| مقـالات
يقولون.. فلان ما يحقر نفسه.. وهم يطلقون هذا القول.. ولا يقصدون الحقران المعروف.. ولكنهم يريدون ان يصوروا.. واقع إنسان يضع نفسه في المواضيع التي هو غير مؤهل لها.. وفي كل العصور.. تجد من يزاحم ليقال عنه انه الشاعر فلان او المتكلم فلان.. أو صانع المعجزات فلان.. وفي باب الادب والفنون اللغوية نجد ان اللغة تفضح من يريد وضعها في غير موضعها الملائم لها.. وقد دخلت أحد المساجد عبر الطرق البرية التي تربط بين البلدان والقرى في بلادنا الواسعة فوجدت رجلا يصلي بالناس.. وكان لباسه نظيفاً.. وكان يقرأ.. إذا زلزلت الأرض زلزالها.. كان صوته جهورياً.. لكنه كان يعتسف السورة اعتسافاً.. فقد قرأ أواخر آياتها كلها بالكسر.. زلزالها.. اثقالها.. مالها.. اخبارها.. كانت مكسورة اللام في الثلاث الأولى.. والراء في الأخيرة.. وقد تقدم الرجل للإمامة مع ان في القوم من هو أقدر منه على ذلك.. وقد قال صلى الله عليه وسلم: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله.. فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة.. الحديث.. لكن يلاحظ في أوقات كثيرة من يركض ليؤم الناس وهو غير مؤهل لذلك فلماذا يفعل مثل هؤلاء.. ذلك.. فإذا كانوا جريئين على ما اشترط له شرط.. فما بالك بالأمور الأخرى.. وقد يتقدم احدهم في حفل عام ليقدم الحفل.. فتسمع ركاكة العبارات وتكسير اللغة، لكن هندامه جميل.. وقد يكون مر بمعظم الكريمات والعطور.. لكن مع الأسف يكون غريب اللسان.. والاحساس لدى الإنسان ليكون شيئاً يشار إليه بالبنان ويكون مولوداً معه.. وينمو بالاكتساب والمعايشة وقد سألت يوماً أحد الوجهاء.. لماذا ينشر فلان سافر وفلان رجع وفلان دخل المستشفى وفلان خرج منه.. وفلان أقام وليمة وآخر حضر الوليمة.. قلت.. كل هذه لها من التفاسير أنواع وأشكال.. لكن معظم هذه الأخبار هي نوع من المجاملات.. وأيضاً لفت النظر.. لكن المسؤول الكبير إذا ما نشرت اخباره فهذا مما ينفع ويهم الناس.. فلا ضير عليه.. وقد لاحظنا في زمننا الاخير ان الأخبار عن الشخص ليست مهمة مثلما اهتمام الشخص بنشر صورته في الجريدة.. ويحرص الشباب على المظهر المنمق الزائد عن الحد.. ويلاحظ ايضا ان بعض التابعين إذا ما علموا ان مسؤولاً كبيراً أو ثرياً سيحضر حفلاً أو وليمة فإنهم يسارعون لمرافقته.. بل يحاولون الجلوس في أماكن لا تخصهم.. كل هذا من باب حب البروز ولفت النظر.. وقد يتحدث معك أحدهم في حفل ثقافي عن الشاعر فلان أو الأديب فلان وهو لا يعرف عنه إلا اسمه.. وقد يحفظ بيتاً أو بيتين من شعره.. فعلاً.. هذا الإنسان لا يحقر نفسه.. بل يضعها في الأماكن التي لم تخلق لها.. كل ذلك بسبب العامل النفسي الداخلي الذي يزين لهذا الإنسان ان البريق واللمعان الاجتماعي ضروري من أجل تمكين القدمين في أماكن ليست معدة لهذا الإنسان.. الذي لا يحقر نفسه..
|
|
|
|
|