| الثقافية
حين لا يصل العمل الفني )بأشكاله( الى المتلقي فهناك ثلاثة احتمالات: الاول انه ليس هو المعني بهذا العمل وانما هناك جمهور آخر يهم الفنان، يسمونه جمهور النخبة. الاحتمال الثاني ان يكون الفنان غير قادر على ايصال رسالته الى متلق بعينه، وهذا لا يعني بالضرورة انه لن يوصلها الى غيره. الثالث ان هذا الفنان يحاول لف عمله بالغموض، اما بسبب تطرقه الى قضايا حساسة، او لرغبة ان يبدو عمله غامضا ليصنف ضمن كتاب النخبة.
لهذه الاحتمالات الثلاثة اثر في خلق الارتباك في الحال الثقافي وعلى العمل الابداعي والمقالة ونوعية القضايا المتعددة التي تطرح. لهذا الارتباك اعراض ومظاهر منها:
* كثيرا ما يطالب المبدع باعادة صياغة خطابه ليلائم السواد الاعظم من الجمهور ولئلا يوصم بالغرور والتعالي على الخطاب المفهوم، وبذلك طغت اعتبارات الكم على جودة العمل.
* بات على الناقد ان يتخلى عن لغته التقنية التي شكلتها حركات نقدية متخصصة لا لشيء الا لان الانسان العادي لا يفهمه. من قال ان الانسان العادي هو جمهور الناقد؟
* يحقن اشباه المبدعين اعمالهم بأشكال الترفيه لاستقطاب العامة: كأن تقحم الاغاني الشعبية والموسيقى والكوميديا ضمن العمل المسرحي بحجة ان الناس متعبة بما فيه الكفاية وتبحث عن )الفرفشة(.
* يسود اعتقاد بأن مقياس الابداع هو بساطة التعبير وانه يكمن لدى البسطاء. هذا حقيقي ولكنه استثناء )ويجب الا تلتبس بساطة الفهم ببساطة نمط الحياة(.
* ان مقياس الابداع هو تعقيد التعبير والمبالغة والدراماتيكية. ايضا هذا حقيقي ولكنه استثناء. فالتعقيد المحمود هو في سفسطائية الفكرة وليس في اسلوب طرحها.
* اغفال ان طبيعة المفهوم او الرسالة اللتين يحملهما العمل الابداعي هما اللتان تفرضان الوسيلة وتحددان الجمهور وليس الفنان اوالمبدع.
كثرٌ هم الذين استكثروا على النقد ازدهاره ونماءه، ناسين اومتناسين ان ما اضر بالنقد هو عدد النقاد في البلاد العربية الذي يفوق عدد المبدعين، فحاله حال السرد ومسرح التجريب، سهل ممتنع فاستسهله كثيرون وتداولته الايدي. يبقى ان الناقد الحقيقي هو الذي يحترم الفن الفطري ويحاول ان يوجهه دون تشويش او اسفاف بقدر احترامه للابداع المركب لمجازيته او سيرياليته او ثورته او بوهيميته. الناقد الحقيقي في رأيي هو الذي يلتمس مواطن الابداع فيترجمه الى دراسة او بحث واضعا اياه تحت عينه الميكروسكوبية التي لا يمكن ان يملكها سواه ليروج للجمال كفعل انساني.
ويقال ان هناك قضايا جدلية في الابداع: هل تصقل الدراسة الموهبة ام ان للدراسة فعل الاستئناس على هذا الكائن البري؟ موضوع قديم اثاره المهتمون في بداية الثمانينيات من القرن الماضي. هل يجب ان يضع المبدع المتلقي نصب عينيه، ام يجب ان يجرد نفسه للتجربة الابداعية ومراحلها وتقلباتها؟
مااثار هكذا تساؤلات في ذهني هو حديث دار بين النحاتة السيدة حلوة العطوي وبيني. اقامت معرضها للنحت متزامنا ومعرض ابداع المرأة السعودية الذي يقام في مكتبة الملك عبدالعزيز بالرياض. شهادات السيدة العطوي لا دخل لها بالفن. لا تعرف عن المدارس الفنية والنقدية شيئا. عندما اخبرتني بذلك كبحث دهشتي المختلطة باعجاب ، بالرغم من هوسي بلعبة المصطلحات والنظريات والمدارس النقدية الفنية والادبية. اللحظة الاولى اعجبتني تلقائية الفنانة وصراحتها واستغناؤها التام عن التشدق باية مظاهر. اللحظة الثانية فكرت ان هذا هو السبب الذي حررها من غرابة الاطوار التي تلتصق ببعض الفنانين ويختار ان يلتصق بها البعض الآخر. كانت تتحدث بحب عن القطع التي صنعتها يداها الناعمتان من اشد صخور صحرائنا عنادا. «هذه اخذت مني ستة اشهر حتى تظهر مصقولة على هذا النحو» تطلب ان ألمسها: «ملمسها ناعم ورقيق حتى لكأنها قطعة خشبية» هزت رأسها بزهو حلو. تجمعها بنفسها من اماكن غير مأهولة.
هناك اعمال عالمية تنتمي للمدرسة الانطباعية تشبه اعمالك الى حد كبير.
لا اعرف هذه الامور ولكن هذا ما اخبرني به بعض الزوار الاجانب.
ما عليّ سوى ان اوضح لها باختصار ماهي المدرسة الانطباعية: «.....».
بادرتني «وبصراحة لا اريد ان اعرف..».
فكرت في هذه المرأة بسيطة ودؤوب وماهرة. ولكن، ولأنني رأيت نماذج من غطرسة )بعض( الفنانين والفنانات، كدت اقع في مصيدة الاعتقاد بإن هذه المرأة حتماً مازالت على عتبات الفن وانها لن تظل على ماهي عليه من بساطة بعد معرض او اثنين. قالت لي وهي تعرض صورا لاعمالها:
لقد تقدمت بثلاث قطع لمعرض النخبة الذي يجوب عددا من عواصم العالم وقد قبلوا بالثلاثة كلها.... وهذه قطعة فازت ب...... وهذه اخرى اخذتها الجمعية الفلانية لعرضها..وتلك..
خرجت من المعرض. لقد علمتني الفنانة درسا للتو. ولكن ما هو بالضبط؟ ترى ماذا لو كانت الفنانة حلوة العطوي تعرف شيئا عن الانطباعية أكان لهذا المساء ان يكون؟
paperblade@hotmail.com
|
|
|
|
|