| مقـالات
أصبحت كلمة --إرهاب-- مجردةً من الإضافة ذات قيمة معيارية تعني الشر والباطل والقبح؛ لأنها بمعنا --الإرهاب بلا حَق--، أو إرهاب غير مشروع، أو الإرهاب العدواني.. ولقد تكلم عن مادة الرهب الإمام ابن فارس؛ فرآ أنها في الأصل تعني الخوف والدقة، ومثَّل للأخير بالرَّهْب بمعنا الناقة المهزولة «1».. وعندي أن المعنا الأخير مجازي وليس أصلياً، وهو مشتق اشتقاقاً معنوياً من الخوف؛ لأنه يُحدث الهزال، ثم يتوسع المعنا فيتناول كل دقيق وخفيف بالتجوز مثل الرِّهاب بمعنا الرقاق من النصال، أو لأنها رهيبة لدقتها.
وعند الراغب الأصفهاني أن الرهب ليس ذا معنين أصليَّين، بل هو ذو معنا أصلي واحد مكوَّن من معنيين معاً هما:المخافة مع تحرُّزٍ واضطراب «2» ..وهاذا أشد من الخوف؛ فلنأت إلاْ معنا الخوف فنجده عند ابن فارس بمعنا الذعر والفزع «3»، ونجده عند الراغب بمعنا توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة «4» ..ولا تضاد بين التعريفين؛ لأن ابن فارس فسَّر الخوف بالعمل القلبي الذي يحدثه التوقع، وهوحالة الخائف ولم يذكرما هو شرط للخوف الذي هو التوقع.. والراغب عبَّر عن الشرط الذي يحقق حالة الخوف، ولم يبين حالة الخائف؛ فهما تعريفان يُكمِّل بعضهما بعضاً؛ فنقول: الخوف حالة مضادة للأمن والاطمئنان تُسَمَّا فزعاً وذعراً..إلا أنها أكثر زمناً من الفزع والذعر الذي يكون في لحظات؛ لهاذا تميز الفزع والذعر إذا امتد لِلَحظات بالخوف، وهو لا يكون انفعالاً في القلب وأثراً في السلوك إلا من توقع مكروهٍ يُحدِث تلك الحالة لأمارة يقينية أو راجحة؛ ولهاذا من دهمه بلاأ فأماته أو أعاق قدرته العقلية أو البدنية لا يوصف بالخوف؛ لأن البلاأ دهمه بلا توقع ..والرهب أشد حالات الخوف؛ لأن اضطراب النفس مستمر علا الرغم من أخذ الأهبة والاستعداد للمقاومة.. ودخل في ذلك التعبد الذي من معانيه الترهب.. والمقاومة ها هنا بالعمل لله سبحانه طاعة ودعاأ وتبتلاً.. وجاأ الإرهاب مشروعاً في قوله تعالا: -وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيئ في سبيل الله يوفَّ إليكم وأنتم لا تظلمون- {سورة الأنفال /60}.. يريد سبحانه الكفار المجاهرين بالعداوة، والمنافقين المتسترين بها؛ فلما أذن الله بالجهاد، وحصل من المسلمين الإعداد: ذكر الله أثر ذلك الإرهاب في قلوب الأعداإ من اليهود،فقال الله عنهم: -لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون - {سورة الحشر/13}؛ فالإرهاب المشروع ها هنا ليس عملاً عدوانياً أحدث إرهاب الآمن بغير حق، وإنما هو أمر للمسلمين عندما كانوا في بلد خاصة بهم ولهم دولة : أن تكون لهم قوة يرهبها الطامع فيهم، المبيِّت الاعتداأ عليهم؛ فيحجم؛ فالإرهاب ها هنا لحماية النفس، وحماية حرية التعبير للدعوة، وحماية المستجيبين لها.. وهاذا يعني أن هناك إرهاباً غير مشروع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نها عن ترويع المسلم، والتريع أبسط من الخوف الذي هو أبسط من الإرهاب.
والإرهاب في قاموس السياسة المعاصر أعنف من المعنا الذي يريدونه، وهو --الإرهاب بغير حق--؛ لأنه إرهاب وزيادة..هو عدوان تخريبي للنفس والمال والممتلكات بالاغتيال، وخطف الطائرات، وتدمير المنازل والمنشآت تدميراً يمتد إلاْ قتل مواطن بغير حق.. ثم يعيش الناس بعد ذلك ثمار هاذا العدوان من الرَّهب المتوقع بحوادث مماثلة .
والإرهاب الذي هو ظاهرة اليوم لم يسبق لها مثيل حدث بعد القوة العسكرية للدول العُظما، والوفاق العالمي للدول الكبرا ذات المنافع والمطامع في العالم الثالث التي فرضت القرار السياسي والاقتصادي والثقافي بإرهاب القوة العسكرية التي لا يستطيع العالم الثالث مواجهتها؛ فكانت احتجاجاً وتمرداً وفداأً من ضعيف ضد قوي.. إذن دوافع الإرهاب احتجاج علا الظلم باستعمار أرض، أو تحكم في مصير، أو احتجاز قيادة.. إلخ. وصبَّ في هاذا الحقل الإرهاب بباطل كالاحتجاج علا محاكمة عادلة، أو الضغط من أجل إطلاق مجرم، أو تهريب محرمات كالمخدرات.. ولم يبرأ العمل الحركي المنتسب إلاْ المسلمين من قسط كبير من هاذا العنف الإرهابي بحق وبغير حق.. ولكن الخطاب الحداثي العربي اليوم يحاول إرجاع كل إرهاب إلاْ ذلك العمل الحركي.
وأعود إلاْ المدلولين اللغوي والاصطلاحي فأوجز القول: بأن المدلول الاصطلاحي لا يحقق الحجم الكبير للعمل العدواني الذي يسميه الاصطلاح إرهاباً.. ولكن لا مشاحة في الاصطلاح، وعلينا أن نعلم علماً زائداً علا مفهوم العرف اللغوي بأن الإرهاب الآن اصطلاح علا كل عمل عدواني بغير حق، وما يحدثه من تدمير وإرهاب.
وتناولي للإرهاب بالمفهوم الاصطلاحي، وللعمل الحركي: يختلف عن تناول الإرهاب عند أمثال فرج فودة، وعزيز العظمة، وإبراهيم وطْفا، وأدونيس، وأحمد طاهر، وأحمد بيضون، ومحمود منقذ الهاشمي، ورفعت السيد، ومحمد كمال اللبواني، وعاطف عطية، ومنير فارس، ونصر حامد أبو زيد، وعلي حرب، وخليل علي حيدر، وإبراهيم أعراب، وإبراهيم حيدر، وأركون، ومحمد العالم، والجابري، ومحمد شحرور، وجابر عصفور، ووليد نويهض، وعشرات غيرهم؛ لأن هاألاإ يلحقون الإرهاب بالنص المقدس، وبمفهوم جماهير العلماإ المحققين من علماإ المسلمين وعبّادهم.. كما أنهم يلزمون المسلمين بنصوص فرغ محققو علمائهم من إبطالها ثبوتاً أو دلالة..أما تناولي للإهاب بأحداث تاريحية منسوبة إلاْ جماعات حركية منتسبة إلاْ المسلمين؛ فهاذه تتأكد أولاً بالتحقيق في صحة وقوعها ممن نُسبت إليهم، ثم نحاكمها إلا الشرع وضرورات الفكر.. وقبل ذلك أشير إلاْ أن أي عمل إرهابي تصح نسبته إلاْ جماعة حركية منتسبة للإسلام يجب أن يفسروا هم أنفسهم مدا أثره علا تغييرٍ فعَّال لا مجرد بلبلة عارضة، وهاذا التفسير لا يتم إلا بتفكير واقعي يقدر الأسباب المادية، وبراهين الحس الماثلة.. إن الذي يقاوم الإرهاب اليوم تنظيم عالمي دولي يملك الأرضية والعدة والعتاد، وكل إرهاب نحسبه عظيم الأثر إنما هو خربشة طفل في بناإ هرمي، وأنه يقابل بحيل جبارة.. يقول: وليام كولبيي مدير وكالة الاستخبارات المركزية سابقاً: --أعترف بأنه من المحتمل ألا يمكننا القضاأ علا الإرهاب؛ إلا أنه بإمكاننا أن نتخذ خطوات لاحتوائه أكثر تكتيكاً ونجاحاً ضد مقاتل حرب العصابات أو الإرهابي ..هو أن نمده لا أن نقتله --«5»
ويقول روبن رايت: --الإرهابيون لم يعودوا قادرين علا تحقيق أهداف غضبهم الطويلة الأمد في أيِّ مكان.. إنهم قادرون علا نيل الشهرة.. بإمكانهم أن يسببوا الذعر.. بإمكانهم أن يخلقوا أزمات.. أحياناً بإمكانهم أن يفوزوا بنصر تكتيكي.. «6» إلاّ أنه إلاْ هنا أصبحوا غير قادرين علا نقل نتائج الإرهاب إلاْ ربح سياسي قوي.. بذلك المعنا الإرهاب قد فشل.. علاوة علا ذلك فان الإرهابيين يصرون، وذلك هو الشيأ الموهم الذي يُأدي إلا المزيد من إراقة الدماإ.. الحكومات أصبحت أكثر قوة في مقارعة الإرهاب علا نطاق عالمي أيضاً؛ فإن المشاكل مع الإرهاب تزداد كما في الحرب عندما لا ينتصر أي جانب.. التصعيد -حدة التوتر- يصبح من غير الممكن مقاومته--«7».
قال أبو عبدالرحمان: ينبغي أن لا تأخذنا العاطفة بتغييب التفكير الواقعي، فنقول: هاذا كلام عدونا الأقوا -الولايات المتحدة، وحلفها الأوربي- يرديدون به هزيمتنا نفسياً، وإقعادنا عن العمل.. كلا.. سنتعامل مع مقالتهم مع العقيدة بأن القائل عدو، وغير ناصح، وغير أمين بالتفكير الواقعي، فنرا الآن أن حيلة العالم الأقوا اتجهت إلا تأميم بعض الإرهاب وتجييره لصالحها خُفية؛ ليضغطوا ويساوموا به الحكومة الخيِّرة التي تسعا إلا خير الأمة بعقل واعتدال، ونرا ثانية أن مسلك العنف لم يحقق أي مكسب للمسلمين المستضعفين علا وجه الأرض، ونرا جدية القُوا في إبعادهم عن العمل الإداري القيادي والسياسي، وارتفاع الصوت العلماني الفكري وقوته إعلامياً مع خفوت صوتهم هم .ويتحدث دانيال بايبس عن فشل ما سماه بالعمل الأصولي بمنطق فيه خلط أوراق.. قال روبن رايت: --في كتابه -في طريق الله- المثير للجدل -دانيل بايبس- عرض نبوأة حاسمة أكثر.. التجربة الأصولية كانت مقدرة حتّا قبل أن تكون قد بدأت.. السجل التاريخي يبين بأنه كل مسعا في العصور الحديثة لتطبيق الشريعة بتماميتها كألائك الذين في العربية السعودية، السودان، ليبيا، إيران وباكستان انتها مخيباً الأصوليين؛ لحقائق كان لا بد من تكييفها أخيراً.. الأصوليون يطرحون مشاكل خاصة للحكومات، لأنهم يصرون بعناد وعنف غالباً علا برنامج غير عملي--«8»
قال أبو عبد الرحمان: إن أراد دانيال في التسوية بين السعودية وبعض البلدان الشقيقة المذكورة: ما وُجد من عمل حركي ثوري تأثر به قلة من السعويين: فهاذا صحيح بلا شك إلا في دعوا الفشل؛ لأن الحل الإسلامي ظاهرة تاريخية راهنة في كل أدوار التاريخ السعودي، ولم يحدث أي فشل للمتأثر السعودي بالخطاب الحركي، وإنما اكتشف أنّ ما يريد تحقيقه تحصيل حاصل بأبدع ما في الإمكان أمام التحديات العالمية المضنية.. وإن أراد أن التجربة الإسلامية مورست ففشلت؛ فليس بصحيح علا إطلاقه؛ بل بعض تلك البلدان كانت تجربتها الإسلامية تاريخية عريقة راهنة لم تنقطع، وبعضها لم تطبق فيها التجربة منذ وجدت الانقلابات العسكرية بمآت الجنود، وعشرات الدبابات، وملك دوائر الأمن والإعلام وإتمام الثورة بالدعاية والتدبير الخفي.. وبعضها مورست فيه التجربة ولم ينجح السلوك، بل شوَّه المحيَّا الكريم لواقع الحكم الإسلامي .
وأما البرنامج غير العملي فصحيح مِأة في المأة؛ لأن التجربة لم تلاحظ تواجد غير المسلمين، وتعشيش مراكز قَوا غير إسلامية ولكن لها دعاية القومية أو الوطنية أو دعوا الإصلاح الاجتماعي والفردوس المكذوب في الأحزاب الاشتراكية والنبوآت الماركسية، ولم تلاحظ ضغط الوفاق العالمي الخانق الذي لف العالم الثالث بما فيه العالم العربي والإسلامي -العدو الأصيل للعالم الأقوا-؛ لأن التاريخ الأمريكو ربي هو الوريث المباشر قوة وحضارة للتاريخ الإسلامي؛ فعودة عمر رضي الله عنه، أو عبدالملك، أو هارون الرشيد، أو المعتصم، أو صلاح الدين، أو المنصور بن أبي عامررحمهم الله جميعاً: أخطر خطر وأدها داهية في برنامج العمل الصهيوني الصليبي.. ولم يلاحظوا أن العمل الحركي في هاذين الواقعين واقع العالم الأقوا، وواقع العالم العربي والإسلامي محال من الخارج بعد حربين كونيتين أسقطت الأخيرة خلافة المسلمين واحتفظت إلاْ اليوم وإلاْ غدٍ ببرنامج تجزأتهم؛ بل لم تسمح بالوفاق العربي بغير دعاية الإسلام من مختلف الأيديولوجيات أو من منطق القومية العربية؛ لأنهم يخافون لحظة فكرة بعد سَكرة.. وهو محال داخلياً لتدليل العالم الأقوا لمن يطمعون بأكثر من حق المواطنة من طائفيين وعرقيين.. تدليلاً مالياً وعسكرياً ومعلوماتياً؛ ولزرع العملاإ من الملليين والنحليين واللادينيين وتكريس السلطة بأيديهم؛ ولأن مفهوم الخلافة شرعاً لا يتحقق بأيديولوجية بعض المنتسبين إلاْ القبلة من الفرق؛ بل لا بد من خلافة راشدة.. ومعنا رشدها أن تكون سلفية، وأهل القبلة لا يتنازلون عن سلفيتهم لأي تحرك بدعي.. ولقد أطبق العالم الإسلامي إلاْ دولة مستقلة عنا نحلياً علا جعل عبدالعزيز بن سعود رحمه الله خليفة للمسلمين.. دفعهم إلا ذلك النموذج السلفي للحكم الممتد قبل سقوط الخلافة بأكثر من قرن ونصف، وموهبة القائد في ملإ الفراغ، وخصوصية الدار؛ إذ العروبة أصالةً هم مادة الإسلام، وإذ الحرمان مهبط الوحي.. وخصوصية الأمة من ناحية وحدة الانتماإ، وانتفاإ الخليط، وخلوص الإدارة والنظام من أو شاب القانون الوضعي.. مع ما يرونه من ملك رحمة بين أنماط حكم ذكر الرسول صلاّ الله عليه وسلم أنها ستكون بعد انقضناإ خلافة النبوة.. ومهما كان اسم الحكم في العالم الثالث فإن حقيقته ملك جبرية؛ لأنه واحدية الصوت للنظام الوضعي، أو الحزب الذي دخل بقوة ولم يخرج بسلم ، أو سلطة دكتاتور.. وببصيرته النيرة رحمه الله بيَّن في خطبه إحالة هاذا الأمر، وركّز علا وحدة العمل العربي بجامعة دوله، ووحدة العمل الإسلامي بمنتدياته.. وجعل من موسم الحج منبراً للتضامن الإسلامي، وحقق بالله ثم بمجهوده ما يقدر عليه من إلغاإ التجزأة وتوحيد الرقعة والأمة؛ فكان عملاً يُخرس دعاة العمل الضيق باسم القومية أو الوطنية، وكان يبهج كل طموح إسلامي بتواصل حلقات الحكم الإسلامي في بلاده قبل أن تشعر الأمة العربية والإسلامية بحاجة إلاْ جامعة عربية أو إسلامية.. وكان المظنون في العمل الحركي الإسلامي الراشد أن يجعل الامتداد الإسلامي السلفي موجِّها ومرشداً لكل تصرف عاقل يعمل للعرب والمسلمين حسب القدرة، ويجمع يداً واحدة قوية تحل بالضغط السياسي والاقتصادي والحصانة الفكرية والثقافية ما لا تستطيعه عسكرياً، وتنظر للأسباب المادية نظرة بميزان العقل والشرع، وتلتمس إتمام المسيرة من الله سبحانه حسب وعده الشرعي بعد العمل العاقل المتفق عليه جماعياً.. والله لا يطلب من عباده وجنده أكثر من حولهم وطولهم.. ولكن الموازين انعكست، فالفلول الإسلامية التي صُفِّيت جسدياً ومعنوياً احتضنها الملك فيصل رحمه الله وتنازل عن بعض الهنات الفكرية في أعمالهم في سبيل وحدة الصف، وأن يكمل بالسياسة والتعايش مع الآخرين ما تعجز عنه القدرة العسكرية، ووفر لهم الظل والكساأ والقوت، وأتاح لهم فرص العمل؛ فارتفع أكثرهم من سداد الحال إلاْ ما يقرب من الثراإ، ثم لقي ربه راضياً ضميره عما أداه لأبناإ قومه وأبناإ ملته؛ فإذا بحامل المنة في الأمس يحمل الإحْنة اليوم، ويربي أجيالاً علا كره هاذا النظام السلفي وتكثير وتجسيد عيوبه وجلها من عجز العين البصيرة كالعجز عن إعلان الجهاد مما لا يتحمله أدنا منطق ، وجحد كل عزائمه وإيجابياته .. وكرسوا الفكر الدخيل الغريب علا الإسلام الذي لا يعترف بدول إسلامية وإنما بخلافة واحدة «9» وهم لا يرون علا الرقعة غير دولة إسلامية واحدة في البلاد التي آوتهم.. ولو صدرت الدولة والمجتمع عن الدين في كل رقعة عربية وإسلامية لكان طرح الخلافة اقتراحاً لا فرضاً أمراً معقولاً؛ لتتحقق الخلافة، أو يتحقق العمل المشترك ضد كل خطر محدق بالأمة أو بجزإ منها كما هو في عصور التاريخ الإسلامي التي تلاحم معها قضاأً وفتواً وتعليماً وجهاداً ودعوةً علماأُ الأمة وعدولها وعُبَّادها.. بل كان منطق المتطرفين منهم ولعله الموقف السري عند جميعهم : أن الخلافة تبدأ من سقوط السلفية بالسعودية.. وهو منطق الذي أوقع بهم الهزائم نفسه عندما قال في خطبه: نحتل إسرائيل بعد الدخول من الرياض، أو عمَّان.. إلخ.. إلخ.
وعندما كانت ندوات الإخوانيين تُعقد بلندن وتوزع بالفاكسات رأيت الشيخ حسن الترابي يذكر في محاضراته واجبهم تجاه المسلم في بلد غير إسلامي، وآخر في بلد إسلامي إلا أن حكومته ليست إسلامية، وثالث في دولة إسلامية شكلية، وأن تلك الدولة يعني السعودية ستجامل الحكومات الإسلامية التي ستقوم في البلاد العربية؛ لأنها تخاف علا وجودها!!.. قال الترابي: -- وقد تكون السلطات في بلد التيار قائمة بمشروعية منتسبة إلا الدين، وتجامل التيار الإسلامي صدقاً أو سياسة من حيث هو دعوة وخلق، ثم نتحامل عليه غيرة وفزعاً من حيث هو مشروع للتغيير السياسي وفق الأحكام الإسلامية السلطانية--«10».. قال أبو عبدالرحمان ما أسمج التزوير التاريخي بإطلاق، وهو أشد سماجة عندما يكون التاريخ راهناً.. إن السعودية محكومة بالإسلام دستور حكمٍ وقضاإ وإفتاإ وتعليم وإعلام ودعوة وتنظيم إداري.. وما استجد عند غيرها في فورة حماس من الحكم الشرعي قضاأً مثلاً :فإنما هو شيأ قليل من الكلية الشرعية في السعودية.. أفبعد هاذايقال: --قائمة بمشروعية منتسبة إلاْ الدين--؟!..
إن هاذا كذب وجحد، وذانك لا يليقان بمسلم.. والسعودية بكل صراحة تفرح بكل دعوة وخلق يدعو إليها الإسلام الحق، وتفزع وتقاوم ولا تستسلم للتغيير السياسي؛ لأنها بلد الثبات الشرعي، والخصوصية الشرعية التاريخية، والسلفية الصحيحة، ومقاومة القبوريين والباطنيين والصوفيين وفرق البدع.. ومنهجها الاعتدال دون تحسير أو تقصير. سبحان الله.. أبهاذا الاستبطان من الترابي هداه الله تُحَقَّق حكومات إسلامية ودعك من الخلافة !!؟.. إن كان الوجود السلفي العاقل المعتدل الذي لم يسبح في التيار ولم ينفصل دينه عن دولته سيخاف من قيام تلك الحكومات: فتلك الحكومات شر مستطير يخاف منه كل تقي عاقل؛ لأن الطموح إلاْ حكومات إسلامية طموح إلاْ تكريس هاذا الوجود السلفي، والقرب من نموذجه التاريخي التطبيقي، والقرب من صفائه السلفي.. لا أن تكون نقيضه؛ فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!. وستأتي إن شاأ الله مناسبات للكلام عن العنف والإرهاب حقيقة أو ادعاأً، وإنما حسبي الإشارة إلاْ أن ما حدث بعد الملك فيصل رحمه الله من آثار ربيبي نعمته بعد الله، وما ورد في خطب الحركيين بلندن عام 1990م ينذر بسلوك حركي غير راشد ولا مهتد بشرع الله، ويخطط للبلبلة في البلد الآمن بدعاء إبراهيم الخليل عليه السلام، ويراهن بأوحد وأعجز تجربة علا أرض الواقع ذات تاريخ متصل لم يفصمه الدخيل، والله المستعان.
الحواشي:
-1- مقاييس اللغة/ دار الفكر طبعتهم الأولا 1415ص 426.
-2- المفردات / دار المعرفة ببيروت طبعتهم الأولا عام 1418ه ص 209 210 .
-3- مقاييس اللغة ص 336
-4- المفردات ص 166.
-5- الغضب المقدس لروبن رايت ترجمة بسام مرتضا / دار التيار الجديد ببيروت الطبعة الأولا عام 1409ه ص 375.
-6- أسلفت أن علامة القطع والاستِأْناف وهما النقطتان الأفقيتان تليق بأساليب المعاصرين ذات الجمل المقطعة.
-7- الغضب المقدس ص 376.
-8- الغضب المقدس ص 364.
-9- قال أبو عبدالرحمان: افترا اليهود علا ربهم بأنه يبشرهم بأنهم سيحكمون العالم أجمع آخر الزمان بالدولة اليهودية الواحدة لا دولة غيرها؛ وأن ذلك سيكون عندما يفسد الناس.. ولما طال عليهم الزمن، وكذبت كل النبوآت التي وقَّتوها: قالوا: نحن الذين ننجز وعد الرب، فنسعا إلا إفساد العالم مالاً، وطبيعة، وفطرة، وقانوناً، وتعليماً، وإعلاماً، وجسداً بالإباحية والمخدرات، ونفسياً بفلسفات الشك والقلق والغثيان، وتدميراً بإشعال الحروب الدولية والأهلية؛ فيحدث الهرج أي القتل بعد أن حققت المخترعات أسلحة الدمار.. ثم ينزل الملك الداوودي -بعد أن بغَّضنا للعالم كل حكم ملكي-، وهو المسيا المنتظر؛ فيحكم العالم.. ولا يتم ذلك إلا بالمجمعات السرية، والتضليل، والتصفيات الجسدية والنفسية والإغراإ بالمال والجنس والمنصب؛ فوجدت العقيدة الصهيونية المتولدة من العقيدة الوثنية الخرافية عند اليهود بعد تبديلهم كتاب الله، ومهدوا لذلك بالوفاق العالمي، والاقتصاد العالمي الواحد .
ووجد الحركيون في مأثور الأحاديث الشريفة أنه قبل نزول عيسا عليه السلام ستقوم خلافة إسلامية تفتح روما، وينقاد المسلمون طوعاً.. فتعجلوا الخبر الشرعي، وقالوا: نعمل لإقامة الخلافة بالمشروع وغير المشروع.. في أرض الواقع أو سماإ الخيال.. حذو القذة بالقذة حتَّا لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه.. والله مبطل كذب اليهود علا الرغم من قوتهم المالية والعلمية والكيدية، وهو سبحانه محقق وعده الصادق علا الرغم من ضعف بني ملتنا.
-10- أوليات التيار الإسلامي لثلاث -هكذا؟- عقود قادمات/ ضمن محاضرات ندوة قضايا المستقبل الجزائري عام 1990 بمركز دراسات المستقبل الإسلامي بلندن، وهي بخط يده حسب الفاكس الذي أرسل إليَّ ص 4 م، والله المستعان.
|
|
|
|
|