| محليــات
قال الأحنف بن قيس في فضيلة الصمت: )الصمتُ أمانٌ من تحريف اللفظ، وعصمة من زيغ المنطق، وسلامة من فضول القول، وهيبة لصاحبه(...
وقيل: «الصَّمتُ )السكوتُ( من فضة»، و)قل الحق أو فاصمُت(،
و....
)إن لم تجد ما تقولُ فاصمُت...(
وما تجدهْ يستحق القول، ويتخطى حدود الصَّمت بلا ريب ذو منفعة، وما فاض عن الحدود أهلَكَ، وما جاء في غير فائدة أفسدَ، حتى لو كان الفساد يصيب الوقت، فيصيب من بدَّد الوقت، أو بُدِّد معه الوقت...
ومن أَتقن نطَقَ، وإلا فهو يقع في مَغَبَّةِ التَّحريف، وتحريف الكلام من أشدِّ عيوب النَّاطق عند العرب، وزَيْغُ المنطق ضلالةٌ، والبراءةُ منه عصمةٌ عندهم أيضاً، وفُضُولُ القول مَهْلَكةٌ، والنجاةُ منه سلامةٌ،... والكلامُ الكثير ثرثرةٌ، وهي للمَهابة مَضْيَعةٌ والعرب كانت تقدّرالمُهاب...، ولا تأتي المهابةُ بأكثر مما تأتي به للصّامتين...، ذلك لأنه إن نطَق عُرف...، وإن صمت جُهل...، وكلُّ مكنونٍ موضعُ حذرٍ، لايدري المرء أيقتحمه فيسْلَمُ، أو يقتحمه فيأْلَمُ...، لذلك قيل في الصَّمت نجاةٌ، وفي قِلّة الكلام حكمة، ووسِم الصّمت بالفضة، لأنّها كانت المعدن )المثَل( لثراء الناس...، فمن الذي يقتني الفضة غير علية القوم؟؟، وهي لم تكن في متناول الجميع...، ولأنَّ عامة الناس غَوْغاء، ولا تجد في الشوارع، والأزقَّة، ومحال )التَّجمع( البشري، مع يُسْر العيش، ورقّة الحال إلاّ غَوْغاء وجعجعة، حتى إذا نشدْتَ السكينةَ، والهدوءَ ذهبتَ تبحثُ عنها في المناطق المتْرَفة...، وترَفُ المعاش يمنح الثّقة، ويُشعِرُ بالأمان، ويمنح المهابة، لذلك يتحَّى السّكَنُ والسَّاكنُ بالصَّمت. أي بالمهابة والهدوء..!!
و... وجهان للحياة: في شغب، وأخرى في هدوء..،
كم في الأولى من المكاسب والخسائر...،
وكم في الأخرى منهما؟!...،
الصَّمت يساعد على التأمل، والتأمل حافزٌْ للتفكير، والتفكير بوتقة للابتكار، والابتكار سبيلٌ )للعطاء( )للإثمار( والإثمار إضافةٌ...
أما غير الصمت فلا ما يستدِرُّ حوافز التأمل، ويَبْسط لها أجنحة الرحيل في مساحات الخيال... حيث بوتقة التّكوين...
حيث يكون الصَّمت يكون الابداع والعمل...
كثيرون يحسَبون في الصمت )فناءً(، )موتاً(، عدم احساس، لا مبالاة، انفصالاً عن المحيط، نأياً عن المؤثرات...
والحقيقة أنه حيث الصمت تكون الحياة، والوجود اليقِظ بيقظة الحس، بحركة الذهن، بوثوب النفس إلى حيث لا هوادة نحو أن تتشكَّل الأشياءُ الواردة في الداخل كي تكوِّن ما سيكون، وتأتي بما لم يكن...
لذلك تعالت حكمةُ الأحنف بن قيس...
ومن ثَمَّ توالت أحاديثُ ووصايا الحكماء...
والحكماء يمسكون بمفاتيح الحقائق، ويملكون أزِمَّة عنان جياد المنطلقات، تلك التي تتسابق، وتتسامق فيها وعنها، ومنها، قوادم الابتكار، وشلاَّلات أضواء التأمل تنطلق من صمتٍ، إلى صوتٍ...
ومن سُكونٍ، إلى نُطْقٍ...
ومن نقطةٍ، إلى آفاقٍ...
ذلك لأنّ الصَّمت مدرسةُ النّطق...، ولا يأتي من رحم السُّكون إلا قطراتُ الهتونِ تُدرُّ في الأرض اليباب...
ألا فكونوا حكماء... تأمنون التّحريفَ، والزيغَ، والفضولَ، والتسطّحَ...
وترِدون موارد الفضة، تلك التي تُوشِّي بمائها مهابةَ الكمون، حتى إذا ما توالى في انهماره على مدى التأمل، جاء بما يُبْهِر، وُيمْهِر... ويفيدُ...
في مهابة العطاء...
حين يكونُ للعطاء مهابتُهُ...
|
|
|
|
|