أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 21st February,2001 العدد:10373الطبعةالاولـي الاربعاء 27 ,ذو القعدة 1421

مقـالات

منعطفات
الوقت .. يا عربان!
د. فهد سعود اليحيا
معك فني المختبر، هل طلبتني؟
مساء الخير ..
...
مساء الخير!
... نعم .. ماذا تريد؟ «كأنه يريد أن يقول انجز»
أنا دكتور اليحيا، طبيب الامتياز المناوب في القسم الفلاني، عندي عينة دم خاصة بالمريض رقم كذا وكيت سأرسلها الى المختبر ..
تفضل ارسلها ، شكراً.
كان ذلك منذ عشرين سنة تقريباً، حين تعلمتُ اول درس في اهمية الوقت، حين كان معظم الاطباء والفنيين في مستشفى القوات المسلحة بالرياض من الاجانب «اوروبيين وغيرهم». ويقضي النظام بان يتصل الطبيب المناوب بفني المختبرالمناوب ليعلمه بانه سيرسل عينة من الدم، مثلاً، لمريض ما، قبل ارسالها . بالطبع هذا الاتصال ضروري حين الطلب من طبيب مناوب في تخصص معين ان يبدي رأيه في حالة المريض، بيد أن اكثر الاتصالات تحدث مع فنيي المختبرات والاشعة. وكنتُ احمل هماً عندما يحين دوري في المناوبة، لا لشيء ولكن للاتصال بفنيي المختبر. فأنا ككل رجل مهذب ابدأ حديثي التليفوني معهم بالتحية، وعادة ما تكون مساء الخير او صباح الخير حسب موقع المكالمة بالنسبة لمنتصف الليل، اما الطرف الآخر فلم يكن يعبأ برد التحية، لا بمثلها ولا بأحسن منها والردود عادة إما الصمت، أو نعم، أو ماذا تريد؟
لاتفسير لهذا الموقف «غير المهذب» من قبل اولئك الفنيين الاوغاد الا انهم يعاملونني باحتقار. وهذا ما اسعفني به حس «البارانويا» المترسخ في اعماقنا نحن العربان: اسهل شيء نفقز الى ان الآخر «حتى ولو كان من ابناء العم» انه يستهين بنا، ويسخر منا، ويريد ان يؤذينا باي طريقة. وإلا ما المانع ان يدور الحوار هكذا:
معك فني المختبر المناوب! هل طلبتني؟
مساء الخير ..
يا هلا .. مساء النور والسرور ..
أنا دكتور اليحيا طبيب الامتياز المناوب في قسم الباطنة..
يا هلا يا دكتور اليحيا، أنا جون فني المختبر المناوب .. هذه اول مرة اتشرف باتصالك..
فعلاً أنا جديد هنا .. كم لك هنا يا جون ..
أنا لي سنتان هنا ..
إن شاء الله مرتاح في الرياض يا جون ..
يا سلام .. انها مدينة رائعة .. قل لي يا دكتور اليحيا ..
أرجوك لا تناديني بدكتور قل لي فهد ..
كم انت لطيف يا فهد .. قل لي من أي جامعة تخرجت ..
من جامعة القاهرة .. جون ! قبل أن أنسى ترى قهوتك عندنا باكر بين عشاوين
يا دكتور اليحيا انا راعي محل .. انت اللي توك جاي ..
لا والله الغالب الطالب قطاع الارقاب الا عندنا.
لو لا أنك حلفت ..
طبعاً .. ألم تسمع بالكرم العربي .. علاوة إلى اني اريد ان احارب الدعاية الغربية العنصرية التي تصورنا باننا جلوف اوباش ..
دعك من هذا الكلام الفاضي .. لو سمحت بين عشاوين متى بالضبط
يعني بالضبط .. بالضبط .. بين الساعة الخامسة والساعة الثامنة مساءً.
.. تم ! الله يقويك !
خلاص ليلتك سعيدة وتصبح على خير ..
دكتور فهد .. انتظر .. لماذا طلبتني اساساً..
يا الله ! كدت ان انسى ! تعرف يا جون ضغط العمل في المناوبات يُنسي الواحداسمه! اريد ان ارسل لك عينة دم ... الخ
ولذا ، اعلنتُ داخلي الحرب من طرف واحد على هؤلاء الذي يفتقدون الى الحس الادبي واللياقة والتهذيب: لن امسي او اصبح بعد اليوم بيد انهم لم يكترثوا لذلك. وفوجئت باكتشاف مذهل ان الطبيب الاجنبي المناوب عندما يتصل بفني المختبر والذي قد يكون من نفس جنسيته وجاره في السكن فكل ما يقوله «مساء الخير، أنا فلان، عندي عينة فلانية سارسلها، شكرا مع السلامة». فاذا ما تقابلا في الكانتين ضحكا، وكركرا، وتحدثا عن جبال نيوزيلندا، وجزر تايلند، وثلوج الالب، وسهول انجلترا.
تباً للبارانويا! انها مفيدة بلا شك بدليل اننا مازلنا نعيش معها في ثبات ونبات ولكنها خذلتني هذه المرة : المسألة ليست صداقة وصحوبية وسؤالاً عن الحال والاحوال والاهل والاخوال. ولكنها عمل وانتاج، ووقت ضيق ومناوبات، لاتحيات وسلامات!
الله كم يحترم هؤلاء الوقت، ولايقولون ان الوقت نقود «Time is money» لانهم بخلاء يحسبون كل شيء بالفلوس بينما نحن كرام اجواد وشجعان ألسنا نقول ان الوقت كالسيف، والفارق انهم بصراحة اصدق منا مع انفسهم، فهم يحرصون على الوقت حرصهم على المال، بينما يقطع سيف الوقت اوصالنا ليل نهار. ولا نحرص على الوقت المهدور إلا عند اشارات المرور او في طابور التميس والشاورما والفول.
***
وبعد عشرين عاماً، اجد اننا محلك سر ودليلي في ذلك البرامج المبثوثة مباشرة على الهواء ان على الشاشة او بالراديو، مثلاً:
معكم مرة اخرى «حصيصة» في برنامج المسابقات «حمبصيص» في سنته العاشرة من اذاعة «قرقيعان» من صفرونيا الوسطى ، رقم الاتصال هو صفر، صفرين، صفر طعش، صفرين، صفر، وبانتظار مشاركات الاصدقاء
آلوووه..
آلوه .. يا هلا .. معك حمبصيص ..
اذاعة قرقيعان ..
أيوة معك ..
كيف الحال يا اخت حصيصة ..
بخير .. مين معانا؟
كل عام وانت بخير يا اخت حصيصة ..
وانت بخير ..
ممكن اشارك ..
طبعاً .. مين معانا ..
محمد ..
محمد مين ؟
محمد وقتان السهياني ..
من فين يا اخ محمد وقتان؟
من السعودية ..
يا هلا بالسعودية كلها .. من فين تتصل ..
من السيارة .. من الجوال ..
هاها .. من اي مدينة ..
هاها .. هاها .. من الرياض
تفضل يا اخ محمد وقتان من الرياض في السعودية ما هو جواب السؤال؟
ممكن تعيدين السؤال لو سمحت؟
ما سمعته يا محمد؟
الا سمعته .. بس ابا اتأكد ..
طيب نعيده عشان خاطرك .. الس ..
الله يخليك يا اخت حصيصة ..
وياك .. السؤال هو ...
وهكذا ..! وفي نهاية الشهر يضرب الاخ محمد وقتان السيهاني كفا بكف ويصب لعناته على شركة الاتصالات لان فاتورة الجوال من اربع خانات.
***
لا يتكرر هذا في برامج المسابقات ، ولكن في كل البرامج الهاتفية. وانا متابع دائم لبرنامج اسألوا اهل الذكر كل يوم جمعة خلال العام وكل يوم في رمضان. وهذا البرنامج يستضيف في كل حلقة احد العلماء الافاضل ليتكرم بالرد على كل الاسئلة الواردة في كل الجوانب التي تهم المسلم. ويحظى هذا البرنامج باقبال منقطع النظير، من مختلف الفئات ومختلف المستويات التعليمية والثقافية. واكاد اجزم بانه عندما يسأل احد المستمعين، فان مائة آخرين، في ذات الوقت يحاولون الاتصال، ومع ذلك يضيع ربع البرنامج «لو حسبناه بالدقائق» في جمل من قبيل «آلوووه .. إم بي سي» و«آلووه .. ممكن اكلم الشيخ» و«سلام عليكم ياشيخ» و«كل عام وانتم بخير ياشيخ» و«شهر مبارك» و«عندي سؤال ياشيخ». المشكلة ليست في التحية، ولكن في تكرارها، وانتظار ان يرد عليه فضيلة الشيخ بتحية مفصلة، ليواصل المستمع مسلسل التحيات، ومرات كثيرة يستبد الضيق بفضيلة الشيخ ومقدم البرنامج فيقول الاول بكل هدوء «ماهو سؤالك يا اخي؟» ويكرر الثاني رجاءه للمستمعين ان يوجهوا السؤال مباشرة دون مقدمات، ولكن لا حياة لمن تنادي.
اما برامج الجدل السياسي او المحاورات الفكرية او حتى تلك التي تستضيف كاتبا او نجماً، فان المكالمات الواردة تبدأ بتحية المحطة الفذة، والبرنامج الرائع، والمقدم العبقري، والضيف فلان الألمعي، والضيف علان اللوذعي. ولوقيلت هذه كلها في جملة طويلة واحدة لهان الأمر، ولكن المتصل الكريم يتوقف بعد كل تحية منتظرا مجاملة اكبر وتحية اعطر من المقدم والضيوف ثم يشرع في سؤاله. والسؤال يكون عادة مقدمة تليها نتائج ويتفرع عنها سؤالان يتفرع من كل سؤال فقرتان تحوي كل فقرة ملاحظة، وتعليقا، وسؤالين.
ومع ان مسائل الوقت، وتكاليف المكالمة، وتعطيل الآخرين، هي صلب المشكلة إلا أنها تمثل طرف جبل الثلج والذي هو حقيقة مأساة العقلية العربية المعاصرة بيد ان هذا موضوع مقالة اخرى ان شاء الله.
* فاكس : 4782781
Fahads@suhuf.net,sa

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved