| العالم اليوم
* صنعاء الجزيرة من عبد الله الجابري:
اليوم الثلاثاء هو الموعد المحدد لاجراء عمليتي الانتخابات للمجالس المحلية والاستفتاء على التعديلات الدستورية في الجمهورية اليمنية، حيث يتوجه المواطنون المسجلون في كشوفات اللجنة العليا للانتخابات الى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم لاختيار اعضاء المجالس المحلية من جهة والتصويت حول تعديلات الدستور من جهة ثانية.
ويأتي ذلك في الوقت الذي بلغت فيه حمى المنافسة بين الأحزاب والقوى السياسية داخل الساحة اليمنية ذروتها.. وهي المنافسة التي تتسم بحالة من الشد والجذب وكذلك الغموض والتباين في مواقف الأطراف السياسية المشار اليها، والتي تعيش حالة من الانقسامات والمهاترات والصراع الحزبي والسياسي فيما بينها، والذي وان كان في حد ذاته يمثل صفة ملازمة لنشاط هذه الأطراف في اليمن، إلا انه ازداد حدة وضراوة مع اقتراب موعد الانتخابات والاستفتاء على التعديلات الدستورية.
وفي هذا السياق عاشت الساحة اليمنية على مدى الأسبوعين او الثلاثة الماضية أجواء مشحونة بالغليان والتوتر لدى مختلف الأحزاب التي أخذت تتبادل الاتهامات وتوجه الانتقادات اللاذعة التي لم تخل من التجريح والإساءات لبعضها البعض .. وقد جندت هذه الأحزاب كل ما لديها من وسائل وامكانات في هذا المنحى، واستخدم كل منها شتى اشكال الدعاية والتحريض ضد الآخر وذلك في محاولات عبثية لتحقيق بعض المكاسب السياسية من خلال الحصول على اكبر قدر ممكن من اصوات الناخبين والفوز بنسب أعلى من المقاعد في هيئات السلطات المحلية التي ستتألف في مجملها من 7032 عضوا في عموم مناطق اليمن. فمعطيات الواقع تؤكد حقيقة ان ثمة أحزابا في المعارضة اليمنية ليس لها حضور بالمعنى الذي يجب في اوساط الجماهير حتى انها تستطيع التأثير على الرأي العام ولعب دور فاعل داخل الساحة
وكما يرى المتابعون والمهتمون بالشأن اليمني فان بعض هذه الأحزاب تعاني من قصور في برامج عملها وسياستها وأساليب تعاطيها مع مختلف القضايا الوطنية، اضافة الى ابتعادها عن المسائل الجوهرية ذات الصلة بهموم الناس ومشكلاتهم وتطلعاتهم.. وهو الأمر الذي جعل وجودها في خارطة العمل السياسي لا يعدو اكثر من وجود شكلي، ومن ثم فان ما تطرحه من خلال خطاباتها الموجهة الى الرأي العام والشارع، انما يندرج في خانة المماحكات والجدل الحزبي العقيم الذي لا يغير شيئا في الوضع القائم بالنسبة لتشكيلة الخارطة السياسية في اليمن، وبخاصة في ظل ظروف ومعطيات وحقائق الواقع المعاش سواء على صعيد التركيبة الاجتماعية او على صعيد الواقع السياسي بافرازاته المختلفة اضافة الى ما يتعلق بالجانب الثقافي وايضا الاقتصادي.
وفي اطار الاستعدادات للانتخابات المحلية في ظل أجواء الخلافات والاحتقانات السياسية لدى الاحزاب بتوجهاتها وايديولوجياتها المختلفة، فقد حدث ما كان متوقعا بالنسبة لبعض التحالفات الحزبية التي كان قد اعلن عنها من قبل بعض الاطراف بهدف التنسيق في العملية الانتخابية.. ذلك ان هذه التحالفات لم تتمكن من الصمود حتى نهاية المطاف، وسرعان ما تبخرت الاتفاقات التي تمت بهذا الخصوص.
ولعل من ابرز ذلك هو ما شهدته الأيام القليلة الماضية من مواجهات وتراشق اعلامي مصحوب بالانتقادات الحادة والحرب الكلامية الاستفزازية وتبادل الاتهامات بين المؤتمر الشعبي العام الحزب الحاكم الذي يتزعمه الرئيس علي عبد الله صالح وحزب التجمع اليمني للاصلاح وهو الممثل الرئيسي للحركة الإسلامية في اليمن ويتزعمه الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر.. وقد جاء ذلك على الرغم من كون العلاقة بين هذين الحزبين تكاد تكون هي الأفضل مقارنة بما هو حاصل بالنسبة لعلاقات الأحزاب السياسية في اليمن مع بعضها البعض بشكل عام.
ويرجح المتابعون بأن الأساس في الخلاف بين حزبي المؤتمر و الاصلاح يعود الى الجناح المتشدد في حزب الاصلاح الذي يقوده الشيخ عبد المجيد الزنداني والذي تسبب بفض اتفاق التنسيق الذي سبق ان توصل اليه الحزبان، مع ان ما حدث لا يعد مفاجأة في واقع الأمر، كونه قد تكرر في مناسبات مختلفة في السابق.
ولعل ما تجدر الاشارة اليه هنا هو ان حزب «الاصلاح» الاسلامي وكما هو حال العديد من الأحزاب الموجودة داخل الساحة اليمنية لا يتخذ خطاً معيناً في مسار علاقاته مع باقي الأحزاب سواء في السلطة او المعارضة، فتارة يقف مؤيداً للسلطة وقراراتها، وتارة أخرى يتجه الى المعارضة ويقف في صفها، وكما حدث مؤخرا بالنسبة لانتخابات المجالس المحلية ومشروع التعديلات الدستورية، فعندما بدأت التحضيرات الخاصة بهاتين الفعاليتين كان موقف «الاصلاح» منحازا الى جانب السلطة مما دفع بأحزاب المعارضة في التكتل الذي يقوده الحزب الاشتراكي الى شن هجوم وانتقادات واسعة ضده، ولكن هذا الموقف سرعان ما تغير مع اقتراب الموعد المحدد للانتخابات والاستفتاء على تعديلات الدستور.
وكما يطرح البعض فان مثل هذا التأرجح وعدم الثبات في المواقف يرجع الى الخلافات التي يعيشها حزب «الاصلاح» نتيجة الانقسام وتباين الرؤى بين جناحيه المتشدد والمعتدل.. اضف الى ذلك ما يتعلق بلعبة الجري وراء المصالح التي كثيرا ما تتحكم بمواقف وتوجهات الأحزاب وعلاقاتها ببعضها.
وفيما بخص الخلاف الذي طرأ بين المؤتمر الشعبي وحزب الاصلاح فمن أسبابه ايضا هو ان الأخير دفع بأعداد كبيرة من اعضائه في مختلف المحافظات اليمنية الى ترشيح انفسهم ودخول المنافسة للانتخابات المحلية كمستقلين وهو على ما يبدو ما أغضب قيادات في المؤتمر الشعبي لكونها رأت بأن في ذلك خرقا لاتفاق التنسيق مع الاصلاح.
كما انه ثمة خلافات طرأت ايضا في صفوف الأحزاب الأخرى سواء في الاطار الثنائي او في داخل الأحزاب نفسها، ومثال لذلك الانقسام الذي حصل في صفوف الحزب الاشتراكي اليمني الذي قررت بعض قياداته مقاطعة عمليتي الانتخابات والاستفتاء على الدستور معا، وهي بذلك تكون قد انشقت عن البعض الآخر من القيادات التي رأت ضرورة المشاركة في الانتخابات المحلية مع التصويت ب «لا» على التعديلات الدستورية.
واذا كان العديد من المناطق اليمنية قد شهدت خلال الأيام الماضية بعض اعمال العنف من جانب المواطنين نتيجة لخلافات حول الانتخابات المحلية، فان تلك الأعمال والتي نجم عنها سقوط بعض القتلى يمكن القول انها انعكاس مباشر للخلافات الحاصلة بين الأحزاب، ذلك ان للتركيبة الاجتماعية في اليمن دورا مؤثرا بالنسبة للحياة السياسية والحزبية، من منظور ان الانتخابات الحزبية كثيرا ما تكون على أساس الانتماء المناطقي او القبلي، حيث تعتمد بعض الأطراف الحزبية على هذا الجانب فيما يتعلق بقواعدها الجماهيرية.
ويرى المحللون السياسيون وكذلك المهتمون بأن معظم الأحزاب في الساحة اليمنية ما تزال غير قادرة على امتلاك المشروع الحضاري الوطني المتكامل مما أوجد قصوراً واضحاً على صعيد العمل السياسي والديمقراطي..
كما أن بعض هذه الاحزاب لم تتمكن بعد من تجاوز عوامل التخلف الاجتماعي والسياسي بما يشتمل عليها من نزعات مناطقية ومذهبية وهي العوامل التي تعكس نفسها على ممارسات وسلوكيات الأحزاب.
وبالتالي يمكن القول ان عدم وجود الوعي اللازم بمفاهيم وقواعد الممارسة السليمة للعملية الديمقراطية والحزبية يجعل من التعصب الحزبي القبلي بما قد يؤدي اليه من بعض اعمال العنف أمرا غير مستبعد.
ومع ان نتائج الانتخابات المحلية التي تجرى اليوم في اليمن ستعلن خلال 72 ساعة كما ينص القانون، إلا ان مؤشرات الساحة وتوقعات الكثير من المراقبين بالاضافة الى القناعات القائمة لدى مختلف الأحزاب المتنافسة، تؤكد على ان المؤتمر الشعبي العام صاحب اكبر قاعدة جماهيرية سوف يحصل على اكثر من نصف مقاعد السلطة المحلية في انتخابات اليوم.. فيما ستنحصر المنافسة على بقية المقاعد بين ثلاثة أحزاب رئيسية من أصل 22 حزباً وتنظيماً سياسياً في ساحة المعارضة بالاضافة الى المستقلين.
هذا وكانت السلطات المعنية قد حشدت اكثر من 60 ألف عنصر من قوات الأمن لحماية مراكز الاقتراع الموزعة على 324 مديرية في اطار محافظات اليمن ال 20، وذلك بهدف توفير المناخات المناسبة لضمان سلامة سير الانتخابات والمحافظة على الأمن والاستقرار اللازم لنجاحها.
|
|
|
|
|