| مقـالات
تعرفت على حملات الحج في وقت مبكر، وأتيح لي ان أرافق حملة «كويتية» مع جدي لأمي رحمه الله الذي كان يعمل في الحملة على مدى ثلاثين سنة او تزيد، كنت طفلاً في التاسعة من عمري لا أعرف ركوب السيارات ولا اكل المعجنات والمحشيات، ولايتاح له شرب الشاي كلما أردت، وما كنت ادري ما الحج ، وما مشاكله، واطفال نجد إذ ذاك يتحملون من الأعباء ما يحرمهم متع الطفولة وبراءتها، ومع شقاء العمل لا يخلصون من شظف العيش ونكد الحياة، فالغذاء لا يتعدى التمر الاسود والحنطة السمراء واللبن الابيض، وما احد منا بقادر على شيء من الأسودين والمذق حتى يجوع، وإذا أكلنا لا نشبع نحيي السنة اضطراراً لا اختياراً، وكان الآباء والامهات يعللوننا بان العافية في اطراف الجوع كمن يعلل بالوصل والموت دونه، وهي تعلة عاجز، وحين فاجأتني هذه الرحلة بما لم أكن اتوقع، تحركت عندي شقاوة الاطفال المكبوتة، وعشت الرحلة بالعرض والطول، آكل قبل ان أجوع، واذا اكلت لا اترك شيئاً للماء ولا للهواء، وبها احسست ان رياح التغيير قد هبت، ومن الضروري اغتنامها، كان ذلك قبل خمسين عاماً، ولم تكن مكة والمدينة والمسجدان الشريفان وسائر المشاعر وجملة الاحوال على ما هي عليه اليوم، من سعة في الامكنة ورخاء في الارزاق وراحة في الوسائل وخدمة فائقة في المشاعر ووسائل مواصلات واتصالات.
كان الحرمان الشريفان كما هما في العهد التركي، والخدمات ليست بالقدر ولا بالنظام القائمين، ولم يكن الطائفون والعاكفون والركع السجود بهذا القدر، فالزحام قائم، ولكنه دون ما هو عليه الآن. وأخوف ما يخاف الناس منه إذ ذاك الاوبئة التي تحصد المئات، ثم لا تكون الإمكانات الصحية على المستوى المطلوب.
لقد تركت هذه الرحلة في نفسي انطباعات محفورة على الرغم من مرور نصف قرن عليها، أذكرها كما هي بأدق تفاصيلها كلما اقتربت مواسم الرحمة، اذكر الحجاج الكويتيين، وأذكر النساء الكويتيات بخمرهن وجلابيبهن: مبرقعات او محجبات او متلثمات، ولما لم أكن من أولي الإربة فإن الذي أذكره جيداً وأميل إليه كل الميل ما يحملن من لذيذ المكسرات وشهي المعجنات، وأذكر ما يغمرنني به من حنو وعطف، وأذكر صاحب الحملة الذي يضيق ذرعاً من مبادرتي بخدمة القواعد والناشاطات منهن، فأنا أنقل الماء والقهوة إلى مخابئهن حيث يتوارين، وإن لم يطلبها أحد رغبة في أن أظفر بقطعة حلوى أو قبضة من المكسرات. وكم هز جسمي النحيل صوت المتعهد بالإعاشة ينهرني بعنف، ويحملني على كف الأذى وإيقاف ما يراه تبذيراً، لقد كنت كما النمل دائب الحركة جيئة وذهاباً أنقل الأمتعة إلي حيث تتحلق النساء في الخيام أو في أفياء السيارات، وأجلب الماء للشاربات والمغتسلات. وأذكر فيما أذكر مكة وأسواقها وباعتها والمياه التي تراق على الحجارة للتبريد أو لتهدئة الغبار فتلوث أطراف الملابس، وأخاف الكلاب التي تملأ المسعى بحثاً عن برد الأرض، ويزيد خوفي حين تعوي متوجعة من ركل الساعين بين الصفا والمروة او من وطئهم أطرافها إذ كان المسعى يومها سوق بيع وشراء.
وكلما هممت بالكتابة عما فعلت وعما لقيت وعما رأيت في هذه الرحلة من مفاجآت صرفتني أمور كثيرة، ومازلت أعد نفسي وأمنيها باستعادة الحلو والمر من الذكريات، وما ذكرته على عجل من باب التداعيات، وسنصرف عنه الذكر صفحاً إلى حين، ولنتحدث عن ظاهرة الحملات المماثلة. لقد احتدم السباق بين الاشكالية والحل، وكثير اللغط، واستفاضت مشاكل الحج، وتعب المعنيون، واشتدت وطأة الزحام، وزاد شِقُّ الانفس الذي توعد الله به عن حد الاحتمال، وبهذا وجدت الدولة نفسها امام فيض من الاشكاليات والمشاكل التي تتطلب مواجهة عازمة حازمة شجاعة، تقرض المشاكل ذات اليمين وذات الشمال، وهي إذ تكون مسؤولة امام الله عن امن الحجاج وراحتهم فإنها جادة في الفعل ناصحة في القول وليس لديها فضلة مع الوقت للتزود او استعراض الخيارات، اذ لابد من المواجهة الفورية والحلول المبادرة، ولقد كانت بصدقها واخلاصها وامكاناتها مثار الدهشة والاعجاب ومناط الثقة، ومبادراتها المصيرية تدل على انها في مستوى مسؤوليتها. وقد كان من مبادراتها المثيرة والحتمية بعد التوسعة وتوفير الخدمات وتأمين السبل تحديد نسب الحج في الخارج، وتطبيق ذلك في الداخل وربطه بالحملات، لكيلا يكون للناس حجة، ولما لم يكن امر التحديد مرتبطاً بمصلحة الدولة علي الصعد: السياسية والاقتصادية والامنية. رضيه العالم الاسلامي ودعي اليه وقبله المواطن وعدّ امتثال الامر من الطاعة الواجبة، ومع التزام الدول الاسلامية وحجاج الداخل بالتحديد وما يقتضيه من ترتيبات فإن الامر لايزال بحاجة الي مزيد من الحلول والقرارت الشجاعة والمتابعة الدقيقة والتصحيح الفوري، وايا ما كان الامر فان اي مبادرة تكون مظنة التعديل والتبديل فالمثالية النظامية تمر بمحك التجريب. وقد لا يكون منشأ الإخفاق مرتبطا بنص النظام وانما هو من عند ا نفس المطبقين، وعلينا ان ننظر الي ارادة الله الشرعية وارادته الكونية في احوال المسلمين، فالنص القرآني لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ووعد الله حق متى امتثل الموعود امر ربه ولله المثل الاعلى. ولهذا فإن توقع الخطأ او الاخفاق لا يمسان اهلية المشرع ولا سلامة المشروع. وليس فيما اقول تزكية ولكنه لون من ا لتحفظ والتذكير بمصادر الخطأ التي ربما تكون من عند أنفسنا نحن. ومع الثقة بأهلية القرارات فان الاجراء قد يعتريه الخطأ: خطأ النظام، او خطأ التطبيق. والصادق الناصح من يراهن على الصدق والاخلاص ولا يراهن على النجاح. ولان القرار والاجراء بشريان فانهما مظنة النقص الذي يحتاج الى استكمال او الخطأ الذي يحتاج الى تصحيح، والاستكمال والتصحيح دأب الناصحين وديدنهم، وفي هذه السياقات الاستكمالية او التصحيحية كان أن بدأت في البلاد فكرة «حملات الحج» وقد جاءت بادي الرأي مبادرات شخصية غير منضبطة وغير معممة وغير مقدرة، وتلك ثنيات سوف تنسل منها الاخطاء، ثم تكون ركاماً، لقد كان حديث الناس الذي يملأ الرحب دافعاً لتجسيده بين يدي من يقول عند الملمات: اشيروا علي، اقتداء بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. وحين وجدتها مناسبة للحديث عما انطوى عليه من ذكريات، وما اختزنه من مشاكل، وما أود تحقيقه من ضوابط وشروط بدأت من حيث يكون التأسيس.
وودّع الناس في غفلاتهم يحول مشروع الحملات الى عبء على الحاج وعلى الدولة معاً، ذلك ان حرية العمل والتجارة عندنا تتسع بشكل يقترب بها من الفوضوية، ومبدأ التسامح قد يجرئ ضعاف النفوس علي استغلال المواقف لصالحهم على حساب الحجاج، كما المال السائب الذي يعلم السرقة. ولأن ظاهرة الحملات في بدايتها، ولان ا لحجاج حين يعودون الى اهليهم ومطارح اعمالهم يكون حديثهم عما واجههم من المشاكل وما عانوه من سوء الخدمات وتفاوتها، وما تعرضوا له من تقصير يحول بينهم وبين مايشتهون من راحة روحانية، ولأن المبالغ التي يدفعها الحاج لأصحاب الحملة كبيرة وكافية لتوفير افضل الخدمات، ولان البعض لا يقدر على تحمل هذه المبالغ ولأن الكثير من المحافظات والمراكز وأطراف البلاد يوجد فيها حملات للحج، ولأن الناس اعداء ما جهلوا، وإذ تكون ظاهرة الحملات غضة طرية وستمر بتجارب فجة واخطاء فادحة فإن على القادرين وذوي البصيرة والبصر ابداء الرأي واسداء النصح، وعلى المسؤولين الاصاخة وإلقاء السمع ورصد الآراء وتقبل المقترحات، وعلى سائر الجهات الحكومية ان تمارس حقها في التأسيس العلمي والنظامي لهذه الحملات، بحيث يكون الضبط والربط والاداء السليم، وسد ذرائع اللعب والاهمال. والمؤكد ان ربط التصاريح للحج بالحملات ابتداء فيه تضييق من جهة واغراء للعبث والتلاعب من جهة أخرى.
ولأن هذه الحملات غنيمة باردة فإنها ستتسع مع الايام ويتهافت علي انشائها اللاعب والتاعب، وبما أن الدولة في سياق حملتها التنظيمية تتجه صوب هذا المشروع التنظيمي بحيث لا يتم الفسح لحجاج الداخل إلا عن طريق الحملات فإن واجبها وضع الأسس النظامية والضوابط الدقيقة الصارمة التي تحمي حقوق المواطن، وتحول دون اي تلاعب يبخس الحاج اشياءه، ويعكر عليه صفو الروحانية، كما تجب السرعة في تعميم ا لحملات وتسهيل التواصل معها.
إن فكرة الحملات جيدة، والمرحلة تقتضيها، وليس هناك من بأس في تعجيل امرها، ولكن يجب تصور المشروع وما سيترتب عليه من سلبيات وعدم اتاحة الفرصة لضعاف النفوس. فالحج بما يحمله من نزول وارتحال وتنقل في المشاعر واحتياج الى خدمات صحية وسكنية ومعيشية يحتاج الي وعي تام وامكانيات استثنائية تريح الحاج وتحفظ حقوقه، وتساعد على تحقيق مقاصد الدولة من إشاعة النظام، وفك الاختناقات، وتيسير السبل، وتوفير السلامة وما يجب التنبه له كون التكلفة بالنسبة لمحدودي الدخل باهظة ولاسيما إذا كان رب الأسرة سيحج بعدد من أبنائه وبناته فهو حين يؤدي الفريضة بسيارته لا يحتاج الى مزيد إنفاق، اما حين يضطر الى تأدية الفريضة عن طريق الحملة فإن النفقة سوف تتضاعف، اذ هناك وسيط جشع، وأذكر ان هناك حجاجاً كويتيين يرافقون الحملة في الطريق على سياراتهم بحيث توفر لهم الاعاشة والسكن وبخاصة في المشاعر. فهلا فكر المسؤولون بالاستفادة من تجارب الآخرين.
إن أول ما يجب التفكير فيه انشاء شركات وطنية مؤهلة لحملات الحج لها مكاتب رئيسية ومقرات وفروع ووكلاء في المحافظات والمراكز، ووضع نظام يحدد الحقوق والواجبات، ويحمي حقوق الجميع عند التنازع، ولا بأس ان تكون الخدمات المقدمة للحاج ذات مستويات، بحيث يتوفر القادرون على خدمات افضل. ويتمكن من هم دون ذلك على اسعار افضل. ولأن الحج رحلة عبادة فإن طائفة من المحتسبين يودون ألا تبلغ الخدمات حد الترفيه، ومن ثم يختارون المستوى لورعهم أو لإمكاناتهم المادية والصحية. وحين تنهض بالمهمة شركات أعطيت من التسهيلات ما يمكنها من تحسين الخدمات وخفض التكاليف، تكون امكاناتها قوية بحيث تتوفر على اختيار مواقع في طريق الحج تكون محطات للقوافل تقام فيها استراحات مزودة بمظلات وحمامات تقف فيها قوافل الحجيج، ومن الممكن ان يشترك في الاستراحات اكثر من شركة، وذلك بالتفريق الزمني لانطلاق الحملات.
وفي مكة والمشاعر تؤمن للحملات المساكن المناسبة داخل مكة وفي المشاعر وترسم خطط التحرك بحيث لا تشكل قوافل ارتباكاً في الطرقات، ولا ازدحاماً في المشاعر، ولا يحسم ذلك إلا التوقيت الدقيق لتحرك كل قافلة، كأن يكون اطراف النهار لحجاج الداخل وأوائله لحجاج الخارج، ولا يتحقق ذلك الا حين تربط التحركات بشبكة اتصالات وأجهزة مراقبة، وفي سبيل السيطرة توضع لكل قافلة روابط تنسق فيما بينها طوال العام تحدد لحظات الظعن والاقامة، ولابد ان يمكن قادة القوافل من شبكات اتصال مباشر وربط الشبكة بالمسؤولين عن حركة المرور في المشاعر. وتكون لهم قيادة مركزية تنسق فيما بين الحملات وتتلقى التائهين والمصابين وتبادر بإيصالهم لمواقع سكنهم، على ان تمكن الحملات من خطة الحج جملة وخطة حجاج الداخل، وتكون المراقبة ومراكز المعلومات والمتابعة مزودة بمندوبين يتواصلون مع المسؤولين الذين يعملون في مواقع العمل، على ان توضع خطة الحج بأيدي المرشدين للقوافل، ومع سائقي الحملات، وبخاصة السائقين الذين لا يعرفون لغة ولا يملكون خبرة ولا يهتدون سبيلاً، وما تتعرض له الخطط من فشل او ارتباك مرده الى جهل المستفيد وتكتم المسؤول، والتعويل على وسائل الاعلام اهدار للجهد، فالحجاج في مواقعهم مقدور على توصيل المعلومة لهم.
وفي سبيل التفعيل الايجابي لابد ان تتولى جهات رسمية في وزارة الداخلية والحج والصحة وشؤون الحرمين التدريب والتعليم والمراقبة، ثم تقويم الاداء عن طريق المتابعة المباشرة والاستفتاء المستمر ممن يعيشون الاحداث، بحيث تعاقب أي شركة على تقصيرها أو خطئها الناتج عن الإهمال، فإن من أمن العقاب أساء الأدب، ومبدأ الثواب والعقاب إسلامي، ولا مشاحة حوله، والمشاهد اليوم تلاحق إنشاء الحملات بمسميات جذابة وتدفق الاعلانات والنشرات، حتى اذا تهافت الناس عليها تكشفت عن ممارسات دون ما يؤمله المتعاملون وتتطلع اليه الدولة، وفي مثل هذه النتائج احباط وتيئيس من جدوى فعل تباركه الدولة وتتطلبه المرحلة.
والحملات حين تقوم معها ضوابط تحمي حقها الجُهدي وحق الحاج الخِدْمي، ويمتلك ذووها تحقيق ما تصبو اليه الدولة من تخفيف في حركة المرور وانضباط في تحرك الحجيج تؤدي ما اريد منها بالتزام ما اريد لها، ولن يتأتى شيء من ذلك الا حين ترسم التصورات وتضبط الشروط وتقوم الحدود ويعرف كل طرف ما له وما عليه، وترك الامور للصدف وتمكين القادرين مادياً من مباشرة العمل على الشكل الذي يريدون وبالاسلوب الذي يودون سيؤدي الى شيوع الفوضى واستفحال المشاكل، ومن ثم يضاف الى اعباء الدولة اعباء جديدة، وما تجربة الطوافة التي مرت بمراحل تصحيحية الا مثل من امثلة ومشكلة من مشاكل. فلنبادر الى مواجهة الظاهرة بكل ما أوتينا من قوة.
وحين تجد الدولة نفسها مضطرة الى التحديد العادي للحجاج والوصف النوعي للمركبات والاساليب المتجانسة للاداء، وربط حجاج الداخل بالحملات يجب ان يوضع تصور مستقبلي لما يجب ان يكون عليه مستوى تلك الحملات وحجمها ونظامها واسعارها وانواع الخدمات التي تقدمها ومستوياتها، بحيث تكون قادرة على استيعاب حجاج الداخل وتوفير الامكانيات الكفيلة بتيسير سبل الحج، ولضمان استمرار ذلك وتطويره وتلافي الاخطاء اولاً باول يجب ان يكون في كل مقاطعة ثلاث شركات كبيرة متنافسة، وان يمنح الترخيص وفق شروط دقيقة وامكانيات مالية وبشرية كافية وتوفر اجهزة ومعرفة وخبرة مناسبة، وتكون الشركة محدودة تضامنية تمتلك وسائلها ومواقع سكنها، على ان يمكن الافراد العاملون من دورات تدريبية مستمرة تسبق الموسم، ولضمان الربح والاستمرار يجب منع حرب الاسعار والمغالاة، وذلك بالوقوف الفعلي على تكاليف الحملة وفق مستويات الخدمات وتقدير ربح مناسب يضمن للشركة الاستمرار والتعويض عن اي خسارة عارضة، ومن الممكن ايجاد صندوق مشترك من الدولة والقطاع الخاص لمنح قروض ميسرة لسد الحاجة عند التأسس ومواجهة الطوارئ، والدولة التي تدفع المليارات لتطهير البيت وتهيئته للحجاج والمعتمرين ليست عاجزة عن الاستجابة لطموحات المواطنين. وها نحن نعيش فرحة الوقف الذي تفضل به ولي الامر بحيث يكون عائده لخدمات الحرم الشريف ومنشآته لفك اختناقات السكن.
ومن اولويات المحاذير توقي الاعمال المؤقتة والاجراءات الوقتية، اذ الحج يمر بالامة كل عام، ومن ثم يتطلب فعلاً استراتيجيا واجراءات مستمرة الاداء ومنجزات طويلة الاجل.
واذ يكون تحديد النسبة العددية واسلوب الوصول للمشاعر والاداء ونوع وسائط النقل ومنع المواطن من تكرار الحج ومنع الحج الفردي على السيارات الخصوصية ضرورة يفرضها الزحام الخارج عن السيطرة فانه يجب ان تقدر الضرورة بقدرها، وان توفر لهذه الضرورة الامكانيات الكفيلة بتيسير الحج وضمان حقوق الحجاج. والناس شهود الله في ارضه، فإذا كثرت الشكاية وشاع التذمر وجب رصد ذلك وتعقبه والبحث عن حلول مناسبة، ومتى احس الجميع بالمتابعة والتقصي خفت المشاكل وتقلص الاهمال وقلت السلبيات.
والحج سفر، والسفر نار، وليس قطعة من النار كما يقال، والوافدون للحج تختلف ألسنتهم وعاداتهم ومستويات تفكيرهم، واحتمالهم الجسمي ومناسبة الأجواء لهم وهذا التفاوت يصعد المشاكل ويعرض المسؤولين للحرج، وما لم يتعامل المسؤولون مع الحج وظروفه العصيبة ومفاجآته المربكة بوعي تام ودقة وملاحظة ومتابعة مستمرة زادت الاحوال سوءاً، وعرض المسؤول نفسه للمؤاخذة مع مايبذله من جهد ومال يشهد به القاصي والداني.
وتجمع الحجاج والمعتمرين من آفاق المعمورة في زمان محدود وأمكنة محدودة في ساعات محدودة وعبر طرق محدودة وبوسائل كبيرة وكثيرة وبمستويات ذهنية وأحوال صحية ولغات مختلفة، كل ذلك يتطلب امكانيات استثنائية، وحلولاً فورية، وتخطيطاً سليماً مسبقاً، وكفاءات بشرية مدربة، والدولة أولت المسجدين والمشاعر عناية فائقة لا يكتمها إلا موتور، وهي جديرة ومؤهلة لمواجهة إشكاليات الحج التي تتضاعف عاماً بعد عام، وما لم يكن المواطن عيناً وعضداً وسنداً للمسؤولين فإنه يكون عبئاً ثقيلاً يضاف الى أعباء الدولة التي تفيض أوعيتها بالمشاكل. والله الذي اختار لبيته هذه الدولة شد عضدها بالامكانيات المادية وبالاستقرار وفجر لها كنوز الارض وهداها الى تحكيم شرعه واظهار دينه، وهذا الشرف العظيم الذي خص الله به إنسان هذه البلاد عبء كبير ومسؤولية جسيمة، فواجب الكل التآزر والتناصح لحمل هذا العبء والظفر بهذا الشرف، والله المسؤول وحده أن يوفق ولي الأمر للبطانة الصالحة الناصحة الأمينة لكي تمكنه من أداء مهماته الجسام.
|
|
|
|
|