| مقـالات
أمتعنا، مشكوراً، وعلى مدى نصف ساعة يومياً من شهر رمضان الكريم، الراوية والأديب الشعبي محمد الشرهان، عبر قناة قطر الفضائية، في برنامجه اليومي )الراوي(.
في الحقيقة نشكره على تلك اللحظات الجميلة التي منحنا إياها، أسعدنا بالرواية والشعر والطرفة والحكمة، تلاعب في رشاقة وبراعة بمشاعرنا، يوماً نبتسم لطرفته، ويوماً نتشوق مع روايته، وآخر ندمع لقصته، وحيناً آخر نتأمل مع حكمته، وأوقاتاً تحلق مشاعرنا وترهف أحاسيسنا مع شعره، وفي كل الأحيان نندهش ونتفكر في قدرته الحفظية الغزيرة وذاكرته الموسوعية وتمكنه من فن الكلام ومهارة الحديث!
حين تتابع )الشرهان( يتحدث، يمتعك، يأسرك، يدهشك، يتلاشى وجودك فلا يبقى منك إلا أذان ووجدان. آذان صاغية منصته، ووجدان مشاغب متحرك! تارة يفرح وتارة يأسى، تارة يتأمل وتارة يندهش.
عندما يتحدث )الشرهان( تدرك بسهولة انه انسان محترف يجيد العزف ببراعة على أوتار سمعك ووجدانك. حضور آسر، ذاكرة غزيرة منتجة، خيال خصب، ذهنية مرتبة، أفكار متسقة، حصيلة لغوية ثرية، جمالية التعبير والتوصيل، تفاصيل مشوقة، استخدام متناسق لوسائل الاتصال الإنساني غير اللفظية من حركات واشارات وإيماءات تخدم التواصل، فالاستعانة بوسائل التعبير الجسدي لها وظيفة تأثيرية في توصيل الفكرة من ذهن المتحدث لأذهان الآخرين ونقل الصورة الذهنية للمستمع.
بالإضافة الى ذلك فإن )الشرهان( كمتحدث محترف يجيد العزف على الصوت، فلديه صوت مفعم بالانفعالات والمشاعر، مما يعني توظيف الصوت ببراعة لخدمة أغراض الحديث. فالصوت كما هو معروف ليس فقط استعمال جهاز النطق بما فيه الأحبال الصوتية واللسان لأداء وظيفة واحدة هي إيصال الفكرة من ذهن المتحدث إلى ذهن المستمع، إنما هو إضافة الى تلك الوظيفة فإن له وظيفة أخرى لا تقل أهمية عن الوظيفة الأساسية، وهي إيصال الانفعالات والعواطف من وجدان المتحدث الى وجدان المستمع.
ومن هنا تظهر لنا أهمية الصوت وطبقاته، علوه وإنخفاضه، والتنغيم والوقفات أثناء الكلام، حيث يشكل وسيلة إيضاح مساندة لتوصيل معاني العبارات المنطوقة، وفي هذا المجال يفترض علم الاتصال الانساني ان الانسان يبطن كلامه سواء كان سردياً أو منطقياً أو موضوعياً ببطانة وجدانية تتمثل أكثر ما تتمثل في صوته وما يحمله ذلك الصوت من نغمات وما يفصل بينه من وقفات.
وبتعبير آخر فان ما يتصف به الكلام من جمال إنما يساعد على النجاح في تحقيق الوظيفةالاتصالية بين المتكلم والمستمع.
فأنت لا تنقل المعاني وحدها إلى مستمعيك بل تنقل اليهم جماع نفسيتك، تنقل اليهم عقلك ووجدانك معاً.
حقاً ان كل انسان يستطيع ان يتكلم، ولكن ليس كل انسان يستطيع ان يتحدث ويؤثر في الآخرين. فالحديث فن ومهارة واحتراف.
والحديث المؤثرهو قدرة شخصية واستعداد فطري يحتاج إلى تركيبة ثلاثية فريدة عقلية وعضوية ونفسية.
والمتحدث الجيد كما يصفه علماء الكلام هو المتحدث الذي يتمتع بقدرة فائقة على استخدام أحباله الصوتية بذكاء حتى يخيل اليك وانت تنصت إليه انك تستمع الى قطعة موسيقية عذبة لمؤلف بارع وعازف ما هر.
بل إن علماء الكلام والاتصال الانساني يدعون إلى إنشاء علم جديد للكلام وفنون الحديث يٌدرس بالمدارس للتدريب على الإبانة والإفصاح ونقل الأفكار والمعاني والمشاعر من ذهن الفرد الى ذهن الآخرين. فن الحديث هو مجموعة من المَلَكات والمواهب.
عبارة عن تركيبة موزونة من الاستعدادات تبدأ بحواس ووسائل إدراك وجهاز التقاط معرفي يقظ متنبه، متصل في نهايته بمستودع فكري لتخزين وبرمجة المدركات والأفكار والخبرات بشكل تراكمي متجدد، تخدمه ذاكرة نشيطة متوهجة قادرة على استحضار التفاصيل، يوظف أدوات ووسائل تعبيرية مؤثرة لنقل المعاني والمشاعر والصور الذهنية بوضوح وجمالية للآخر.
ويصاحب ذلك ما يسمى ب)الكاريزما( من حضور طاغ وجاذبية آسرة في الشخصية.
هذا هو سر )التركيبة السحرية( للشخصية المتحدثة التي تملك تلك القوة السيكولوجية المؤثرة التي تدهش المستعمين.
نورة حمد الجميح
|
|
|
|
|