| عزيزتـي الجزيرة
لقد طغت على الساحة ظاهرة التسول والاحتيال التي تشهد تطورا ملحوظا في الأداء وتعدد طرق وأساليب استدرار عطف افراد المجتمع لأخذ شيء من المال. لقد كان متسول الأمس يقف على جانب الطريق وأمام أبواب المساجد يمد يده للناس ليعطوه ما يسد به حاجته من نقود وطعام وشراب وكساء يستر به عورته، حالته الرثة وانكسار نفسه وقسمات وجهه تدل على وضعه البائس الذي يقض مضاجعه في كل وقت وحين. لا يعرف الزيف والخداع. اما في عصرنا الحاضر فقد اصبح التسول مهنة واحترافا وتعددت مجالاته وتخصصاته فهناك فئات متخصصة للتسول في الاسواق واخرى في المساجد، المستشفيات وعند اشارات المرور، وكل فئة تجيد استمالة ضحاياها للبذل والعطاء تطلب الكثير من المال ولا تمانع في اخذ القليل. مبدؤها ) قليل دائم خير من كثير منقطع( و)المال البلاش احلى من العسل(. وهناك محتال كالاخطبوط ولكنه في صورة متسول بدرجة خمس نجوم يرتدي افخم الثياب يجوب الشوارع والاحياء بسيارته ليجمع بعض المعلومات عن الاشخاص الذين يريد ان يوقعهم في شباكه فعند مقابلة الشخص المقصود يحييه باسمه ويذكر له بعض المعلومات الشخصية عنه وعن اسرته ويمزج ذلك بابتسامة صفراء عريضة وتنساب من ثغره الباسم عبارات الشوق والحنين لهذا اللقاء غير المتوقع حتى يخيل لهذا المسكين ان محدثه احد زملاء الدراسة او احد معارفه السابقين الذي اصبحوا في طي النسيان لكثرة الهموم والمشاغل ومهما يكن فان اكرام الضيف واجب وهي من الخصال الحميدة التي يحث عليها ديننا الحنيف. وفي تلك العجالة يستمع هذا المتورط الى سيناريو التسول والاحتيال المتضمن بعض الازمات والحالات المأساوية التي ألمت بهذا المتسول الانيق في ظروف مباغتة لم يحسب لها حسابا.وينتهي هذا المشهد الدرامي المحبوك بدقة متناهية بطلب مساعدة مالية تتناسب مع هذه الشياكة والفخامة وقد يتراوح المبلغ بين الألف الى ثلاثة آلاف ريال، مدعما طلبه بالوعود والايمان المغلظة باعادة هذا المبلغ في مدة اقصاها نهاية الشهر. وتجاه هذا الوضع المحزن وامام هذه الشخصية الانيقة التي لا تظهر عليها سمات التسول والاحتيال لا يجد المضيف مناصا من تقديم المساعدة ولو بنصف المبلغ المطلوب مع تقديم جملة من الأعذار التي يشوبها الخجل لعدم تقديم المزيد. وما ان يقبض المحتال ذلك المبلغ حتى ينطلق بسرعة البرق من حيث أتى دون رجعة ليبحث عن ضحية اخرى.
ان مسلسل الاحتيال والابتزاز مستمر في غياب الوازع الديني لدى هذه الفئة من الناس الذين نسوا وعد الله عز وجل الذي يقول في محكم كتابه العزيز )واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون( 281 سورة البقرة. وقال تعالى )يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل...( الآية 29 سورة النساء.ان شريعتنا الاسلامية تحضنا على مساعدة المحتاجين وتقديم يد العون والمساعدة وان نجزل لهم العطاء )والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه( ولكن في ظل الظروف والمتغيرات التي تجتاح مجتمعنا يجب التثبت من صحة أحوال وأقوال المحتاج لأن كثيرا من الحالات التي ضبطها رجال مكافحة التسول تؤكد عدم أحقيتهم لتلك الأموال والهبات. والذي نخشاه ان تستغل هذه الاموال في أمور منكرة لا ترضي الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم. واحسن وسيلة لمساعدة المحتاجين تقديم الصدقات والزكوات للجمعيات الخيرية او لمن نثق في صلاحهم ونزاهتهم لايصالها الى المحتاجين.والله الموفق.
عبدالرحمن سراج منشي مكة المكرمة
|
|
|
|
|