عيل صبري وغالبتني الدموعُ
أتراني لحبسها أستطيعُ
قد تماسكتُ أول الأمر لكن
خانني في الثبات قلب هلوع
فاستهلت مدامعى هامياتٍ
وتحاشيت أن يراها الجميع
كنت فيما مضى أقول لغيري
كفكف الدمع ليس تجدي الدموع
وأنا اليوم ما استطعت اصطبارا
كيف يقوى على اصطبار جزوع
صعق الناس والمشاعر جاشت
إذ تلا النعيَ في المساء المذيع
كل قلب تفجر الحزن فيه
وتغشّى النفوسَ همٌّ ذريع
عظُم الخطب والمصاب كبير
ولهذا فقد بكته الجموع
العذارى بكت وطال بكاها
وبكى الشيخ والفتى والرضيع
وبكى الجامع الكبير وأَذرَى
دمعة الحزن سُجَّدٌ ورَكوع
ولدى المسجد الحرام تعالت
دعواتٌ حرَّى اعتراها الخشوع
تسأل الله أن يمنَّ عليه
برضاه فهو اللطيف البديع
كلنا صائر إلى الموت حتما
وإلى الله بعد هذا الرجوع
هذه سنة الإله تعالى
كلنا سامع لها ومطيع
غيرأنَّا في ساعة الضعف ننسى
وانهمار الدموع جدا سريع
يا فقيدا لك المحاجر فاضت
كلَّ يوم تبكى عليك الربوع
لك في كل بقعة من بلادي
خالص الحب والمقام الرفيع
يا سميَّ النبي جاهدت في الله
جهادا ثوابه لا يضيع
ياوريث النبي علماً وتقوى
أنت سدٌّ عن الضلال منيع
لك في الحق موقف لا يداجي
لم يَشُبهُ تزلُّفٌ أو خضوع
ماتركتَ الجهاد والبذل حتى
جاءك الحق واجتباك السميع
تهجر النوم للعبادة ليلاً
حين يمضى من الظلام هزيع
في صلاة وفي تلاوة آيٍ
بينات والعالمون هجوع
فيك وصل للأقرباء عجيب
يتأسَّى بما فعلتَ القطوع
تصل المعوزين سرّاً بليل
ولما قد فعلت لست تذيع
تطلب الأجر من إله كريم
يوم لاخُلّةٌ وليس شفيع
طلبُ العلم منذ كنت صغيرا
لك فيه تعلق وولوع
وبك اللطف والسماحة طبع
وعلى اللطف حثنا التشريع
كم عُصاةٍ نصحتهم فأنابوا
واتقى الله للغواني صريع
كم فتى طلّق الدخان ثلاثا
وتخلّى عن بيعه من يبيع
إذ دعوت الله فمنّ عليهم
بهداه وهو المجيب السميع
با ابن سعدي تلميذك البرُّ وفَّى
وأتانا بكل ما يستطيع
كل حلم قد كنت تهفو إليه
حُقِّقَ الحلمُ جُلُّه أو جميع
والبذور التي بذرت سقاها
فتنامت على يديه الزروع
حلق العلم بعدكم قد رعاها
جاريات كأنها الينبوع
يشرب الظامئون للعلم منها
فإليها ورودهم والشروع
قد أتاه الطلاب من كل فجٍّ
مسكن جاهز وروض مريع
فارتووا من معينه ورعاهم
يغرس الود بينهم ويشيع
وحديثو الإسلام يلقون عطفاً
واعتناء فنعم هذا الصنيع
فأفادوا بلادهم حين عادوا
وأناروا كما تنير الشموع
نشروا الدين صافياً سلفياً
ليس فيه خرافة أو صدوع
ولهم فيه قدوة في خلاق
أسر المقتدي به ويروع
هو حَبرٌ وزاهد وتقيٌّ
مقتداه ابن حنبل ووكيع
وابن سعدي أستاذه وابن باز
قد غشاهم من نورطه سطوع
فهمه النص حين يستنبط الحكم
عجيب فالشيخ جدا ضليع
وهو حقا في كل أمر دقيق
وله في النقاش صدر وسيع
يطلب الحق لا يريد سواه
ما له عن طلاب حق نزوع
سنَّ للآمرين بالعرف نهجا
ليس فيه تجبر أو خنوع
وعلى الوقت ليس أحرص منه
تنظيم وقته لبديع
حلقة الدرس أينما سار سارت
مستَغَلا ذهابه والرجوع
ترك الشيخ ثروة في علوم الدين
خُطَّت وبعضها مطبوع
وكثير مما ورثناه عنه
من علوم مسجَّل مسموع
رحم الله شيخنا وجزاه
فهو روض منه العبير يضوع
طاب أصلا ومنبتا وثمارا
نسأل الله أن تطيب الفروع
ليس يرضى الإطراء لو كان حيّاًّ
غير أناّ للصمت لا نستطيع