| الاخيــرة
إن مجموعة السلوك الأخلاقي لدى الجماعة يقاس بمعيار الفضيلة، وتتحكم فيه عدة عوامل بيئية واجتماعية، من أهمها الدين والثقافة والمناخ السياسي والاقتصادي، وهي تعمل على تكوين الشخصية العامة للجماعة، فالانسجام والتوافق بين تلك العوامل يؤثر إيجاباً على قوة وتماسك تلك الشخصية، وفي المقابل فإن التنافر وعدم التوافق يؤثر سلباً في تماسك وتواز ن المظهر العام للشخصية الجماعية.
والإدارة وهي جزء من ذلك التكوين تؤثر وتتأثر به، ولسنا معنيين هنا بعملية التنظير لنظم الإدارة الحديثة بقدر ما يهمنا الآثار السلبية الواقعة على المجتمع بسبب الفساد الإداري، ولعل من أهم ظواهر الفساد الإداري: البيروقراطية، والواسطة، والرشوة.
فالبيروقراطية من سمات النظام الذي يعنى فيه القائمون بالشكليات والتفصيلات الجزئية وهوامش اللوائح، والبعد عن الجوهر، وهو ما يعرف بالأساليب الروتينية، وقد تكون بفعل تقادم النظام الإداري مما يدعو إلى النظر في تطوير الإدارة، أو تكون مقصودة لذاتها في بعض الأنظمة مثل التي اعتمدت على النظام الاشتراكي في تكوينه الإداري الأول، فاعتمدت البيروقراطية )الروتين( لملء الفراغ لدى البطالة المقنعة في القطاع العام.
أما الواسطة بنوعيها الحسن والسيئ، فعادة ما تنشأ في المجتمعات التي تغلب عليها التركيبة القبلية، والواسطة حسنة ومحمودة إذا لم يقع ضرر على طرف آخر، وتكون من باب التعاون بين أفراد المجتمع، أما في حال الاضرار بالآخر، ووضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، وإسناد الأمور إلى غير أهلها فهذه من الواسطة الممقوتة والضارة بالمجتمع وأفراده وقد جرمها النظام «ان كل موظف عام أخل بواجبات وظيفته نتيجة لرجاء أو توصية أو واسطة يعد في حكم المرتشي».
أما الرشوة وهي بؤرة الفساد، ففعل إجرامي جوهره اتجار الموظف العام بأعمال وظيفته، وقد حرمت الشريعة الإسلامية هذا الفعل، وتم تجريم جميع الصور التي يقع بها إن كان الغرض من دفع المال أو العطية إبطال حق أو إحقاق باطل أو ظلما لأحد، تبدأ بصورة خفية، يحاول أصحابها إخفاءها خشية العقاب واحتقار المجتمع، ثم تأخذ في الانتشار والقبول، كما هو الحال في الدول التي تسيطر عليها البيروقراطية بشكل حاد، فالراشي يعلم أن الموظف البيروقراطي في قطاع الخدمات العامة مثلا قادر على تأخير خدمة يستحقها أو تعطيلها أو إلغائها، فيلجأ إلى الرشوة ليضمن الحصول على الخدمة، والمرتشي لا يبالي باختراق الأنظمة والقوانين، إذا وجد الفرصة سانحة وعين الرقيب نائمة.
ولايخفى على أحد مدى الضرر الواقع على المجتمع جراء هذا السلوك، فهو لا يقتصر على الراشي والمرتشي، وإنما ينتشر في الجو الوظيفي، فيصبح ملوثا يساعد على نقل العدوى من الكبير إلى الصغير، ومن السلف إلى الخلف، ويغلب الظن على الشعور العام بأن الحوائج لاتقضى إلا بالرشوة، فتتحول إلى ظاهرة.
هذا النوع من الفساد لا يصلح إلا بالقضاء على الفردية والأنانية والأثرة وحب الذات، وتقوية الشعور بالصالح العام، وتنمية الوازع الديني، وذلك لايتم إلا بمراجعة النفس ومحاسبتها والإيمان بأن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
|
|
|
|
|