| عزيزتـي الجزيرة
إن المتأمل في عنوان هذا المقال يعتقد أن هناك جريمة قتل حقيقية «جريمة دموية»، ولكن بالفعل فهذه الجريمة هي جريمة قتل ولكنها من نوع آخر، جريمة القاتل فيها منظمة تسمى التثبيط وأخرى تسمى عدم التشجيع، وأما المقتول فيها فهو شخص يافع في عنفوان شبابه وكامل قواه يسمى المواهب، فأحداث هذه الجريمة هي كالتالي:
كان المقتول يتميز بمهارات عالية وقدرات خارقة وعقل واع وفكر ناضج، تظهر في مناسبات معينة وفي مساحات محدودة، وربما بعضها لا يستطيع أن يخرج، وذلك بسبب عدم التشجيع،
فإنه لم يجد في مجتمعه من يعينه على العمل والإنتاج أو أن يحرص على تبني أفكاره وآرائه أو حتى توجيهه لمن يستطيع أن يعينه في الوصول إلى طموحاته وتحقيق أمنياته وآماله، فكم في مجتمعنا اليوم من الشباب الذين تميزوا عن أقرانهم بمواهب عديدة سواء كانت في مجالات الدراسة كأن يكون مبدعاً في الخط أوفي الرسم أو أن يكون متفوقاً في موهبة الحفظ أو في مجال الكتابات المقالية بأنواعها المختلفة،
أو في الجرأة على التقديم والخطابة، أو في غيرها من المجالات الواسعة، ولكن الذي يقتل تلك المواهب هم القائمون على تربية من أساتذة في المدارس وآباء في البيوت، أو أن يكون هناك من يثبطه في المجتمع كالزملاء والأصحاب،
بل إن البعض هو الذي يقتل تلك الموهبة بنفسه فلا يحرص على تنميتها ولا على تعهدها بما يرفع من قدراتها واتساع مداركها.
فمن هذا المنطلق فإنني أهيب بكل من أحس من أبنائه أو تلاميذه أو أحد أفراد مجتمعه شيئاً من الموهبة بأن يحرص عليه وأن يقوِّمه وأن يوجهه لما ينفعه في تحسينها وتطويرها، فلو أن كل فرد فعل ذلك لكثر في مجتمعنا المفكرون والمنظرون )أصحاب النظريات(، وخرج منهم المبدعون والمبتكرون، ولتفوقنا على المجتمعات الغربية الأخرى.
فهم قد تفوقوا علينا برعايتهم لمثل تلك المواهب وطورورها بما يتناسب مع مداركها، وانه لمن المعلوم لدينا بأن العقل العربي الواحد أفضل من عشرات العقول الأخرى شريطة أن يوجه التوجيه السليم ويستخدم الاستخدام الصحيح،
فلو تأملنا أساس الحضارات الغربية لوجدنا أن معظمها قائم على ما فعله المفكرون العرب الأوائل، ولكننا تهاونا وتخاذلنا عن أن نستمر في المحافظة على ذلك المجد التليد والعز الكبير
ولكن بمقدورنا اليوم أن نستعيده شيئا فشيئا شريطة أن نعمل وأن نثابر وأن نعمل بإصرار جازم على استرداده ورجوعه
ولا يفوتني في هذا المجال بأن أذكِّر القراء بأن هناك بوادر وبدايات قد ظهرت لتبني تلك المواهب الموجودة والمهارات البشرية وأنها تستحق الإشادة والتشجيع،
ولكننا نطمع بالمزيد ونحرص على ألا نفوِّت من تلك المواهب شيئا، فالمواهب في مجتمعنا كثيرة ونحن أحوج ما نكون لها اليوم في ظل هذا العصر الذي فاقنا فيه المجتمع الغربي، فيجب أن نحرص كل الحرص عليها حتى يتسنى لنا اللحاق بركب المتقدمين.
فلماذا لا نحاول أن نجرب؟ نجرب مع أبناء مجتمعنا بعض المبادىء التي تعينهم على تطوير مواهبهم فالتجربة إن لم تنفع في هذا المجال فإنها لن تضر، ولنعلم أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة وأن من سار على الدرب وصل.
عبد العزيز بن خليف الحجاج الشمري
جامعة الإمام بالقصيم لغة عربية
|
|
|
|
|