| الثقافية
جاءت أشعة الشمس هادئة من البعيد الصارخ، متلونة باللون الذهبي، ولم أدرك بعد أنها تنذر بنهاية يوم، لم يكن في الحسبان أن تأتي أحداثه على غير ما أريد، وفي الطبيعي ان تجري مخلوقات الله كل منها في مجرة محددة، وكنت أمشي في ذات الخط دون حساب وتوقيت، الصدفة وحدها جعلتني أخرج دون هدى في هذا الوقت، وتراكمات السنوات التي ثارت قبل ساعة في ذاكرتي، ووجدت إلى جواري في سريري حكايات حية، هي أحلامي التي كنت قد دفنتها، شيء منها لا أود أن استعيده، بل أغيبه متعمداً في أعماق الذاكرة، وأشياء أخرى قدرت أن لا أهمية لها، فالأيام بين الناس دول، وما علي من شيء بعد هذا، فقد حددت من زمن بعيد مجرى حياتي، وما فائدة أحلام لن تهبط على أرض الواقع ولو بعد حين، هذه الأحلام المفاجئة، جعلتني أخرج من ثيابي ومن سريري ومن غرفة نومي، ومن بيتي إلى الشارع، والحقيقة ان زوبعة هذه الأحلام كان لها مقدمات من مساء البارحة، فقد شعرت بانقباض شديد يكاد يكتم أنفاسي، حاولت القراءة ولم أفلح، وأجريت محادثات تليفونية لأصدقائي، وجدت أني ثقيل، واخترت أخيراً شاعراً منهم، كان يكتب في ذات اللحظة قصيدته )البراق(، انتبه فوراً إلى حالتي المتضجرة، ووساوسي وحدتي في الكلام المباح، ضحك كثيراً قبل أن يبلغني ان قليل البخت طاح على العاري، فعرفت أنه يكتب في ذات اللحظة قصيدته، ولم يأبه وهو يبلغني بتطابق الحالة المتأججة، دون أن ندخل في التفاصيل، لأني أعرف كم يعاني، لو سألته عن حالة والدته المسنة التي تعالج بالكيماوي، ولن أسمح له بأن يتداعى كما يحلو له أحيانا، ويحدثني عن بطولات ونضال والده المغوار، فقد بقي في مسام روحه شيء من أبيه، لئلا يقر فني بتلك الحكايات المكررة، وخصوصا قدرته الفائقة في بناء ثروة، لم تهبط عليه من السماء كغيره، ولست أدري أي شيطان خامرني في تلك اللحظة، وتذكرت صديقي الشاعر الآخر الذي لا يحبه، فتحول فضاء فرحه إلى ساحة معركة لم تكن في الحسبان، استأذنت وودعته في نهاية الليل والمحادثة، على وعد مني أن أعاود الاتصال به لو عادت بي ذات الحالة، بعده وقبله أجريت أكثر من اتصال تليفوني بأصدقاء وزملاء، وقلبت القنوات الفضائية، ويبدو أني غرقت في نوم عميق مرة أخرى، دون أن أدري..
فرح كبير وعظيم يغمرني، حينما صحوت ووجدت أحلامي تسعى جانبي، أول ما فكرت فيه أن أكلم صديقي شاعر )البراق(، أحيطه بالسر الذي كشفته بعد تلك العاصفة في مساء البارحة، وحينما لم يرد، تركت له رسالة في جهاز )أنسر مشين( مفادها أن الحب هو إكسير الحياة، الذي لا حياة حقيقة بدونه ولو غالطنا ذواتنا إلى حين، وفي أفق يومي كثير من الضروريات التي لا بد منها، لأنها بدورها فضاءات جديدة، ولم أعد أحفل بشيء في هذه اللحظة، ومعي أحلامي تسعى إلى جانبي، فلِمَ لا أستمتع بها الان ويقدر الله بعد ذلك أمراً كان مفعولا..
تذكرت مساء البارحة، أني حاولت الاتصال بالناس الذين لا أحبهم ولم أفلح، وداهمتني لحظة نشوة إضافية شجعتني على الخروج، لأني فشلت البارحة في رؤيتهم، وكنت قد فكرت أن أمر ببيوتهم عابرا دون موعد، فعزت علي نفسي، وحمدت الله أن هذا لم يحدث في الواقع، ولم تكن رؤيتهم جزءا من أحلامي، ووجدت نفسي في الشارع، الذي وصفت صديقا لي بأنه كناس شوارع، في صفة مجازية لكثرة ما يعود إلى ذاته ليفرغها من أدرنتها، ولابد في مثل هذه الحالة،
أن أبادر إلى تأمين حاجتي من الأكل والصحف والتبغ، فرحت حينما بدأ لي عم )عبده(، صاحب البقالة المجاورة لبيتي، هذا الرجل اليمني الجميل الذي فقدته أكثر من ثلاثة شهور، بسبب سفره إلى بلده، وإبقاء ابنه مكانه في الدكان، ليحرمني قراءة الصحف مجانا بفظاظة،
وقد بقي له في ذمتي ريالان لأن قيمة صحيفة أخذتها منه، فرحت لرؤيته وقد كان منهمكا في شد مقاعد سيارته العتيدة، فصحت به مرددا بيت الشعر: )يمانيون في المنفى..
ومنفيون في اليمن(، قبلته ودون سؤال وكلام كثير، عاد إلى عمله في داخل سيارة عتيقة يشد مقاعدها، وغطس وجهي في يوم جديد داخل صحيفة، وأحلامي بعدي..
|
|
|
|
|