| الثقافية
كان )شينباء( شاعرا، وكان يقول الشعر، وكان يكتب الدواوين، وكانت الدواوين تنشر، وكانت تنشر فتقرأ، وله منها مجموعة طيبة، فقد تحدث في بعضها عن )الوطن المغتال( وفي اخرى عن )شمس يثرب( وكذلك كان يكتب عن )الغبار( والغبار والشمس في شعره مصطلحات عجيبة، اذ لو كان شاعرا نجديا لما كان الأمر مستغربا والمهم انه كان يكتب ايضا عن )القمصان المقدودة( وعن )الانهار( وغير ذلك، وكان )شينباء( شاعرا مجيدا ورائعا، وفطنا ايضا، وقد غاب عن فطنته اشياء كثيرة، لانه ما كل ما يعرف يقال، ولكنه قال كل ما يعرف في لحظة ما، وقد احتارالمتابعون في توصيف السبب، فقالوا غرور وقالوا طلبا للشهرة، وقالوا لقد كبر وشاخ، والحكاية تقول ان صحيفة )البلد( التقت )شينباء( وحاورته فقال اشياء كثيرة غير مهمة واشياء أخرى مهمة، ومن هذه الاشياء غير المهمة ان كثيراً من زملائه الشعراء والنقاد قد تتلمذوا على يديه، وان الصحف )الدشداشية( قد سرقته، وان الصحفيين )الدشداشيين( قد أكلوا حقوقه، وتعرض لمجلة )الراقد( بالشتم والذم، ولصاحبها بالسخرية والقدح، وعرّج على مجموعة من الروائيين والشعراء والصحافيين فمسح بهم البلاط، مشكلة )شينباء( انه مزج الحقائق بالأكاذيب والواقع بالخيال، والسياسة بالأدب والأدب بالسياسة والصيق بالعدو، والعدو بالصديق، والقريب بالبعيد، و..
ومما غاب عن فطنة )شينباء( ان صحيفة )البلد( قامت بتسجيل حواره كشاهد ادانة، ولكنه انكر الحوار والصحيفة والصحافي، وشتم الصحيفة وقراءها. حدث هذا بعد أن رأى رد الفعل )الايجابي( ممن شتمهم، فقد أوسعوه هو الآخر ثناء وتقريظا في مجلة )الرقاد( التي خلفت )الراقد( بعد سباتها الطويل، اتصل )شينباء( بالتلفزيون لمواصلة حملته الاستنكارية وليتبرأ من الحوار سيئ السمعة، ولكن هيهات، كانت مجلة )الرقاد( قد وصلت الى حال من السخونة بحيث ردت الصاع صاعين، وعن طريق اكثر من عشرة اقلام مهمة، وقد دخل )شينباء( على الخط وكان ممن طاله شينباء بالثناء فشبه )شينباء( بمغنية افلست فتعرت لتثير شهية المصورين مجددا، وكان تشبيها مماثلا ان لم يكن اقذع من تشبيهات وشتائم ونمائم )شينباء(.
لقد كان )شينباء( شاعرا مجددا ومطورا ولذلك اصر على ان يكون اول شاعر عربي حديث يسجل )فيديو كليبياً( شعريا ثقافيا، يرد به على هذه )الكليبات( غير الثقافية، وكان أن اختار )سينشين( لتشاركه )الكليب( باعتبار ان وجود فتاة في )الكليب( من عوامل نجاحه، ولكن كان هناك أمر آخر، لا يعرفه المتابعون، لقد كان )شينباء( يحب )سينشين( نعم، كان يحبها حبا )الى حد الفضيحة( كما قال، ولكن )سينشين( تخلت عنه فيما بعد لأسباب كثيرة، وربما يكون هذا الهجران سببا قويا في غضبه العارم من كل شيء وعلى كل شيء.
ول)سينشين( حكاية هي ايضا، فقد كانت شاعرة، وكانت تكتب الشعر، وكانت تلقيه، فيحب الناس لان صوتها كان جميلا وشعرها طويلا، ويقال إن )سينشين( تكتب عن القمر والليل والاحلام والقرب والصد والوصال والجمال. وانها ايضا اصدرت ديوانا سمته )إني لا شيء( فأصر الناس على شرائه ليعرفوا كيف استطاعت الجمع بين الشعر والفن والتلفزيونات )الدشداشية( في ثياب امرأة واحدة.
كانت )سينشين( تنطوي على قدر من الفطنة هي ايضا، فقد أهدت ديوانها الى مجموعة لا بأس بها من الكتاب والنقاد والشعراء، وكان ل)جيمخاء( نصيب طيب من هذا الإهداء، فقد كتبت له إهداءً رقيقا دقيقا، سال له لعابه، ومن ثم حبره لكيتب عن ديوانها، فقال إنها مع محمود درويش في ميزان واحد، مع انه ديوانها الاول، ومع ان )جيمخاء( لم يكن يعرف انها شاعرة قبل الإهداء، كان )جيمخاء( كاتبا سياسيا محترفا وناجحا، ولكنه كان يفشل فشلا ذريعا حين يزعم أنه يفهم في الشعر وفي الرواية، وكان )جيمخاء( يزعم أنه يفهم في كل شيء وان الجميع يتصل به ويستشيره بدءا من الزعماء السياسيين مرورا بالكتاب والصحافيين وانتهاء بالراقصات والفنانات، فقد كان لديه لكل من هؤلاء نصائح ذهبية لم يكونوا يتجاوزونها بحال، )جيمخاء( ايضا غارق في الحب حتى اذنيه فقد كان يهوى )راء دال( ويهيم بها حبا وقد صرح بذلك لأكثر من واحد من مقرّبيه، وكان ذلك مصدر تندر لهم لان)جيمخاء( كان «شيخا» من الناحية العمدية فقط، كان «جيمخاء» من الكتّاب ال)XL(، الذين يكتبون في كل شئ، وكان هناك كتّاب )S( وكتّاب )M( وكتّاب )L( ولكل منهم حدود يعرفها جيدا ولكنه غالبا ما يسعى لتوسيع مقاساته وتطويرها بحيث تصبح مقاسا حرا للصغير والكبير، المرأة والرجل، الصيف والشتاء، وكان هؤلاء الكتاب يُسمَّوْن في زمان غابر ب)المثقفين(، وكانوا يعتقدون انهم كذلك، وبناء على ذلك كانوا يتصرفون، فقد كانوا يتبادلون السباب الثقافي على الملأ، وفي الصحف والتلفزيونات، وكانوا يهدون بعضهم بعضا هدايا لفظية من نوع )عميل( )رجعي( )نفطي( )زنديق(..وغير ذلك من الالفاظ البريئة الجريئة، وكانوا يظنون ان الشتائم والنمائم والاتهامات والوشايات حكرا عليهم، الى ان دهمتهم ايام سوداء ظهر فيها من يهديهم الالقاب التي عرفوها والشتائم التي ألفوها، بشكل أكثر رسمية، وأكثر عملية، وأكثر إيلاما وإعلاما، فقد تربص بهم اناس لا يحبون الكتابة )الزائدة( عن الحد، ولا )الحرية( الفائضة عن الفرد، فقاموا بوضع مقاسات ضيقة لا تناسب بعض الكتاب ذوي الاحجام الكبيرة ال)XXL(، ولكنهم اجبروا على ان يلبسوها وكان ان اختنق البعض ومات، ومزق البعض الآخر هذه الملابس الضيقة فتعرض لمأساة، ومازالت الأمور على هذا النحو بين ارتداء وخلع ولبس ومزق وقطع وحرق.
كان هناك )معرض للكتاب( وكانت تعرض فيه الكتب، وكان الناس يشترون، وكان المعرض كبيراً للغاية، وكانت فيه )سرايات( ضخمة، وكانت هناك روايات محظورة وروايات غير محظورة، وقد حدث ان اختلط الحابل بالنابل على الجهات العقابية الرقابية التاريخية فصادرت ما ليس محظورا وتركت ما كانت تبحث عنه، ومن الكتب التي توهمت الرقابة أنها ذات بال كتاب )السياسة بين الحلال والحرام( فقد صودر ثم أعيد بعد اكتشاف ان مقالاته كلها منشورة في صحيفة سيارة طيارة وليس فيها ما يدعو للارتياب ثم صودر كتاب )هل انتم محصنون ضد الحريم؟( وكذلك )الشطار( و)الخيمة( و)وجوه( بالاضافة الى ديوان )السيدة البيضاء( فقد كان عنوانا مثيرا وحكايات المصادرة كثيرة فانه يقال ان رواية اسمها )قبل وبعد( واخرى اسمها )ابناء الخطأ الرومانسي( وثالثة اسمها )احلام محرمة( كانت قد جرت الويلات على رجل يسمى علي ابو شادي لم يلحظ فيها ما يستحق المصادرة والمنع فكان ان نشرها في سلسلة تسمى )اصوات ادبية( التي تصدر عن هيئة تسمى )قصور الثقافة( التي تشرف عليها وترعاها وزارة تسمى )وزارة الثقافة( والتي يرأسها فنان تشكيلي )يفرّق( جيدا بين الخير والشر ولا تستطيع رواية )بورنوية( ان تمر بسهولة بين يديه، ويقال ان هذا الفنان كان يرسم اللوحات وأن اللوحات كانت تصور الجسد ويقال إن اليونان اعتبروا الجسد اجمل شيء يمكن ان يرسم خاصة اذا كان مجردا ولكن كان هناك اناس لا يحبون رسم الاجساد ولا يحبون اليونان ايضا. كان لهاجس الرقابة والرقباء حضور آسر في ذهن الكتّاب فصارت كتاباتهم بوعي او بدون وعي تستأذن الرقيب قبل الكتابة وكان هذا أمرا مخيفا حذر منه الشاعر )أ( الذي خرج عن صمته الطويل ليطالب الرقباء بقراءة التاريخ ليعرفوا من هم والى اين يسيرون ولكن الرقباء لم يكترثوا بما كتب واستمروا يمارسون مهامهم السابقة بل ازادوا دقة و )إخلاصا( ومن نتائج هذا الاخلاص الجديد ان عرف الذي لم يكن يعرف وفطن الذي لم يكن يفطن واهتم الذي لم يكن يهتم ومن النتائج ايضا ان استعدى اولئك الجهلة على الكتاب فوقعت حوادث عجيبة وأخبار غريبة فالروائي المسكين تعرض للتهديد والوعيد وأصبح يخاف الخروج من بيته والكاتب الجريء صار مهادنا مدجنا وأصبحت الكتابات بلا لون او طعم او رائحة لانها تطبخ في امكنة مختلفة قبل تقديمها. وفي الشمال تعرض الروائي )نونسين( لحادثة اعتداء غامضة ضرب خلالها ضربا مبرحا في ثلاثاء ما، وترك ينزف ويستجير بالجيران لإشعاره بالرسالة التحذيرية.
***
كان )نونسين( يكتب الروايات وكان ينشرها وكانت لديه )دار الكلام( للنشر والتوزيع وكان ورقها رقيقا ضعيفا يشف عما خلفه ولهذا فقد شفت أوراقه عن مقاصده )غير الواضحة( فبعثوا إليه بعلامة استفهام عملية فضَّلوا ان يرسموها على رأسه بشكل واضح ومتقن. )نونسين( نوع من الكتاب الذين وجدوا «هامشا» من الحرية.
فتعرضوا لكل هذه المشكلات مما يثبت ان مصادرة هذا الهامش غير المفيد هي وسيلة النجاة ولذا كانت الجهات التي لا تعطي لا حرية ولا هامشا على حق باعتبا ان الهوامش لا فائدة لها من دون المتن والمتن لا فائدة له من دون الهامش وهما لا يجتمعان فإلغاؤهما اولى.
الذين تربصوا ب )نونسين( كانوا لطيفين جدا رغم اعتدائهم جسديا على الروائي المسكين فمهمتهم قد انتهت هنا ولكن في مكان مثل )الجزر المتعددة( لا يضربون الكاتب او الصحافي ولم يثبت ان اعتدت اي جماعة بالضرب على احدهم . انهم يكتفون بقطف رأسه فقط.
|
|
|
|
|