| الثقافية
* لغة الكتابة اليابانية:
حتى يومنا هذا لم تتضح صلة الأدب بعد، هل تنتمي إلى الرسم الشعبي أم إلى ذات اللغة؟ يرى بعض المؤرخين أن هذا الانتماء إمايعود في مصدره إلى منطقة شرق آسيا أو إلى عالم جزيرة إندونيسيا، أو إليهما معا بوصوله إلى الجزر اليابانية مع سكان قدامى غير معروفة أصولهم أو جنسياتهم.
لكن البيانات الكتابية الأولى تعود غالبا إلى الأعمال التاريخية الصينية . كما بينت البحوث القديمة ما بين القرنين الأول والخامس الميلاديين. إذ يتضح انه بدءا من القرن الرابع الميلادي بدأ التأثير الصيني على اليابان، بحكم علاقة اليابان بالحضارة الصينية آنذاك، والتي تمثلت في جهاز الحكم والأيديولوجيا والثقافة.
وبدأ اليابانيون في منتصف القرن السادس الميلادي عبر الصين وكوريا في التعرف على ديانة البوذية السائدة في آسيا شرقها ووسطها )والتي نشأت من تعاليم غوتاما بوذا، والقائلة بأن الألم جزء لا يتجزأ من طبيعة الحياة وبأن في استطاعة المرء الخلاص منه بالتطهير الذاتي العقلي والأخلاقي(.
* بدايات الآداب:
إبَّان عصر )نارا( كانت الأحوال السياسية هادئة، لذلك انتصرت الثقافة في اتجاه الازدهار. وبرزت في الأدب درامتان تاريخيتان، واحدة نثرية باللغة اليابانية، وثانية نثرية باللغة الصينية كما خرج الشعر الياباني ليناقش مبادئ سامية حديثة.
واعتبر المؤرخون هذه الفترة من أعلى عصور لغة الأدب التي ظهرت في أشعار ما كوتو محملة بالإخلاص في عرض الأحاسيس، كما في أشعار واكا المسجلة لرفعة اللغة اليابانية.
نبعت إثر ذلك في الأدب فكرة )الشرف الذاتي النابع من النفس( في عصر )فوجيوارا(، وهي الفكرة الي أحدثت نقلة نوعية بامتدادها بثقافة البلاط الى الشعب انتشارا والتحاما فالشاعر والشاعرة على مستوى واحد في التقدير، ونفس الحال في النثر الأدبي الذي امتزج بالكآبة والسوداوية أكثر من ميله الى التفاؤل. وأمام ارتقاء الشعر وانتشاره أصدر القيصر أمرا بجمع مقتطفات أدبية من الشعر وحفظها، حوت كلا من الشعر القديم والمعاصر. ويعيد المؤرخون أسباب تلك النهضة الأدبية في اليابان إلى التقدم التقني والعلمي والفني الذي هز كل جنبات الثقافة اليابانية وحياتها، ودفع بها إلى طريق مستقل في الاقتصاد والسياسة والاجتماع. وهو ما خلط في توازن بين اللغة البوذية ولغة الشنتو SHINTO )الشنتو( هي ديانة اليابان الأهلية القائمة في المحل الأول على تقديس أرواح الأبطال والأباطرة والقوى الطبيعية. تصدرت هذه اللغة الثنائية الأعمال الأدبية في قصص الفروسية وشعر الملاحم. ويحدد القرن العاشر الميلادي ظهور تيار )النثر الجميل( في مختارات الرواية والقصة، التي زينت روائع الأدب الياباني، خاصة في حكايات الحب التاريخية التي دارت في الماضي بين أفراد الطبقة العليا، كما في أدبيات الكاتبة اليابانية موا شاكي شيكيبو. كما انتشر الأدب التسجيلي الذي أرخ للسير الذاتية في أسلوب وثائقي ينطبق على الوقائع بنوعيها التاريخي والموضوعي.
إلا أن حملة عسكرية يابانية تنزل الى الشواطئ الكورية عام 1592 م يتدخل الجيش الصيني فيها فتوتر مسيرة الآداب والثقافة. أضف إلى ذلك صراعات داخلية يابانية،
الأمر الذي أدى إلى ضعف الآداب وتراجعها، ليبقى القرن الخامس عشر الميلادي من أظلم عصور الأدب الياباني، رغم المحاولات لإعادة الشعر الى مكانته السابقة، كاستعمال لغة اليوم العادية، واضافة عامل الخيال الى القصص والروايات.
* ديمقراطية الأدب والثقافة:
لم يقُم لديمقراية الأدب والثقافة شأن طوال قرنين ويزيد )1600 1868( في عصر )توكوجاوا( إلا بعد تنمية السلطة العسكرية ذات اليد الحديدية، ووضع نهاية للفوضى السياسية والاجتماعية التي سادت الجزر اليابانية. فالأدب والثقافة اللذان ظلا مصدر النزاع والشقاق بين الأرستقراطيين ورجال الدين استطاع الوصول الى شاطئ الوفاق الديمقراطي، في غلبة وتفهم لاستحسان أذواق الجماهير. وأخذت النظرة البوذية القديمة صورا جديدة للتعبير اللغوي الأدبي آخذة في حسبانها العالم الآني والحي فعلا آنذاك. فضمن ديمقراطية الأدب ظهرت قصص إيهارا شايكاكو تمثل الحياة الجديدة. تماما كما أكد الشعر الموقف الجديد كما ظهر في أعمال هايكو. شعر يلعب على اللفظة ذات المعنيين إضافة إلى ما يحمله من روح الدعابةوالفكاهة. وبظهور أشعار شاعرهم الكبير ماتشو باشو تكتمل حلقة الإصلاح في الشعر الياباني بعد أن عمل باشو على إنقاذ الشعر من الفكاهة مستبدلا إياها بعناصر العمق الفكري وخصوبة الشعر وليونته.
استطاع ذلك العصر ان يكون غنيا بما حققه من ألوان أدبية مختلفة في الحياة الأدبية والثقافية اليابانية، وبعيدا عن القديم التراثي، ومفتتحا )كراسات الكتابة اللغوية(.
وهو ما حقق له جماهير واسعة قارئة اطلعت لأول مرة على صنوف وأنواع أدبية لم تعرفها من قبل. مستويات عديدة من جماهير القراء من علية القوم، ومن العامة، وبعد ذلك من التجار والعمال والنساء. وسرعان ما توجهت هذه الجماهير إلى إنتاج الإبداعات الأدبية.
تدخل الدعوة إلى )الحياة الجديدة( الى طورها الثاني بصوت تفاؤلي استهدف المتعة واللذة والسعادة، باعتبارها من وجهة نظرهم الخير الأوحد والرئيس في الحياة.
)وتتضمن أعمال إيهارا شايكاكو حياة المدينة وعلاقات المواطنين كما خبرها الكاتب( والتي لم تخل من إثارة.
بينما يعمد الكاتب كينرو جويا الى صبغ أعماله بالتاريخية جامعا بين العناصر الأخلاقية الكونفوشيوسية والبوذية في إطار واحد.
ويتخصص الكاتب كوشا زوشي في كتابة قصص وحكايات الأطفال مزودة بالرسوم التوضيحية والتزيينية. وهو ما وسع من دائرة الموضوعات الأدبية )التراثية، التاريخية، حكايات الانتقام، التاريخيات التجريبية(.
وكان من نتيجة هذا التوسع وآثاره من انفراج فكري صدور ) الكتب الصفراء( التي كتبها القراء أنفسهم، وتوالى ظهور )كراسات الطُرفة النكتة( باللغة الصينية أولا ثم باللغة اليابانية تحت تأثير أدب البورنوجراف، وهو أدب إباحي وكتابات صور غير أخلاقية تستهدف إثارة القراء والجماهير، رغم تضمين هذا النوع من الأدب موضوعات الغزل والحب.
* أزهى عصور الأدب:
يجمع مؤرخو الأدب العالمي على أن الثلث الأخير من القرن 19 ميلادي وطوال القرن 20 هو أزهى عصور الآداب اليابانية. لماذا يا ترى؟
علل المؤرخون ذلك بتقدم الحياة اليابانية تقدما مذهلا في ميادين الاقتصاد والسياسة والثقافة.. ففي الاقتصاد تكاد اليابان تشبه ألمانيا بهذا التطور السريع والمتنامي. في عام 1880م تنطلق صحوة الفلاحين التي قادها 000.350 فلاح ياباني، تلك الصحوة التي حركت المواطنين نحو الحقوق وارتفاع مستوى المعيشة، وتكوين الحزب الليبرالي )إد جييوتو( عام 1881م. كما فتحت اليابان موانئها أمام الغرب الأوروبي، وبدأت علاقات اقتصادية وسياسية وثقافية مع الدول الأوروبية، كان من أثرها تحول المجتمع الياباني وفي سرعة مذهلة إلى النموذج الغربي. حب عنيف لاقتصاد الغرب ومؤسساته، إغلاق باب الموروثات إلى غير رجعة وبكل تقاليده وأشكاله، وبعيدا عن التوقف أو الوقوف في وسط الطريق بين القديم والجديد.
لكن كيف كان موقف الأدب؟
في نهايات القرن 19 ميلادي كان الموقف متأرجحا رغم الازدهار الأدبي المحسوس. يبحث الأدب عن طريق ريادي له، رغم اقتناع المفكرين والكتاب وشعراء اليابان بأن الآداب الأوروبية تختلف في الكثير عن آدابهم الآسيوية تيارات وأصولا وتقاليد وأسلوبا وطرق تعبير.
لكن تباشير القرن العشرين تتخطى معظم المشكلات، وتعلو على كل الاختلافات الأدبية، وتحدد مسار الأدب خاصة في القصة والرواية، حتى يصل الأدب الى درجة رفيعة، رصينة، بعد أن اتجه اليابانيون الى عملية امتصاص الثقافة الأوروبية، بترجمة كل ما يقع تحت أيديهم من إنتاج أدبي أمريكي وأوروبي دون تمييز.
لم يقف الأمر عند هذا الحد من الرضا، فقد قامت أصوات يابانية تؤيد وتناصر الكاتب إتشوبوشو شويو الذي دعا إلى أن تتقيد القصة بالحقيقة الموضوعية أي كما تحدث تماما في صورة الحياة العامة. بعدها دخلت القصة والرواية الى التيارين الأدبيين الرومانتيكي فالطبيعي. أما كتاب الواقعية فقد دعوا من جانبهم إلى إهمال التفاصيل التافهة وغير الموضوعية حفاظا على التيار الأدبي الياباني الجديد.
* سنوات انهيار الحياة الأدبية:
تسببت الحرب العالمية الثانية في انهيار كلي للأدب الياباني، فتوقف الإنتاج الأدبي لفترة قصيرة.. عدة سنوات تعد على أصابع اليد الواحدة. في عام 1946 تبدأ القصص في الانتشار مرة ثانية بجيل ما بعد الحرب،
وبقيادة وتوجيهات شيوخ الأدب الذين يستمرون في الابداع القصصي )ناجاي كافو، شيجا نا أويا، إيبوشي ماشوجي، والحائز على جائزة نوبل كاواباتا ياشوناري.
واليوم يقوم على قرض الشعر الياباني الحديث عدد غير قليل من الشعراء المعاصرين )ميشيما يوكيو، نوما هيروشي، فوكازاوا هيتشيرو، أبى كوبو(. وتتحكم تيارات ثلاثة في الشعر المعاصر. تياران يمثلان الشعر التقليدي يتحفز له الشاعران تانكا، هايكو. بينما يتصدى للتيار الثالث الذي يمثل العصرية الجديدة بكل معانيها مضمونا وشكلا الشاعر شنتا إيشي والمتمتع شعره بحرية الشعر وقصر أبياته.وتتجلى في المرحلة المعاصرة محاولة الأدب الياباني وأدبائه في الانفلات من تأثير الثقافة الصينية على الأدب، والاقتراب أكثر فأكثر في الموضوع واللب والشكل من الآداب الأوروبية المعاصرة.
أ.د. كمال الدين عيد
|
|
|
|
|