| الاخيــرة
إلى ما قبل عشر سنوات بل إلى ما قبل خمس سنوات بل ربما إلى ما قبل سنتين، كنا إذا تطلعنا إلى أرفف المكتبات التجارية وفهارس مكتبات دور العلم نشعر بالغبطة والغبن معاً. نشعر بالغبطة لأن نرى تلك المكتبات عامرة بالإصدارات الدورية العلمية والأدبية في شتى مجالات المعرفة المتخصصة ومن شتى بقاع العالم بما فيها الوطن العربي ومنه دول الخليج. إذ يكاد بلد واحد من البلاد العربية بمنطقة الخليج كالكويت مثلاً أن تنفرد - ما شاء الله - بنصيب الأسد في اصدار تلك الدوريات المتخصصة المهتمة بالقضايا الحيوية المعاصرة والتاريخية.
فمن الدوريات الصادرة عن العديد من كليات الجامعة إلى الدوريات المختصة الصادرة عن مختلف الهيئات الثقافية والأدبية والعلمية من المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني.
ونشعر بالغبن أن بلداً ودولة بحجم المملكة تعداداً سكانياً وتنوعاً ثقافياً وجغرافياً، وبرغم دور «الأخ الأكبر» الذي اعطته لها معطيات تاريخية معينة لا يوجد لها في المكتبات حضور معرفي يعادل حجمها الجغرافي والثقافي على المستويين العربي والخليجي ناهيك عن المستوى العالمي.
وكان كل ما هنالك بعض الاصدارات الوجلة الخجولة التي لا تروي العطش المعرفي لأهل الداخل والخارج. وإذا كان يحمد لمجلة مثل مجلة «المنهل» ريادتها وصمودها واستمرارها فإنها وحدها لم تكن تكفي لتعبّر عن الواقع التعودي والتخصصي المتنامي في المجتمع على المستويين الأدبي والفكري.. كما أن بعض الدوريات الأخرى كدورية كلية الآداب بهذه الجامعة أو تلك ظل تداولها حكراً داخل تلك الجامعات وزاد في عزلتها سمعتها الذائعة الصيت كدوريات مختصة ببحوث الترقيات. غير أننا في الأعوام الأخيرة بدأنا نلحظ وبإلحاح من المخلصين من أبناء وبنات هذا الوطن تغيراً في مثل هذا الاتجاه المتحفظ بالنسبة للإصدارات الدورية وبدأت بالفعل بوادر مبشرة في اتجاه الاهتمام بإيجاد دوريات متخصصة تصدر إما عن هيئات رسمية كبعض مجلات النوادي الأدبية/ قوافل، علامات، بيادر، أو عن المهتمين بالشأن الثقافي والأدبي كمجلة النص الجديد.
وما أثار في نفسي هذا الشجن المعرفي وقد بدأت أشجار المعرفة تغسل ما لحق بأبناء الصحراء من وعثاء العزلة ردحاً من الزمن هو الإصدار الجاد والجيد لدورية العدل وهي المجلة الفصلية العلمية التي تعنى بشؤون الفقه والقضاء وتصدر عن وزارة العدل بالمملكة فلقد تابعت متابعة متلهف كلف بمثل هذا المجال من مجالات حياتنا الاجتماعية والثقافية وهو مجال الفقه والقضاء هذه الدورية في عامها الاول ووجدت في مجمل ما طرح عبر هذه الدورية من قضايا وبحوث وأسئلة تهم الباحث المختص بقدر ما تهم القارئ عامة، ما يجعلنا نتفاءل بأن هذا المجال اللصيق بحياة المواطنين من مجالات المعرفة أي مجال الفقه والقضاء سيفقد أخيراً عزلته النخبوية التي فرضت عليه في مراحل تاريخية أخذت في الابتعاد عندما كان التعليم محدوداً وفرصه محدودة على عدد قليل من القوم، ليكون هذا المجال المعرفي الهام ميسراً في متناول الفهم والتداول من قبل الجميع.
ففي العدد الثالث مثلاً جاء في الحوار مع فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام الذي كان رئيساً من جوانب المسائل والمعاملات القضائية بالمملكة لمحكمة التمييز بمكة المكرمة ما أضاء جانباً يزيل الجهل العام بهذا المجال الذي نحن أحوج ما نكون للوعي به.
إننا نطمح في دورية العدل أن تكون عونا لنا نساءً ورجالاً في إزالة أميتنا الفقهية والقضائية والحقوقية. وذلك بتناولها للقضايا الفقهية ذات المساس المباشر بحياة المرأة والرجل والأسرة وتقريبها منهم.
وكما أننا نطمح أن تشهد هذه الدورية مساهمة النساء البحثية والعلمية في هذا المجال الحيوي من مجالات المعرفة الذي لم يكن يوماً حكراً على الرجال وان قلّت مساهمة المرأة فيه. وذلك أن هناك مجالات من مجالات البحث الفقهي تحتاج بوجه خاص إلى حضور واجتهاد النساء.
هذا بالإضافة إلى الطموح في هذه الدورية أن تساهم في مراجعة وفتح باب الاجتهاد المختص وخاصة في مجال فقه المعاملات لئلا تكون هناك فجوة فقهية بين المعرفة وبين الواقع المعاش. وإننا لنرجو أخيراً أن تنتقل عدوى الدوريات الجادة إلى جميع مجالات التخصص.. ليكون لنا حضور معرفي يساهم في صياغة المشهد الثقافي والفكري في عالمنا المعاصر.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
|
|
|
|
|