في الجزء الرابع من الشوقيات، وتحت عنوان الخصوصيات كتب الشاعر أحمد شوقي مجموعة من القصائد تحمل جميعها طابع البساطة وخفة الدم، وفيها الكثير من التسلية والفكاهة، في الوقت الذي تقدم فيه لقرائها جرعة معرفية، وتقوم كلها على الروح القصصية، وقد اخترت هنا ما يخص الحمار فقط، وهي خمس قصائد جاءت متفرقة على النحو التالي:
1 القصيدة الأولى تتحدث عن شبل الأسد وخطبة الحمار فيه، ويبدؤها بقوله: الشوقيات 4/137
لما دعا داعي أبي الأشبال
مبشّراً بأول الأنجال
سعت سباعُ الأرض والسماءِ
وانعقد المجلس للهناء
وصدَر المرسوم بالأمان
في الأرض للقاصي بها والداني
إننا مقدمون على حفل بمناسبة سعيدة لدى الأسد ملك الغابة، وهي ازديان عزينه بميلاد شبله الأول، وهذا يعني كثرة المهنئين من سباع الأرض والجو، الذين غصت بهم الأفناء:
خفاق بالذيول صحنُ الدار
من كل ذي صوفٍ وذي منقار
حتى إذا استكملت الجمعية
نادى منادي الليث في المعيه
هل من خطيب محسنٍ خبير
يدعو بطول العمر للأمير؟
فتقدم الفيل،ثم الثعلب، ثم القرد، وألقى كل منهم خطبة بهذه المناسبة، ثم جاء دور الحمار:
وأومأ الحمارُ بالعقيره
يريد أن يشرّف العشيره
فقال: باسم خالق الشعير
وباعثِ العصا إلى الحمير
فأزعج الصوتُ طريَّ الزند
فمات مدير عُدته في المهد
وهذا يعني أن الحمار ارتكب بصوته المنكر، جريمة لا تُغتفر، وهي موت الشبل الصغير، وكم من أصوات منكرة انطلقت من حناجر ملوّثة، فكانت سبباً في هلاك المقْبلين على الحياة، فهل يمر ما فعله هذا الحمار بسلام..
فحملَ القوم على الحمار
بجملة الأنياب والأظفار
وانتُدب الثعلبُ للتأبين
فقال في التعريض بالمسكين:
لا جعل الله له قراراً
عاش حماراً وقضى حمارا..!
2 القصيدة الثانية بعنوان: الأسد ووزيره الحمار الشوقيات 4/147 ويبدؤها بجولةٍيدور بينه وبين رعيته بشأن اختيار وزير له، فيقول:
الليثُ مَلْك القفار
وما تضمُ الصحاري
سعتْ إليه الرعايا
يوماً بكل انكسار
قالت: تعيش، وتبقى
يا دامي الأظفار
مات الوزيرُ فمن ذا
يسوس أمر الضواري؟
قال: الحمارُ وزيري
قضى بهذا اختياري
فاستضحكتْ ثم قالت:
ماذا رأى في الحمار؟
وما هي إلا فترة يسيرة، فإذا بآثار هذا الاختيار السيىء بدأت تظهر للعيان، وندم الليث على ما فعل ولات حين مندم!
لم يشعر الليث إلا
ومُلكه في دمار
القرد عند اليمين
والكلب عنداليسار
وخاطبه القرد قائلاً:
يا عالي الجاه فينا
كن عالي الأنظار
رأيُ الرعية فيكم
من رأْيكم في الحمار
3 القصيدة الثالثة بعنوان: الحمار في السفينة الشوقيات 4/167 وهي في الحقيقة مقطوعة صغيرة مكونة من ثلاثة أبيات، ولكنها تعالج فكرة عظيمة:
سقط الحمارُ من السفينة في الدجى
فبكى الرفاق لفَقْده وترحموا
حتى إذا طلع النهار أتتْ به
نحو السفينة موجةٌ تتقدّم
قالت: خذوه كما أتاني سالماً
لم أبتلعْه، لأنه لا يُهضم
4 القصيدة الرابعة بعنوان: الحمار والجمل الشوقيات 4/175 بدأها بقوله:
كان لبعضهم حمار وجَمَلْ
نالهما يوماً من الرَّق ملَلْ
فانتظرا بشائر الظلماء
وانطلقا معاً إلى البيداء
يجتليان طلعة الحريّة
وينشقان ريحها الزكية
وبعد ليلة من المسير
التفت الحمارُ للبعير
ولم يستطع الحمار تحمل جو الحرية، فعاد بعد أعذار مصطنعة إلى القيد، وأنهى شوقي قصيدته بكلمة من الجمل، ألقى بها في وجه هذا الحمار فقال:
سر والزم أخاك الوتدا
فإنما خلقت كي تقيدا
وشوقي هنا يشير إلى البيت العربي القديم:
ولا يقيم على ضيم يراد به
إلا الأذلان عير الحي، والوتد
5 هي مقطوعة بعنوان: ثعالة والحمار، بدأها بقوله:
أتى ثعالة يوماً
من الضواحي حمار
وختمها بسؤال من الحمار لخصه في بيتين:
طرحت مولاي أرضاً
فهل بذلك عار
وهل أتيت عظيماً
فقال: لا يا حمار!
6 وتحت عنوان: الغزالة والأتان يقول:
غزالة مرت على اتان
تقبل الفطيم في الأسنان
إلى أن يقول:
فأسرع الحمار نحو أمه
وجارها والضحك مل فمه
يصيح: يا أماه ماذا قددها
حتى الغزالة استخفت ابنها؟
ولشوقي تحت عنوان الخصوصيات قصائد ومقطوعات متعددة غير الحماريات، تحمل كل واحدة منها مضموناً تربوياً هادفاً، بطريقة تقرب من عمل ابن المقفع في كليلة ودمنة، غير أن هذه بالشعر، وتلك بالنثر.