشنا ثلاثة اعوامٍ وعاش معي
قلبي السعيد بما يلقاه في بِشْرِ
وراح ركب الهوى يمضي ويحملنا
مع الأماني على جسر الهوى نسري
نَعدُو مع الحب والآمال تغْمرنا
بالسحر بالشوق بالاحلام بالعطر
أدنو إليه بروحي وهو يرحل بي
على بساط الدُّجى.. نلهو إلى الفجر
أسقي.. وأشربُ كأس الحب من يده
نشوى.. بنورين.. نور الحبِّ والبدر
حتى أتوه رفاق السوء ذات ضحى
في يوم عيدٍ لأمرٍ.. ساء من أمر
راحوا به وفؤادي كاد يتبعه
لسهرةٍ في خِضمِّ الليل والبحر
في غفلة من عيون الناس قد سمروا
للأنس يلهون بين الطبل والزَّمرِ
أغووه بالله قل لي كيف طاوعهم
ولم يكن من غواة «الشمّ» والخمر
ورفقة الشر إن أدمنت صحبتهم
لابد ان تألف الإغراق في الشرِّ
وعاد لي.. شاحباً غاضت بشاشته
وفوق أهدابه.. ليلٌ من الوزر
مُذ ذلك اليوم.. والمسكين مكتئبٌ
لاشيء ينقذه من رِبقة الأسْر
مستنزف لا يرى الكون الجميل ولا
يهنا بنومٍ.. سقيم الروح والفكر
عاف الكلام وملَّ الناس واختنقت
«بالشمّ» أنفاسه واختلَّ.. لايدري
أمسى حطاماً سقيماً هائماً قلقاً
في شقوة النفس لا يصحو من الخَدْر
وبتُّ أرملةً.. زوجي يعيش معي
الروح قد رحلت والجسم في حِجْري
واليوم ها أنذا لا يأس يفقدني
حسّي ولا أملٌ يهدا به سري
تصبو الذئاب الى قلبي فأردعها
والقلب يبكي دبيب اليأس في عمري
بالله قل لي: إلى كم يستكين دمي
في خِضْن أوردتي.. والنار في صدري
كم فجّر الليل بركاني.. واشعلني
وكم دفنْت أُوارَ الشوق في نحري
وكم غفوتُ ونبض الجمر في شفتي
وكم صحوت وطعم الجوع في ثغري
والصبر.. ويلٌ لمن لم يلق معتصماً
في محنة العمر غير اليأس والصبر
سمعت قصّتها والصمت في شفتي
سوطٌ يمزقني من شدة الأمر
حيران.. يغلبني دمعي فأمسكه
والحزن يسلبني من هوله فكري
أرنو بروحي إليها وهي شامخةٌ
كالطود لم تبتذلها قسوة الدهر
بالقهر ضاقت.. ولو لم تَطفُ حيرتُها
لم ندرِ ما لقيت من حرقة القهر
كبا لساني.. وضاع الحرف في شفتي
ماذا أقول لها..؟ والله لا أدْري