| مقـالات
استمعت الى كلمة الأخ رئيس الوفد الثقافي الليبي والى قصيدة الشاعر الدكتور عبدالمولى البغدادي عضو الوفد بمناسبة افتتاح فعاليات الأسبوع الثقافي الليبي في الممملكة في مركز الملك فهد الثقافي وما اشتملت عليه الكلمة والقصيدة من عبارات جزلة مؤثرةتعبر عن عمق الروابط التي تجمع بين الشعبين السعودي والليبي التي تعود في جذورها الى الجزيرة العربية الموطن الأول لكلا الشعبين.
وما يجمع بينهما من اواصر تاريخية وثقافية وجذور واحدة كلها عوامل مشتركة نلمسها في عمق هذا التقارب في العادات والتقاليد واللغة وطريقة الحياة المتميزة بالصفاء والنقاوة والأصالة العربية، لم تغير هذه الصفات المتميزة بعد الشقة المكانية ولا بعد المسافة الزمنية في ارتحال أهلنا من القبائل العربية من الجزيرة العربية الى ذلك الموقع الجغرافي من وطننا العربي الكبير.وفي تاريخنا العربي المعاصر القريب، وبالتحديد مع مطلع القرن العشرين وقبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى حدثت تطورات تاريخية في كل من بلادنا وليبيا بينهما من التشابه ما كان له أثر في تبلور الشكل السياسي لكل من البلدين فيما بعد مع بعض الفوارق.فبلادنا كانت عبارة عن عدة من الإمارات المفككة والقبائل المتناثرة لا تجمعها كلمة ولا تعرف لها هدفا وتحيط بها من كل جانب قوى سياسية طامعة. فقيض الله لها منقذا يجمع كلمتها ويرسم لها هدفا ويوجه ما تملكه من قوة ذاتية خاصة على كلمة واحدة لتحقيق هدف واحد هو توحيد بلادها في كيان واحد وتسخير كل ما تملكه من قوة ذاتية في الحفاظ على هذا الهدف بدلا من تبديده في حروب وغزوات فيما بينهم. فتشكلت بذلك أول وحدة عربية كبرى عرفها التاريخ العربي الحديث والمعاصر.
أما في الشقيقة ليبيا والتي كانت في ظروفها من حيث تركيبتها السكانية القبلية وصحاريها الواسعة وواحاتها المتباعدة وهشاشة الوضع السياسي المتمثل في مدنها البحرية الكبيرة تحت إدارة عثمانية غير قادرة على فرض نفوذها على أوضاع البلاد في إدارتها الداخلية.
كما أنها غير قادرة على الحفاظ عليها من عدو إيطالي يتربص بها منذ زمن، ثم خطط للانقضاض عليها في غزو سافر في مطلع عام 1911م.
أمام هذا التحدي الأجنبي السافر ضربت القبائل العربية الليبية بخصوماتها وحروبها فيما بينها جانبا، وهي التي كثيرا ما كانت تنهك معظم إن لم يكن كل قواتهم الذاتية الخاصة وهي الشجاعة والإقدام وحب التضحية، واتجهت جميعا في صفوف واحدة متحدة متراصة للدفاع عن الأرض والعرض في شكل بطولي يعد من أنصع أنواع التضحية والبسالة التي تجلت فيها أصالة العربي إذا تعرضت أرضه وكرامته للإهانة وغدت مقاومة الشعب الليبي وجسامة تضحياته مع قلة إمكانياته ضد الغزو الإيطالي مثلا رائدا تحتذي به الشعوب الأخرى في الدفاع عن الحرية والاستقلال وقهر المعتدين.
وقع الملك عبدالعزيز يرحمه الله اتفاقية الصبيحية مع الدولة العثمانية في أواخر عام 1912م رغبة منه في توجيه الدولة لكل جهودها للدفاع عن الأرض الليبية وأعلن استعداده في برقية بعث بها الى حكومة السلطان بأنه مستعد لأن يكون جنديا في صفوف جيش الدولة للدفاع عن بلاد المسلمين التي تتعرض للعدوان ولم يكن في حينها ما هو أشد عدوانا على قطر من أقطار المسلمين مثلما كان يتعرض له الشعب الليبي والقطر الليبي من هجمة ايطالية شرسة.
كما كان الملك عبدالعزيز مع ضخامة ما كان مشغولا به من مواجهات ومن تحديات في سبيل إقامة وحدة بلاده الوطنية من أول المتبرعين بالمال مع قلةوشح مصادره لنصرة الجهاد الليبي.وباندلاع الحرب العالمية الأولى دخلت الدولة العثمانية الى جانب ألمانيا وتحل بها الهزيمة ويبقى الشعب الليبي وحيدا في الميدان لمواجهة كل جحافل إيطاليا العسكرية، ولكن ذلك لم يضعف روح الجهاد الليبي، بل زاده قوة ومتانة وإصرارا على الاستمرار مهما كانت ضخامة التضحيات.
وتتجه أنظار المجاهدين الليبين الى طلب العون والمساندة لدعم جهادهم، فإذا كل البلاد العربية قد أصبحت تحت نفوذ الدول الأوروبية التي تربطها علاقات تحالف مع إيطاليا فلم يكن هناك من يتجه لمساندة ثوار الجهاد الليبي سوى المملكة العربية السعودية، الدولة العربية المستقلة التي فتحت أبوابها لقادة الجهاد ومن أبرزهم بشير السعداوي وخالد القرقني وطارق الإفريقي وأحمد الشريف السنوسي وغيرهم، فاحتضنتهم وسهلت لهم العمل السياسي من خلال المنابر الدولية التي كانت المملكة بحكم استقلالها تشكل فيها حضورا دوليا وتمثيلا سياسيا مع كثير من الدول فكان الساسة المجاهدون الليبيون يرفعون صوت قضية بلادهم عاليا، وكانت المملكة بكل ثقلها تقف الى جانبهم وجانب قضيتهم الى ان تمكنت ليبيا من الحصول على استقلالها.
لم تكن وقفة المملكة المشرفة مع ليبيا في قضية )لكربي( إلا ا ستمرارا تاريخيا لتلك المواقف التاريخية مع الشعب الليبي منذ تعرضه للغزو الايطالي، وما قامت به المملكة وتقوم به لم تكن تنظر اليه إلا من باب واجب تفرضه عليها عقيدتها الإسلامية ومسؤولياتها القومية تجاه قضايا أمتها.
لقد سعد الوسط الثقافي والفني السعودي باستضافة الرياض للأسبوع الثقافي الليبي الذي قدم من خلال وفد متكامل من كوكبة من النخبة المثقفة الليبية صورة مشرقة وجميلة لواقع الثقافة في الشقيقة ليبيا يقودهم سفير مثقف أعطى أجمل مثل لما يجب ان يكون عليه السفير من رغبة صادقة في بناء جسور العلاقات المتينة بين الشعوب ليس من خلال بوابة أحادية هي السياسة التي كثيرا ما ترضخ للتقلبات أو المزاجيات، ولكن من خلال نوافذ متعددة أهمها نافذة الثقافة.
وقد حدثني سعادة السفير الدكتور محمد سعيد القشاط ورئيس الوفد الأستاذ عزيز ورموز الوفد في حفلة عشاء أقامتها لهم جمعية الثقافة والفنون بعد محاضرة قيمة ألقاها السفير القشاط عن التراث العربي في ليبيا بأنهم يتطلعون الى إقامة أسبوع ثقافي سعودي في ليبيا ليتعرف الشعب الليبي على الحركة الثقافية السعودية.
وما تحقيق رغبة الإخوة في ليبيا بعزيزة على القائمين على الرئاسة العامة لرعاية الشباب. لأننا نريد أن يعرف الإخوة في ليبيا ما وصلت اليه الثقافة السعودية من خطوات متقدمة.
جامعة الملك سعود عضو مجلس الشورى
|
|
|
|
|