| مقـالات
رغم كل التحذيرات الطبية والصحية، ورغم كل العادات الاجتماعية الجميلة والأصيلة، ورغم كل التوصيات الجماعية والشخصية، ورغم كل الجهود الحكومية والأهلية فإن عدد الخليجيين المدخنين وفق ما نشرته جريدة قطرية قد وصل أربعة ملايين مدخن يحرقون بسجائرهم أكثر من سبعة مليارات دولار، بالإضافة لخسائر أكبر على مستوى أجسادهم، وصحة من حولهم ومجتمعهم، تلك هي الحكاية التي لابد أنها ترعب القاصي والداني في عالم صارت فيها الموازين الاقتصادية من الموازين المؤثرة في حياة الإنسان بشكل عام، سبعة مليارات دولار أو بالأحرى 5.7 مليارات دولار تعادل أكثر من 28 مليارات ريال سعودي، وهذا يعادل نسبة مئوية لا بأس بها من موازنة دولة كبيرة اقتصادياً مثل المملكة، ويعادل ميزانيات دول عديدة في أرجاء العالم، ولا أقصد دولاً فقيرة، وإنما دولاً متوسطة بحجم اقتصادها، إذاً يبدو أن للدخان جاذبية تفوق جاذبية الدرهم والدينار، بحيث تجعل صاحبها يحرق تلك الفلوس، كما يحرق جسده في سبيل متعة سيجارة زائفة، وهذا ليس هو الأمر المهم، وإنما المهم هو ما بدأنا به حديثنا حول أسباب الفشل، وأصر على كلمة الفشل في علاج ظاهرة تفشي التدخين في بلدان الخليج العربي، وعلى كل الأصعدة، وأقول أيضاً: إن من ينظر إلى هذه الأرقام سيقول بالتأكيد: إننا لا زلنا نعيش عصر الطفرة النفطية والمالية. وهذا ليس صحيحاً، والأصح هو أننا نحرق من جيوبنا ما استطعنا توفيره من عصر الطفرة، والمستفيد من وراء ذلك هو شركات التبغ العالمية العملاقة التي وجدت لدينا أروع سوق لها، فمعروف أن السجائر تصنع في الخارج، ولا يوجد لها فروع هنا للتصنيع، وهكذا يكون المكسب الأساسي لتلك الشركات، وقد يقول قائل: هناك من سيستفيد من هذه التجارة سواء بالبيع والشراء أو الضرائب أو غير ذلك، وهنا لا تباع مصالح قلة قليلة، وإنما نعالج مصالح أمة وشعوب.
هل من مصلحة الأمة أن يظهر أربعة ملايين فم فيها وبداخل كل فم سيجارة تنزل لتحل محلها سيجارة أخرى؟ أليس هذا أمراً معيباً بحقنا؟ أليست هذه كارثة بالمعنى الكامل؟ وإذا كان الأمر كذلك، وهناك أربعة ملايين يراهم إخوتهم وأهلهم وأبناؤهم، فما هو مصير أولئك الأبناء رجال المستقبل؟ سيصبح الأربعة ملايين أربعين مليوناً في المستقبل، والطفل يقلد أباه، وطبعاً يقلد أمه، ولكنني أصررت على الأب لأن غالبية المدخنين من الذكور، وهذا لا يبرىء الإناث، فالإحصائيات أيضاً تذكر ارتفاع نسبة المدخنات بينهن، وللعجب فإن جزءاً لا بأس به من الجامعيات والمدرسات هن مدخنات، وجيل المستقبل ينظر ويرى وسيقلد!
والقضية خطيرة بالتأكيد، وربما يعالجها البعض ببعض التعجب أو السخرية أو التهكم أو...، ولكن الأمر أكبر من ذلك، والعلاج ملح، وربما نحتاج لهيئة أو إدارة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي تعنى بهذا الأمر دراسة وتحليلاً وتتوصل لحلول ملزمة على مستوى المجلس، وبهذا الخير كل الخير للجميع. والله المستعان.
للتواصل ص ب 45209 الرياض 11512 فاكس 4012691
alomari1420@yayoo.com
|
|
|
|
|