لقد استرعت المعادن انتباه الإنسان منذ قديم الزمان، حيث أسهمت المعادن ولا تزال تسهم في بناء حضارة الإنسان وتطورها. كما أن تقدم الأمم ومدنيتها تقاس بما تحويه أراضيها من معادن، بالاضافة الى مدى استغلالها لهذه الخامات..
ولو رجعنا الى صفحات التاريخ البشري القديم، لوجدنا أن قدماء المصريين كانوا أول من بحثوا ونقبوا عن المعادن في الصحاري المصرية، منذ ما يزيد عن أربعة آلاف من السنين، يأتي بعد ذلك الفلاسفة الإغريق أمثال أرسطو وهيرودوت الذين اهتموا في كتاباتهم بالمعادن. وأتى بعد ذلك دور العلماء المسلمين الذين كان لهم السبق في إرساء الأسس العلمية لعلم المعادن. فما هو المعدن يا ترى؟.
ورد في لسان العرب لابن منظور: المَعدِن بكسر الدال وهو المكان الذي يثبت فيه الناس، لأن أهله يقيمون فيه، ولا يتحولون عنه شتاءً ولا صيفاً، ومعدن كل شيء من ذلك، ومعدن الذهب والفضة سمي مَعدِناً لإنبات الله فيه جوهرهما وإثباته إياه في الأرض حتى عَدَن أي ثبت فيها. وقال الليث: المَعدِن مكان كل شيء يكون فيه أصله ومبدؤه، نحو معدن الذهب والفضة والأشياء.
ويقول عوض «1406ه 1986م»: عندما نتعرض الى تعريف علمي دقيق للمعدن، فإن كلاً من الرجل العادي والجيولوجي الباحث عن المعدن، يختلفان اختلافاً بيِّناً في ذلك، فالمعدن بالنسبة للإنسان العادي هو مادة ذات قيمة اقتصادية يمكن استخراجها والحصول عليها من باطن الأرض. أما من وجهة نظر الجيولوجي فإن المعدن هو مادة طبيعية غير عضوية ذات تركيب كيماوي مميز تنتظم ذراتها في تركيب هندسي محدد. وهذا يعني ان المعدن الطبيعي يتميز بكونه متبلوراً.
ومن هذا التعريف يتبين لنا أيضاً ان لفظ المعدن ينحصر في المواد التي توجد وتتكون في الطبيعة، فمثلا الصلب والأسمنت والزجاج لا تعد من المعادن لأن الإنسان قام بتجهيزها. وكذلك الحال بالنسبة لبلورة مصنعة من الزجاج. وقد يستخدم الإنسان العادي بعض المواد الطبيعية بعد استخراجها مباشرة في أعمال البناء، وغير ذلك مثل الحجر الرملي والطيني والجرانيت والرخام وغيرها، ولكن الجيولوجي المتخصص يعد هذه المواد خليطاً وتجمعات من معادن مختلفة، ويطلق على كل منها لفظ الصخر.
وبمعنى آخر يمكن تعريف الصخر وببساطة بأنه مجموعة من المعادن تجمعت بعضها مع بعض. وفي بعض الأحيان قد يطلق على أحد المعادن صفة «الصخر» إذا وجد في الطبيعة بكميات كبيرة، مثل الملح الصخري الذي يتكون من معدن واحد وهو الهاليت «كلوريد الصوديوم».
لقد تطرق شاعرنا أبو الطيب المتنبي في شعره الى عديد من المعادن والأحجار الكريمة، مشيرا إما لقيمتها القتالية «الحربية» أو الاقتصادية، أو لاستخدامها في عملية الزينة والتجمل، أو أنه استخدمها في مدحه وذمه ووصفه وتشبيهه.
ولقد أشار شاعرنا المتنبي الى الحديد في عديد من أبيات شعره، كيف لا والمعدن هذا هو الأداة التي كانت تستخدم في المعارك المختلفة في زمن شاعرنا، فالسيف والدرع ورأس الرمح وغيرها كلها مصنوعة من الحديد.
والحديد عبارة عن عنصر كيماوي فلزي ينتمي الى المجموعة الثامنة في الجدول الدوري «جدول العناصر الكيميائية». ويعد الحديد رابع العناصر وجوداً في القشرة الأرضية، حيث تبلغ نسبته بها حوالي 5%. ومن النادر وجود الحديد نقيّاً في الطبيعة، باستثناء وجوده في حجر النيازك. وتحتاج الكائنات الحية من نبات وحيوان وإنسان وغيرها الى وجود الحديد في أجسامها، إضافة الى أنه المعدن الأساسي لعديد من الصناعات الهندسية والميكانيكية. ويتم الحصول على الحديد من أنواع معينة من المعادن مثل الهيماتيت والليمونيت والماجنتيت «خام الحديد المغناطيسي». ويمكن ان يطرق معدن الحديد بسهولة لاستخدامه في بعض الأجهزة الكهربائية. ويتحد الحديد بسهولة مع بعض المواد غير المعدنية مثل الأوكسجين، الذي يعرف في هذه الحالة على أنه صدأ الحديد. ويمكن أيضاً للحديد ان يتحد مع بعض العناصر الأخرى، ليعطي ما يسمى السبائك الحديدية. وإضافة كمية صغيرة من الكربون إليه يحوله الى فولاذ. وينصهر الحديد عند درجة 1532م درجة مئوية، ويغلي عند درجة 3000م درجة مئوية.
قال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:
1 مَن للسُيُوفِ بأن تَكُونَ سَمِيَّهُ
في أصلِهِ وفِرندِهِ وَوَفائِهِ
2 طُبِعَ الحَدِيدُ فَكَانَ مِن أجناسِه
وَعلِيٌّ المَطبُوعُ مِن آبائِهِ
يقول العكبري في شرح البيت الأول: الفرند: السيف. والخضرة التي تكون فيه.
والأصل: النجار. والوفاء: من الوفاء بالعهد وغيره. والمعنى: يقول: من يكفل للسيوف بأن تكون مثل سيف الدولة سَمِيِّها. واستعار الفرند لما كان يقع عليه اسم السيف.
ثم ذكر الفضل بينه وبين السيوف المضروبة من الحديد، واستعار «الفرند» لمكارمه ومحاسنه، لأنه أفضل من السيوف، وهو يفعل ما لا تفعله السيوف، والسيف لولا الضارب لما كان إلا حديداً. وإنك شَرَف وقمر للناس، فكيف لا تتمنى السيوف أن يكون لها مثلك سَمِيّاً؟. وهو كقوله: «تظن سيوف الهند أصلك أصلها». ويقول العكبري عن البيت الآخر: عليّ: سيف الدولة، وهو عليّ بن أبي الهيجاء بن حمدان التغلبي. والمطبوع: المصنوع. وطبعت الشيء: صنعته.والمعنى:
يقول: الحديد ينزع الى أجناسه، فإن كان جيداً فهو من جنسه الجيد، وإن كان رديئا فهو من جنسه الرديء، وهذا الممدوح «عليّ» يرجع الى أصله وشرفه وشرف آبائه ، لأنه شريف وابن شريف، فهو مُعرق في الشرف، ولا يأتي من الشريف إلا الشريف في غالب الأمر. فالحديد مطبوع من أجناس الحديد كالفولاذ وغيره، وهذا الممدوح إنما هو من جنس واحد، جنس طيب شريف، فهو لا نسبة بينه وبين السيوف إلا في الاسمية، لا في الفعل ولا في الخلق ولا في المضاء.
لقد بين أبو الطيب في بيته الأول، فضل سيف الدولة على السيوف المصنوعة من الحديد، حتى ولو كانت من حديد نقي، ولذلك فهي تفخر لأنها مشاركة لسيف الدولة بالاسم لعظم شأنه. أما في البيت الآخر فوضح شاعرنا المتنبي أن هناك أنواعاً وأجناساً مختلفة ومتعددة للحديد منها الجيد والرديء. وهذا حقيقة علمية تطرقنا إليها.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها مساور بن محمد الرومي:
جَمَدَت نُفُوسُهُمُ فَلَمَّا جِئتَها
أجّرَيتَها وسقَيتَها الفُولاذَا
يقول العكبري في شرح هذا البيت: الفولاذ: جنس من الحديد، وهو الجيد منه، وهو مصنوع من الحديد، ويقال فيه بالفاء والياء، والفاء أفصح. والمعنى: قال الواحدي: في «جمدت» أقوال: أحدها: أنها جمدت خوفاً منك «من مساور»، والخوف يجمد الدم «؟». وقال أبو الفتح: قست قلوبهم وصبروا «أعداء الممدوح» ، وتشجعوا واشتدوا، كالشيء الجامد، وأجريتها: أسلتها على الحديد، فصارت بمنزلة الماء الذي يُسقَى الحديد.
لقد فرق أبو الطيب في بيته هذا بين الفولاذ والأنواع الأخرى من الحديد، وبيّن أن الفولاذ جنس من الحديد ولكنه أفضلها، وهو المستخدم في عمل السيوف الحادة.
وقد بيّنا فيما سبق أن الفولاذ عبارة عن حديد مضاف إليه كمية صغيرة من الكربون.
وقال الشاعر في قصيدة، وقد عرض على سيف الدولة سيوف مذهبة وفيها شيء غير مذهب فأمر بتذهيبها:
1 أحسَنُ ما يُخضَبُ الحَدِيدُ بِهِ
وخاضِبِيهِ النَّجيعُ والغَضَبُ
2 فَلا تَشِنَنهُ بالنُّضَارِ فَما
يَجتَمِعُ المَاءُ فِيهِ والذَّهَبُ
يقول العكبري في شرح البيت الأول: أراد المتنبي أحسن خضاب الحديد خضاب الدم، وأحوال خاضبيه الغضب.
ويقول العكبري عن البيت الآخر: النضار: الذهب، وقيل: الخالص من كل شيء. والمعنى: لا تشنه بالإذهاب، فإنه إذا أذهب ذهبت سقايته، وهي ماؤه.
لقد بيّن الشاعر في بيته الأول أن الحديد «السيوف» هو المعدن المناسب في القتال لما يتميز به من خواص، أما في بيته الآخر فقد أشار الى سهولة اتحاد الحديد مع بعض المعادن والعناصر الأخرى، لذلك طلب من أميره سيف الدولة ألا يشين سيوفه بالإذهاب «طليها بالذهب»، لأنها تحتاج الى الخضاب بالدم، وأحوال حامليها الغضب أثناء مقارعة الأعداء.
وقال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:
وَ لَو كُنتُ سَمَّيتَهُم باسمِهِ
لَكَانَ الحَدِيدَ وكانُوا الخَشَب
يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: يريد هو سيف الدولة، فلو سميتهم سيوفاً لكان هو سيفاً من الحديد، وكانوا «غير سيف الدولة من الملوك» هم من الخشب، والمعنى أن مدحي له حقيقة، ومدحي لهم مجاز.
لقد استخدم أبو الطيب في بيته هذا معدن الحديد ليمدح به، ويصف به سيف الدولة مقارنة بغيره من ملوك عصره الذين كانوا كالسيوف من الخشب، ونحن نعرف ان هناك فروقاً بيّنة بين الحديد والخشب.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها كافوراً:
وأكثَرُ ما تَلقَى أبا المِسكِ بِذلَةً
إذَا لَم تَصُن إلاَّ الحَدِيدَ ثِيابُ
يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى:
قال أبو الفتح: إذا لبست الأبطال الثياب فوق الحديد خشية واستظهارا، فذلك الوقت أشد ما يكون تبذلاً للطعن، فجعل الثياب تصون الحديد، فرد عليه العروضي وقال:
أظن أبا الفتح يقول قبل أن يتدبر، وإنما المتنبي جعل الصون للحديد لا للثياب. يريد: إذا لم يصن الأبدان ثياب إلا الحديد، يعني الدروع، وإنما يريد النفي، لأنه المستثنى منه. ومعنى البيت:
أكثر ما يلقى هذا الممدوح في الحرب باذلاً نفسه لم يحصنها بدرع، كما تفعل الأبطال، وذلك لشجاعته وإقدامه، فهو لا يتوقى الحرب بالدروع.وقال المتنبي في قصيدة قالها في صباه:
2مَفرَشِي صَهوَةُ الحِصانِ وَ لَ
كِن قَمِيصِي مَسرُودَةٌ من حَدِيدِ
يقول العكبري عن هذا البيت: المفرش: موضع الفراش. والصهوة: مقعد الفارس من ظهر الفرس. والحصان: الفرس الفحل. والمسرودة: المنسوجة من الحديد، وهي الدروع. والمعنى يقول: أنا بهذه القرية «دار نخلة» على هذه الحال، لا أفارق ظهر فرسي. يريد أني شجاع لا أفارق ظهر الفرس، وملبوسي الدروع. وقال ابن جني: أنا بهذه القرية على هذه الحال: تأهباً وتيقظاَ.
لقد بيّن الشاعر في بيتيه السابقين أن الدروع تصنع وتعمل من الحديد، وهي مصنوعة للحماية والوقاية من الحديد «السيوف» نفسه، وهذا ما سيبينه في بيته التالي:
وقال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها عليّ بن صالح الكاتب:
ولِقَطعِيَ بِكَ الحَديدَ عَلَيها
فَكِلانا لِجِنسِهِ اليَومَ غَازِي
يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: يقول: لم أحملك «يقصد سيفه» إلا لقطعي بك الدروع والمغافر، فأنا أغزو جنسي من الناس وأنت تغزو جنسك من الحديد، فكلانا يغزو جنسه.
لقد وضح أبو الطيب في بيته هذا أنه لم يحمل سيفه وهو مصنوع من الحديد إلا ليقطع ويمزق به الدروع والمغافر المعمولة من الحديد ليصل سيفه الى أحشاء غريمه.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها كافوراً:
يُريدُ بِكَ الحُسَّادُ مااللّهُ دَافعٌ
وَسُمرُ العَوَالي والحَديدُ المُذَرَّبُ
يقول العكبري عن هذا البيت: المذرب: المحدد. والذرب: الحاد من كل شيء. ولسان ذرب وفيه ذرابة: أي حدة. وسيف ذرب. وامرأة ذربة: صخَّابة. والمعنى: يريد: أن الحساد لا ينالون منك ما يطلبونه، فإن اللّه يدفع ما يريدونه والسيوف والرماح.
لقد بيّن المتنبي في بيته هذا أن الحديد سهل الصقل والشحذ والتذريب، ونحن نعرف أن أغلب الأشياء الحادة مصنوعة من الحديد.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها بدر بن عمار:
1 قَتَلتَ نُفُوس العِدَا بِالحَدِيدِ حَتى قَتَلتَ بِهِنَّ الحَدِيدَا
يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: يقول: ما زلت «يقصد بدر بن عمار» تقتل الناس بالحديد، حتى قتلت بهم الحديد، أي كسرته وثلمته.
وقال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:
2 أَلَم يَسأل الوَبلُ الذِّي رَامَ ثَنيَنَا
فَيُخبِرَهُُ عَنكَ الحَديدُ المُثَلَّمُ
يقول العكبري عن هذا البيت: الوبل: أشد المطر. والمعنى: يقول:
هلا سأل المطر الذي قصد أن يصرفنا عن وجهنا بسكبه، واعترضنا في طريقنا بسيله، كاشفاً عن أمر سيف الدولة، ومستفهما عن حاله، فيخبره الحديد الذي ثلمته وقائعه، وكسرته بالجلادة كتائبه، فيعلمه بأنه لا ترد عزائمه، ولا تواجه بالاعتراض مطالبه، وهو ممن لا يثنى بالحديد، فكيف بالمطر.
لقد أشار أبو الطيب في بيتيه السابقين الى تثلم وتكسر الحديد وخصوصاً ما عمل منه للضرب والقطع، فالسيوف إذا كثر استخدامها تثلمت وتكسرت إذا لم تصقل وتذرب.وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها عبد الرحمن بن المبارك الأنطاكي:
واستَعارَ الحَديدُ لَوناً وألقَى
لَونَهُ في ذَوَائِبِ الأطفالِ
يقول العكبري في شرح هذا البيت: الذوائب: جمع ذؤابة، وهي شعر الرأس.والمعنى: يقول: ان السيوف والرماح توصف بالبياض، فلما باشرت القتل اكتست الدم، ولم يكن عليها فصارت سوداء، فكأنها استعارت لوناً غير ألوانها، وألقت ألوانها، وهي البياض في ذوائب الأطفال، لأنهم يشيبون من شدة ما ينالهم من الفزع.
لقد وضح أبو الطيب في بيته هذا الى تغير لون الحديد عندما يلامس بعض المواد.
والمعروف علمياً ان الحديد النقي يتغير لونه بتفاعله مع الماء وغيره لتكون أكسيد الحديد الأسود، وبمرور الزمن يتآكل ويتفتت ، وتضعف قوتعه وصلابته وقيمته.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها فاتكاً:
القاتِلُ السَّيفَ في جِسمِ القَتِيل به
وللسُّيُوفِ كَما لِلنّاسِ آجالُ
يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: يقول: لجودة ضربه يقتل المقتول، وما يقتله به، وهو السيف. يريد: أنه يكسره في جسمه، فجعل ذلك قتلاً للسيف، وجعل للسيوف آجالاً كالناس وغيرهم.
لقد بيّن شاعرنا المتنبي في بيته هذا أن للسيوف وهي من الحديد آجالاً كما للناس وغيرهم. وهذا الكلام حقيقة أشرنا إليها.
وقال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:
1 فَلَمَّا دَنا أخفَى عَلَيهِ مكانَهُ
شُعَاعُ الحَديدِ البَارِقِ المُتَأَلِّقِ
يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: يقول: لمعان الحديد أخفى عليه طريقه «يقصد رسول ملك الروم الى سيف الدولة»، وأغشى عليه بصره، حتى لم يبصر طريقه، لشدة لمعان الحديد في عسكر سيف الدولة، والضمير في مكانه للرسول.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:
2 سَحَائِبُ يُمطِرنَ الحَديدَ عَلَيهِمُ
فَكُلُّ مكانٍ بالسُّيُوفِ غَسِيلُ
يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى:
جعل خيله «خيل سيف الدولة» كالسحائب ، لما فيها من بريق الأسلحة، وأصوات الفرسان، وجعل مطرها الحديد، لأنها تنصبُّ عليهم بالسيوف والأسنة، ولما جعل الحديد مطراً جعل المكان الذي يقع به مغسولاً به.
لقد أشار الشاعر في بيتيه السابقين الى لمعان الحديد خصوصاً إذا كان مصقولاً صقلاً جيداً ومن نوعية جيدة، وهذا ما كانت عليه سيوف عسكر سيف الدولة.
وقد شبه أبو الطيب في بيته الثاني لمعان الحديد في ضوء الشمس بلمعان البرق في السحاب حيث شبه خيل سيف الدولة بالسحائب لما فيها من لمعان الحديد، ورعدها بأصوات الفرسان، وجعل مطرها الحديد.
وقال الشاعر في قصيدة يعزّي بها سيف الدولة بأخته الصغرى:
أينَ ذِي الرّقَّةِ التي لَكَ في الحَر
بِ إذَا استُكرِهَ الحَديدُ وصَلاّ
يقول العكبري في شرح هذا البيت: صل الحديد يصلُّ: إذا صوت. والصليل: امتداد الصوت. وصلصلة اللجام: صوته، ويريد: إذا استكره ضرب الحديد. والمعنى: يقول: أين هذه الرقة التي نشهدها، والشفقة التي نبصرها منك عند تقلدك الحرب، واقتحامك في شدائدها، ونفاذك في مضايقها، حين يستكره الحديد في رؤوس الرجال، ويكثر صليله بتجالد الأبطال.
لقد أشار الشاعر في بيته هذا الى صوت الحديد، والمعروف لنا أن للأشياء نغمات صوتية معينة ومحددة.
وقال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها عليّ بن منصور الحاجب:
وَعَجَاجَةً تَرَكَ الحَديدُ سَوَادَها
زَنجاً تَبَسَّمَ أو قَذَالاً شائِبا
يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: يريد أن البريق في سواد العجاجة، كأسنان جماعة زنج تبسمت ، فبدت أسنانها، أو كشيب القذال، وهو ما اكتنف فأس القفا من يمين وشمال.
لقد شبه أبو الطيب في بيته هذا بريق ولمعان الحديد «السيوف» في سواد العجاجة «الغبار» بأسنان جماعة زنج تبسمت أو لمعان الشيب في الشعر الأسود.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:
1 وأنَّ رماحَ الخَطِّ عَنهُ قَصِيرَةٌ
وأَنَّ حَديدَ الهِندِ عَنهُ كَلِيلُ
يقول العكبري عن هذا البيت: الخط: موضع باليمامة، وهو خط هَجَر، تنسب إليه الرماح الخطيّة. والكليل الذي لا يقطع. والمعنى:
علموا ان الرماح لا تصل إليه «لا تصل الى سيف الدولة»،
وان السيوف تكل عنه، إما لأنها تندفع دونه لعزته ومنعته، وإما لأن هيبته تمنع الضارب والطاعن، وهذا إشارة الى إحجام الضاربين والطاعنين، واعتصامهم بالفرار منه.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:
2 وَمَلَّ القَنَا مِمَّا تَدُقُّ صُدُورَهُ
وَمَلَّ حَديدُ الهِندِ مِمَّا تُلاطِمُه
يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: قال الواحدي: ملت رماح الأعداء من دقك أعاليها، وملت سيوفك من ملاطمتك إياها، والملاطمة: المقاتلة بالترس والمجنّ.
لقد أشار شاعرنا المتنبي في بيتيه السابقين الى الأماكن التي كانت تصنع وعمل وتجلب منها الرماح والحديد والسيوف.