| مقـالات
هناك اديب عربي وحيد، جسد حال المرأة العربية، مع الرجل العربي أدق تجسيد، وهذا الأديب هو نجيب محفوظ، من خلال ثلاثيته الروائية )بين القصرين، قصر الشوق، السكرية( وهي حالة بقدر ما تدعو الى الرثاء، تدعو الى الأسى، لكن المضحك في الأمر الذي يجعلنا لا نأسو عليه، رضا المرأة بهذا الحال، فقد كانت أمهاتنا سعيدات، بأن يأكلن مع البنات وان ينادين أزواجهن، بحياء اين منه الذل والخضوع، وراضيات بالنوم مع الأطفال والبنات، في الوقت الذي ينام فيه سبع البيت في أحسن الغرف، ويأكل اول قطفة تخرج من القدر، وبعده تأكل أم العيال!
حتى في الولائم )لا أدري هل هكذا الحال في بيئة نجيب محفوظ أم لا؟( كنا، وربما لا يزال بعضنا، نقدم أنفسنا على النساء والبنات والاطفال، فنأكل أولا، وبعد ذلك تسوى الصحون، بإضافة بعض الأكل، على ما تبقى عن الرجال، ليوضع للنساء، وغالبا ما تكون هذه البواقي باردة وعديمة الفائدة، لكن النساء ينظرن إليها نظرة أخرى، فليس في الامكان أفضل مما كان، بل ربما لو خيرن، بأن يأكلن هن أولا أم الرجال لقلن الرجال أولا، أما ان يأكلن في وقت واحد، وكل فريق في مكان، فهذه حالة لم تبدأ أو تظهر الا قبل سنوات، مع الرفاهية التي اجتاحت دول الخليج، وجعلت الخرفان على الموائد بعدد الرجال أو الضيوف!
وحتى اللحظة هناك شرائح كبيرة، لا تتحدث عن المرأة الا بالكنية، فهي أم العيال، وهي العيال فقط، وهي البنت، حتى وان كانت في أرذل العمر، ومن الطبيعي ان نجد رجلا يتحدث عن زوجته مع صديق له قائلا: اليوم رحت مع العيال إلى السوق!
علماً بأن هذا الرجل ليس لديه سوى زوجته فقط!
وهذه الزوجة لا تنادي في المنزل من قبل الزوج باسمها المجرد، بل ان بعض الأسر تعتبر عيبا نطق اسم المرأة: أماً وزوجة وبنتاً.. فالزوج اذا أراد من زوجته شيئاً نادى عليها بعلو صوته: ياهيه! وهي غالبا تلبي ما يطلبه بصمت، وربما برعب، فهو القادر على طردها وضربها وتطليقها، وهو يجد كل الدعم من أهلها، فاذا هربت ردت إليه في اليوم التالي، واذا ضربت أواشتكت الى أهلها وجدت عندهم دعما وتشجيعا للزوج، القادر على شكم ابنتهم القوية، التي يعلو صوتها على صوت أبي عيالها!
أعرف رجلا في حارتي كان يغيب عن المنزل بالأيام، وعندما يعود نكتشف انه ذهب للحج أو العمرة أو قضاء بعض شؤونه، وعندما يسأله أهل زوجته، لماذا لم يخبرها أو يخبرهم بسفره حتى لا يقلقوا عليه، كان يقول بصوت كالسيف: أنا ما أشاور الحريم! وهكذا كان على الزوج والأبناء ان يقلقوا ويتألموا لهكذا أب وزوج مثله في عالمنا الشرقي الكثير!
من حسن الحظ ان الاستلاب لحقوق وآدمية النساء، في طريقه الى الزوال، فنحن الآن ننادي الزوجة باسمها ونجلسها بجانبنا في السيارة، وهي تأكل معنا على سفرة واحدة عندما نكون في بيوتنا، والمرأة دخلت المدارس والجامعات وتوظفت، واصبح لديها دخل مالي يخصها، تقبضه مثلنا أول كل شهر.. لكن المرأة، رغم هذا التطور ما زالت مستلبة منا، وبأسلوب عصري جدا.. وابرز أساليب الاستلاب التي ما زالت موجودة بل هي في تنامٍ مستمر.. استيلاء الزوج على مدخرات زوجته، من الراتب الى الارث، فالراتب من البنك الى جيب الزوج، الذي يدخره لسفراته وبذخه، وربما ادخره لزوجة جديدة!
وهناك الذي يفتح منزله لضيوف آخر الليل، وفي أوقات العمل وكأنه فندق، وليس منزلاً، وعلى الزوجة اذا كانت عاملة ان تغيب لتطبخ لضيوف الغفلة!
وهناك المعقد الذي يتفنن في تفتيت أعصاب زوجته، وبالذات اذا كانت أعلى منه درجة علمية أو وظيفة، فهو يعتقد ان الزوجة يجب ان تكون الأقل، فتدفن طموحها وتفوقها، من أجل خاطر الزوج!
وهذا الزوج له مطلق الحرية في السفر والسهر، حتى مطلع الفجر، في الاستراحات والديوانيات، وهو يريد زوجته قائمة صاحية، لتلبية طلباته، عندما يهل من سفرته أو سهرته! وكل ما قلته لا يقبل التعميم وانما ينطبق على البعض سي السيد، وارد نجيب محفوظ، ما زال موجوداً بيننا!!
|
|
|
|
|