| عزيزتـي الجزيرة
حدثنا زعلان بن طفشان صاحب المقامة الإهمالية فقال: وأما ما كان من أمر الإهمال فهو مغادرة البيت وترك الأطفال، أو كثرة القيل والقال.. واستعمال الجوال.. وربما الانشغال بسماع الموال.. ونسيان النفس والجري وراء المال.. وشرب القهوة مع حب الهال.. ولا ترى في النهاية إلا والدمع قد سال.. حزنا على المآل من ولد مال عنه والده فمال. وفي الخطيئة جال.. وذهب عنه الخلق وزال.. والضرب من الوالدين عليه انهال..
فأصبح الوالدان يندبان نصب الحال.. ويحاولان حساب الخطأ والتمييز بالعد والمكيال.. وربما يطلبان مساعدة أصحاب حرف الدال، ليجدوا لهم دواء تصلح به الأحوال.
هذا ما كان من أمر ابن طفشان، وأما كيف يعرِّف علماء النفس الإهمال؟
إليكم الاجابة عن هذا السؤال:
«الإهمال هو إدراك الطفل من خلال معاملة والديه أنهما يهملانه ولا يحفلان به، بحيث إنه لا يعرف مشاعرهما نحوه بالضبط، هل هي سلبية أم إيجابية؟ ولا يعرف الطفل في هذا الأسلوب من المعاملة موقف والديه من تصرفاته في المواقف المختلفة هل هما مؤيدان له أم معارضان؟ فهو لا يجد استحسانا لتصرفاته أو استهجانا لها. وفي هذا الاسلوب لا يشعر الطفل بالوالدين كقوة تربوية موجهة».
ولعل شوقيا رحمه الله قد أصاب كبد الحقيقة حين قال:
ليس اليتيم من انتهى أبواه من
هم الحياة وخلفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له
أما تخلت أو أبا مشغولا |
أمام هذا الواقع المظلم تحضرني صورة متألقة من الطفولة البريئة التي تعطي الأمهات درسا مفيدا في التربية والاهتمام.. إنها قصة أم وطفلها، اعتادت تلك الأم إهمال بيتها وطفلها.. وذات يوم وفي غفلة من الطفل الصغير أرادت مغادرة البيت، ولكنه انتبه لها، وتشبث بها بسلاحه الخاص، وحرمها من الخروج، فبقيت تلاعبه وتداعبه مرة بالرسم وأخرى بالقصص والحكايا، ومرت الأيام وفي كل مرة تريد الخروج ينتبه لها طفلها الذكي ويستطيع إرغامها على البقاء ولكنه بطفولته البريئة علمها بالنهاية ان تكون أما مهتمة به، فانتبهت لمسؤوليتها وتعلمت أشياء وأشياء.. أصبحت تفكر فيه..
تضحك معه.. تبكي معه. وكثيرا ما سهرت الليالي معه.. يشاهدان القمر معا، فيطلب من أمه ان تحضره له.. وتعده بذلك في حسرة يرسمها العجز.. إلا أنه استطاع ان يشغل فكرها بمخلوقات الله السامية إذ كيف ستلبي رغبة طفلها؟ وهكذا انكبت تتابعه.. وتسقيه حنانها.. ومرت السنون تباعا ليصبح طفلها في المستقبل رائدا من رواد الفضاء.. يتجول بين الكواكب ويحط على القمر!
قد تبدو هذه الحكاية أشبه بالأسطورة، لكن في أخبار المشاهير نجد الكثير من الدروس.
* فهل أخذنا العبرة؟
* أم أن ثمة من تقول: إن أولادي لا يريدون القمر!.
قاسم عبدالله التركي
الرياض
|
|
|
|
|