| مقـالات
بماذا تشتهر البحرين: بالسمسم أم باللؤلؤ؟
فيلم «اسماعيل ياسين في الجيش» من قام ببطولته؟
وإلا ما هي الكلمة الناقصة في المثل التالي «لابد من صنعاء ولو طال...»؟ هل هي الفراق أو الاغتراب أو السفر أو المسافة؟ )والأصح حرف ان بدلا من لو، وهو عجز لبيت ينسب للإمام الشافعي، وذهب مثلاً( ولك عزيزي المتسابق بالإضافة إلى هذه الخيارات الأربع ثلاث وسائل للمساعدة: الأولى أن يساعدك جمهور الحاضرين، والثانية أن تتصل بصديق، والثالثة أن نخصم من نتيجتك ونعطيك سؤالا آخر؟ ويتصل المتسابق بصديقه، ويفاجأ الصديق، فيقترح «الفراق». وهكذا تكون «دبل سوبر خيبة كينج سايز» علينا وعلى شبابنا، وثقافتنا، ووسائل إعلامنا، وتعليمنا!
هذه عينة من أسئلة في برنامج سبقته دعاية ضخمة واشرأبت إليه الأعناق فهو يقدم جائزة تبلغ المليون ريال عداً ونقداً. وربما كانت جائزة الأسئلة السابقة مائة ريال أو بضع مئات، ولكن انظروا إلى هذه الأسئلة: بأي منتج زراعي تشتهر اليمن؟ البن أو البطاطس أو المانجو ورابع قد يكون الكيوي ولكن من المؤكد أنه ليس القات. جائزة هذا السؤال السخيف 16000 )وبالكلمة ستة عشر ألف( ريال أي مرتب استشاري سعودي، أمضى في وظيفته الحالية بضع سنوات بحسب كادر الأطباء. أما مقولة عمر بن الخطاب الشهيرة «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً!» )وكالعادة هناك أربعة خيارات وثلاث مساعدات( فجائزته 32000 )اثنان وثلاثون ألف( ريال. وهي مقولة لاتقاس بالذهب ولاتوزن بالمال. وفي نفس الوقت يجب أن يعاقب أي عربي بالغ راشد عاقل، لايعرف هذه المقولة وقائلها.
وهذا البرنامج ليس الوحيد في حلبة الإسفاف الثقافي المعرفي، فكل البرامج بدءاً من تلك التي تقدم جائزة نظارة تحمل اسم المنتج الغذائي الغلاني، مرورا بالبرامج ذات السؤال بعشرين وخمسين ومائة دولار، إلى البرامج التي تقدم عشرات الآلاف، والسيارات، وتذاكر السفر بالدرجة الأولى مع الإقامة الملوكي لمدة أسبوع في فنادق السبعة نجوم سوبر ديلوكس. فالأسئلة لاتزيد عن إضافة الجهل إلى الجهل، وتحث على التخلف العقلي. مثلاً، المذيعة تقول في المقدمة إن «بيض الكوكو» الذي تصنعه الشركة «الفلانية» صحي للغاية، ولذيذ الطعم، وقليل السعرات الحرارية إذ تحوي العبوة كالوري واحد بينما يحوي الكثير من الفيتامينات والمعادن.
والسؤال للمستمعين الكرام: كم كالوري في كيس بيض الكوكو الغذائي الصحي اللذيذ: هل هي عشرة آلاف كالوري، أم مائة ألف كالوري، أم كالوري واحد؟
أما الأجوبة فتدعو إلى لطم الخدود وشق الجيوب. فمن فاتته المقدمة المعلوماتية الإعلانية لا يستعمل عقله، أو يريد أن يثبت لنا أنه من تحل له الصدقة بدعوى التخلف العقلي فيقفز إلى مائة ألف كالوري بكل ثقة!!
ودخلت قاموسنا كلمة خيارات بعد أن كنا لانعرف إلا الخيار والقثاء أو الخيار العسكري أيام الحرب الباردة. فلا يطرح سؤال حتى يبادر المستمع الكريم سائلاً بدوره المذيع: مافي خيارات؟ حتى ولو كان السؤال كيف الجو عندكم في المدينة الفلانية؟!
وبالإضافة إلى التخلف العقلي نجحت في تحويل الكثير من المستمعين إلى شحاذين رسميين، فهي تحضهم على الاستجداء بكل مسكنة، على رؤوس الأشهاد: «مافي مساعدة؟».. «تكفى يا أحمد يا الحبيب ساعدني».. «الله يخليك يا أميرة ساعديني». وكل هذا من أجل عشرين دولارا أو حتى مائة دولار.
وبينت تلك المسابقات على كل الفضائيات العربية، مسموعة أو مرئية، أنه كله عند العرب صابون. وأننا ولله الحمد نتساوى في الخيابة وقلة المعرفة، في كل بقاع العالم العربي. وان من يعرفون ويحظون بقدر من المعرفة والثقافة والاطلاع يعزفون عن المشاركة في تلك البرامج.
ومنذ بضع سنوات سمعت أحدهم يقول في ندوة علي شاشة التلفزيون «ياليتهم بورجوازيين، البورجوازية منتجة.. أما الرأسمالية فمدمرة». ولم أفهم! ولكن أعجبني وقع الجملة، والآن فقط بدأت أرى مقصده بوضوح: تحالف الرأسمال المسعور، مع الإعلام الغبي، لتسخيف العقول وتسفيه الألباب. ولو قال لي قائل ان تلفزيونات الغرب العبقري تنضح بمثل برامج المسابقات هذه، ولم تؤثر على عقولهم فهم يخترعون ويبيعون.. الخ. أقول: نعم، تلك تعد برامج ترفيه، ولكن بجانبها بضعة برامج مسابقات ذات مستوى راق في العلم والمعرفة. ولكن هات لي برنامجا فضائياً واحداً غير «ضيعة» الدكتور عمر الخطيب.
في السابق كان لدينا «أبجد هوز»، و «فكر واربح»، وغيرها من برامج المسابقات. كانت تلك البرامج متعة ثقافية وغنية بالمعلومات والمعارف وكانت الجوائز أيضاً مقدمة من مؤسسات تجارية، وغايتها أيضاً دعائية، ولابأس البتة في ذلك. كما أنها كانت متنوعة أي الجائزة الأولى من الشركة الفلانية، والثانية من المكتبة الفلانية. حتى عندما تبنت الخطوط السعودية برنامج تذكرة سفر، كانت الأسئلة علمية ثقافية من دون خيارات ولا مساعدات. بل حدث، عندما كان سني 15 عاماً ) وهذا من باب تعزيز الإيجو بالطبع( أن غمطني مقدم البرنامج حقي لضعف معارفه وتقيده بالأجوبة الموجودة في الورقة التي أمامه، فخطأ إجابتي، وحرمني من تذكرة سفر دولية، لآخذ تذكرة سفر محلية. وكان عزائي عندما ذهبت إلى البقالة صباح اليوم التالي إذ أعرب المتسوقون ممن أعرفهم ولا أعرفهم عن تعاطفهم معي.
أما الآن فالمؤسسة التجارية أضحت عملاقة وألمّ بها سعار السوق فتتبنى برنامجاً ما على مدى دورة كاملة وتنفق عليه مئات الآلاف )والآن الملايين( وقلبها مفعم بالحب والحنان لتفرحهم بالدولارات وتؤكد لهم أن العلم والثقافة والمعرفة كلها لا تؤكل عيشاً بأسئلة من نوع: في أي عام من الهجرة، هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة؟ وأمام السؤال بضعة اختيارات، وعلى قدر إلحاف المستمع الكريم تكون المساعدة.
فاكس: 4782781
fahads@suhuf.net.sa
|
|
|
|
|