| متابعة
*واشنطن عزيز فهمي:
أجمع المراقبون الأمريكيون على أن الجالية الإسلامية الأمريكية في انتخابات عام 2000 قد خطت خطوة عملاقة في سعيها لاكتساب المكانة والمقدرة التي تتناسب مع حجمها، وذلك بعد احجام طويل عن المشاركة في العمل السياسي او المشاركة في التصويت في الانتخابات الأمريكية خلال العقود الماضية.
ولقد تابع المراقبون في كل دول العالم باهتمام كبير الفصل الاخير في الانتخابات الأمريكية لعام 2000، وخاصة في فلوريدا التي تحملت وحدها مسؤولية تحديد الرئيس 43 للولايات المتحدة الأمريكية.
وفي اللحظات الحرجة التي صاحبت عمليات اعادة فرز بطاقات الانتخابات والتي كان الفارق خلالها بين المرشحين الجمهوري والديمقراطي عدة مئات من الأصوات، افردت الصحافة الأمريكية مساحة كبيرة لتحليل أهمية اصوات اليهود الأمريكيين من ولاية فلوريدا الذين يعيشون في اسرائيل ويشاركون في الاقتراع من عن بعد، وظهرت مقالات كثيرة تتساءل :«هل يرجح الصوت اليهودي الأمريكي، القادم من اسرائيل كفة نائب الرئيس آل جور ويهدي له البيت الأبيض؟ ولكن هذه الصحافة لم تفرد أي مساحة لابراز او تحليل الصوت الإسلامي الذي رجح كفة بوش في نهاية المطاف وأهداه البيت الأبيض !! الصحافة الأمريكية لم تقدم أي تحليل لأهمية الصوت الإسلامي في نتائج انتخابات ولاية فلوريدا رغم انه هو الذي حسم السباق الى البيت الأبيض في انتخابات عام 2000.
وعندما التقت جريدة الجزيرة مع جروفر نوركوست ، احد اهم مستشاري حملة ترشيح جورج بوش، وسألته عن اهمية الصوت الإسلامي في هذه الانتخابات ، اجاب بصراحة: «اذا نظرت الى نتائج الانتخابات في ولاية فلوريدا يمكنك القول ان دعم الغالبية العظمى للناخبين المسلمين في ولاية فلوريدا هو الذي ادى لفوز الرئيس جورج بوش بولاية فلوريدا ومن ثم انتخابه رئيسا وتقدر القيادات الإسلامية الأمريكية أن 80% من الناخبين المسلمين في فلوريدا قد صوتوا لمصلحة جورج بوش».
وتعتبر بعض التقديرات ان عدد الناخبين المسلمين في ولاية فلوريدا يبلغ 000ر55 ناخب، ويعني هذا ان 000ر44 ناخب مسلم صوتوا لجورج بوش، واذا اضفت الى ذلك ان جورج بوش فاز بولاية فلوريدا بفارق 534 صوت فقط لادركت مدى صحة واهمية تصريح نوركوست، لان 000ر44 صوت مسلم يغرف بمراحل ال534 صوت ويؤكد بالفعل ان الصوت الإسلامي هو الذي اهدى البيت الأبيض للرئيس جورج بوش.
ولكن على صعيد آخر.. فإن فوز احد المرشحين بسبب هذا الفارق البسيط من الاصوات يعكس حقيقة الواقع السياسي الأمريكي، والدور الحاسم الذي تستطيع الجاليات المنظمة ان تلعبه في التأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ومن ثم التأثير في الحياة السياسية الأمريكية. لقد أدركت الجالية اليهودية الأمريكية هذه الحقيقة منذ 50 سنة وعملت بدأب لتنظيم نفسها وبالتالي اكتساب المقدرة على التأثير على الحياة السياسية الأمريكية . خاصة فيما يتعلق بالسياسات تجاه الشرق الأوسط.
وخلال العقد الأخير أدركت الجالية الصينية الأمريكية هذه الحقيقة ونظمت نفسها، هذا ما تفعله فصائل باقي المجتمع الأمريكي التي تنتمي إلى أصل عرقي واحد أو دين واحد أو مجموعة مصالح واحدة.
وأخيراً لحقت الجالية الإسلامية الأمريكية بهذا الركب ومحاولة فرض وجودها على الساحة السياسية الأمريكية، ورغم النجاح الذي حققته الجالية الإسلامية في انتخابات عام 2000 فان الطريق ما زال أمامها طويلا حتى يمكنها أن تحقق ما حققته الجاليات الأمريكية الأخرى الأكثر تنظيماً».
وسألت جروفر نوركوست كيف سيسجل التاريخ انتخابات عام 2000 فأجاب «إن التاريخ سيسجلها على انها اول انتخابات يلعب فيها الصوت الإسلامي دورا مهما وانها كانت المرة الأولى التي يسعى فيها الحزب الجمهوري جديا لاجتذاب الصوت الإسلامي».
ولقد سعت القيادات الإسلامية الأمريكية إلى المحافظة على قوة الدفع التي تولدت عن هذه الانتخابات ووجهت منظمتات اسلاميتان رسالة مفتوحة للرئيس جورج بوش الابن في مؤتمر صحفي في واشنطن، وتضمن الخطاب توصيات واقتراحات محددة تهدف الى تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي.
ولم يفاخر الخطاب بدور الصوت الإسلامي في فوز الرئيس بوش بولاية فلوريدا والبيت الأبيض انما ذكر الرئيس المنتخب بدبلوماسية ان 74% من الناخبين المسلمين على مستوى الولايات المتحدة كلها قد صوتوا له، كما أبرز الخطاب أن الاسلام سيصبح ثاني أكبر دين في الولايات المتحدة بحلول العام 2001.
وأكد الخطاب أن الجالية الإسلامية مستعدة وقادرة على دعم سياسات الإدارة الجديدة التي تهدف الى تحقيق امن الولايات المتحدة وشعبها، وأكد الخطاب في نفس الوقت أن الجالية الإسلامية الأمريكية يمكنها أن تلعب دوراً في بناء تحالف حقيقي وصداقة متينة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي الذي يبلغ تعداده 2ر1 بليون نسمة.
وحث الخطاب الإدارة الجديدة على تشجيع المسؤولين الأمريكيين على زيادة اطلاعهم ومعرفتهم بالإسلام والحضارة الإسلامية بشكل أفضل ، وخصوصا المسؤولين عن صنع القرار السياسي الأمريكي.
والتقت جريدة الجزيرة مع البروفيسور علي المزروعي ، استاذ الدراسات الافريقية والافريقية الأمريكية بجامعة بينج هامتون بولاية نيويورك، ورئيس مجلس إدارة مركز دراسات الإسلام والديمقراطية، وأحد الموقعين على الخطاب، ويعد البروفيسور المزروعي واحدا من أهم المفكرين الإسلاميين.
وعن أهمية تقديم هذا الخطاب قال البروفيسور المزروعي للجزيرة «ان الخطاب كان بجهد مشترك ساهم فيه 25 من من خيرة خبراء الجالية، كما تم الاستعانة بخبرات مسؤولين سابقين في الإدارة الأمريكية»، واضاف «لقد كان للجالية الإسلامية في الماضي اتصالات مع إدارة كلنتون والمسؤولين في الخارجية الأمريكية، ولكننا لم نحاول في السابق ان نقدم خطابا شاملا بهذا الشكل، مع توصيات محددة في مجال السياسة الخارجية من كشمير للعراق لمسيرة السلام العربية الإسرائيلية لايران ثم ليبيا».
ويصف خالد صافوري رئيس المعهد الإسلامي ومستشار حملة انتخاب جورج بوش لشؤون الجالية الإسلامية والعربية، يصف ما حققه المسلمون في انتخابات عام 2000 بأنه «معجزة» وسألت الأستاذ/ خالد صافوري ان كان الرئيس جورج بوش قد اوفى ببعض الوعود التي قطعها للجالية الإسلامية والعربية عندما التقى بهم في ديترويت وتكساس بخصوص تعيين عناصر اسلامية وعربية في إدارته ؟ فأجاب «أولاً الرئيس جورج بوش عين السانتور السابق اسبنسر ابراهام، وهو أمريكي من أصل لبناني، وزيراً للطاقة، وهذه إحدى أهم الوزارات أو الإدارات التي تتعامل مع العالم العربي والإسلامي، كما اوفى الرئيس بوعده باستحداث وظيفة جديدة بمكتب العلاقات العامة في البيت الأبيض ، وعين بالفعل سهيل خان كمنسق وضابط اتصال بين الجالية الإسلامية والعربية والبيت الأبيض، كما عينت نينا شكري في مكتب نائب الرئيس ديك تشيني، كنائبة لمستشاره للشؤون المحلية، كما عُين ايضاً علي طلبة بالمكتب الإداري بالبيت الأبيض، وهو أمريكي عربي».
وأضاف خالد «إن هذه التعيينات على سبيل المثال لا الحصر فهناك تعيينات أخرى كثيرة».
هذا الانجاز الذي تحقق كان نتيجة عمل مكثف خلال العشر سنوات الماضية وساهم فيه العديد من المنظمات الإسلامية الأمريكية والعربية الأمريكية ، التي كان لها السبق في التواجد على الساحة السياسية الأمريكية وهناك عوامل شرعية وتنظيمية وسياسية كثيرة ساعدت على تحقيق هذا النجاح وسنحاول ايجاز هذه العوامل لابرز المسيرة الإسلامية السياسية داخل الولايات المتحدة.
فقد كانت المشكلة الأولى التي تعيق تنظيم وتفعيل الجالية الإسلامية الأمريكية هو احجام افرادها عن المشاركة في العمل السياسي الأمريكي لاعتبار البعض ان امريكا «دار كفر» ولذلك لا يجب المشاركة في العمل السياسي فيها. فتوجه المجلس الإسلامي الأمريكي إلى الدكتور طه علواني رئيس مجلس الفقه الإسلامي في شمال أمريكا لإبداء الرأي في هذه القضية، فقدم الدكتور طه فتوى باجازة المشاركة في العمل السياسي من اجل الدفاع عن مصالح المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة.
ويقول الاستاذ/ علي ابو زعكول المدير التنفيذي للمجلس الاسلامي الأمريكي ان هذه الفتوى كان لها اثر حاسم في تشجيع المسلمين لتسجيل انفسهم لممارسة حق التصويت. كما شجعتهم على ترشيح انفسهم للعديد من المناصب المحلية والمجالس المحلية.
والتقت الجزيرة بالدكتور طه علواني وسألته عن الاساس الشرعي الذي استند اليه فأجاب «بعون الله استطعت ان اعد دراسة اكثر منها فتوى حول فقه الأقليات، واخذت موضوع المشاركة في العمل السياسي، ونظرنا الى الادلة المتعلقة بهذا الأمر وقضايا
الولاء والبراءة وخلصنا إلى أن المساهمة في العمل السياسي تؤدي إلى دعم الوجود الإسلامي في الولايات المتحدة ، وتمكن المسلمين من خدمة الجالية الإسلامية الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وايضا على مستوى اعتراف المجتمع بحقوق المسلمين الكاملة».
واضاف الدكتور طه «اننا نعتبر دار الإسلام هي دار الاستجابة لأنها استجابت للدين الحنيف وقبلته أما ديار غير المسلمين فهي ديار دعوة، لان على المسلمين واجب نشر دينهم والدعوة له في كل مكان وزمان ولذلك فنحن لا نعتبر أمريكا دار كفر أو دار حرب».
أما على المستوى التنظيمي والسياسي، فيقول الأستاذ/ علي زعكول المدير التنفيذي للمجلس الإسلامي الأمريكي «إن المجلس دعا في سنة 1997 الى قيام مجلس التنسيق بين أكبر أربع منظمات إسلامية أمريكية وتم الاتفاق على القيام بحملة وطنية )على اتساع الولايات المتحدة( واسعة لتسجيل الناخبين المسلمين على قوائم الاقتراع، ورفعنا شعارات مثل «الدفاع عن القيم الإسلامية يتطلب أن تمارس حق التصويت» «مسلمون من أجل أمريكا أفضل» ويضيف الأستاذ/ علي ابو زعكول «لقد استمرت هذه الحملة حتى انتخابات عام 2000، واستخدمت المنظمات الاربع مواقعها على الانترنت لمحاولة التواصل مع كل اعضاء الجالية الإسلامية وحثهم على تسجيل أنفسهم في قوائم الاقتراع وممارسة حقهم الانتخابي.
وتتذكر القيادات الإسلامية كيف كان يتجنب اي مرشح سياسي امريكي في الماضي ان يظهر مع اي جماعة اسلامية او حتى يلقي خطابا في احد اجتماعاتهم، أما الآن وبعد بدء تنظيم وتفعيل الجالية الإسلامية سياسيا فان الوضع قد تغير، ويقول الأستاذ / نهاد عوض رئيس مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية CAR «منذ 70 سنة لم يكن هناك مسجد واحد في أمريكا أما الآن فهناك 1500 مسجد كما توجد مدارس إسلامية ومنظمات إسلامية تمارس العمل السياسي وتنظيم الجالية.
وعلاقة الحزب الجمهوري الجديدة بالجالية الإسلامية خير دليل على ذلك، فالحزب الجمهوري هو الذي بدأ بالتوجه والتواصل مع الجماعات الإسلامية المختلفة منذ سنتين، ويعود الفضل في ذلك للأستاذ/ خالد صافوري رئيس المعهد الإسلامي الأمريكي الذي اقنع بعض قيادات الحزب الجمهوري البرلمانية بأهمية الصوت المسلم، ولذلك سارعت حملة انتخاب الرئيس بوش بتعيين خالد مستشاراً للحملة لشؤون الجالية الإسلامية والعربية.
ويقول علي زعكول من المجلس الإسلامي الأمريكي «إن خالد كان حلقة وصل هامة بين الجالية وحملة انتخاب جورج بوش».
وسألت الدكتور يحيى باشا، رئيس المجلس الإسلامي الأمريكي عن تجاوب المرشحين مع مطالب الجالية الإسلامية فأجاب «إنه كان من الواضح منذ البداية ان المرشح الجمهوري جورج بوش اكثر تجاوباً» او اكثر رغبة في الحصول على صوت الناخب المسلم، وقد تم بالفعل ترتيب لقاء بين جورج بوش ونخبة من القيادات الإسلامية في مايو 2000 وطلبنا منه القيام بعمل رمزي بأن يفتتح مسلم احد ايام المؤتمر القومي للحزب الجمهوري اسوة بالمسيحيين واليهود ، كما طلبنا منه العمل على الغاء بعض القوانين التي تستهدف المسلمين بشكل غير عادل مثل استخدام الادلة السرية في المحكمات والانتقاء العرقي في المطارات والذي يؤخر حركة المسافرين العرب والمسلمين. وقد لبى جورج بوش هذه المطالب بل انه فاجأ الجميع وانتقد استخدام الأدلة السرية في المحكمات اثناء المناظرة الثانية مع منافسه آل جور».ويشير نوركوست ايضاً الى تعمد جورج بوش اكثر من مرة ان يذكر دور العبادة للديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، وذلك بعد ان كان يكتفي بذكر الدينين اليهودي والمسيحي فقط، ويضيف نوركوست ان جورج بوش فعل ذلك ليعكس حقيقة أن الإسلام أصبح جزءاً من نسيج المجتمع الأمريكي والعملية السياسية في الولايات المتحدة.
«ولكل هذه الأسباب» يستطرد الدكتور يحيى رئيس المجلس الإسلامي الأمريكي ، «قررت المنظمات الإسلامية الأمريكية دعم جورج بوش في الانتخابات واعلنا ذلك في مؤتمر صحفي في 23 اكتوبر. والخطاب الذي نقدمه الآن علنا للرئيس جورج بوش هو جزء من خطة شاملة لضمان تلبية كل مطالب الجالية الإسلامية.
وسألت البرفسيور علي المزروعي عن انطباعاته لتوجيهات كل من الرئيس كلنتون والرئيس جورج بوش الابن تجاه العالم الإسلامي فأجاب «إدارة الرئيس كلنتون فعلت الكثير من الأشياء الإيجابية في مجال السياسة الداخلية للجالية الإسلامية، مثل ارسال خطابات تهنئة بحلول شهر رمضان للقيادات الإسلامية، كما استقبل الرئيس كلنتون وزوجته هيلري في البيض الأبيض ممثلين عن الجالية الإسلامية لتهنئتهم بالعيد، وكان الرئيس كلنتون يحرص على توجيه خطاب إلى العالم الإسلامي للتهنئة بالعيد، وكان هو أول من عين سفيرا أمريكيا مسلما».
ويستطرد البروفسيور المزروعي «ان ادارة الرئيس كلنتون حاولت ان تخدم مصالح المسلمين داخل الولايات المتحدة ولكن ذلك لم يكن الحال بالنسبة للمسلمين خارج الولايات المتحدة، ويكفي ان تتذكر قصف افغانستان والسودان والموقف الدعم لاسرائيل على طول الخط، والتردد في التدخل في قضية البوسنة في بدايتها».
اما عن التوقعات لاداء الرئيس جورج بوش فيقول البروفسيور المزروعي «اعتقد ان اداء بوش سيكون افضل من اداء كلنتون في مجال السياسة الخارجية فعلى سبيل المثال سترى ان ادارة بوش ستتعامل مع الشرق الأوسط في اطار صراع عربي/ اسرائيلي وليس صراعا فلسطينيا/ اسرائيليا كما فعلت ادارة كلنتون خلال الثماني سنوات الماضية، وكون باول قال ان الإدارة ستتشدد مع الرئيس صدام حسين ولكنها ستحاول ان تجد وسيلة لتحقيق ذلك بدون زيادة معاناة الشعب العراقي».
ان الشهور والسنين القادمة هي التي ستحكم على توجهات بوش تجاه العالم الإسلامي وايضاح اذا كانت افضل من توجهات الرئيس السابق بيل كلنتون.
|
|
|
|
|