أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 15th February,2001 العدد:10367الطبعةالاولـي الخميس 21 ,ذو القعدة 1421

محليــات

لما هو آتٍ
د. خيرية إبراهيم السقاف
صندوق المحطات )3(
أيتها الصديقة... الفارهة...
أنتِ تعيشين اللحظات داخل صندوق الحزن...، تنكفئين على جراحكِ...، تحفرين بكلِّ سُلامة فيكِ تربة ذاكرتكِ...، تُشرعين أجنحة خيالكِ...، تذهبين إلى أبعد من مساحة صندوقكِ...، إلى آماد هذه الذاكرة... تهمي إليكِ بكلِّ قطرةٍ نديّةٍ، ترطّب مجال الرؤية لكلّ منافذكِ...
أنتِ اللحظة...
تختلط دموعكِ... بجراحكِ...، ببكائكِ...، بصوتكِ...، بحسِّكِ...، بنبضكِ...، بكلِّ وخْزٍ في جوفكِ...، بكلّ ألمِ في رأسكِ...، بكلِّ أنينٍ يصدر عن جسدكِ...، بكلِّ شجنكِ...،
أنتِ سيّدة الألم، في منتهى الألم...
أنتِ تبكين الفقد...
لكنكِ تتسامين إلى مناف الحسِّ...
أنتِ أيضاً اللحظة سيدة الإحساس...
داخل صندوقكِ...، وفي مطلق آمادكِ...، أنتِ اللحظة تخرجين مطهَّرةً...، معطَّرةً...، مبخَّرةً...،
أتدرين لماذا؟
لأنَّكِ تسامقتِ الذُّرا في حزنكِ تحسبين أنَِّكِ هبطْتِّ إلى الثَّرى...
وتعاليتِ على الفقد في أرقى صور الاكتساب...،
ونهضْتِ وقوفاً... في أجمل بهائيات الرُّكون...
يا أنتِ...
هذه ليستِ محطَّتُكِ الأخيرة...
أنتِ لستِ الوحيدة التي تحزنين...، ولم أقل لكِ حزنتِ...
ذلك لأنَّ حزن الماضي قد طرَّزتِ له درباً بفرح الذي أتى، وسيأتي...
و... ذلك لأنَّ بكاء الذي مضى... قد زخْرفْتِ له طريقاً ببهاء الذي يكون...
حتى الوقار في حزنكِ... وقارٌ في فرحكِ...
وحتى الصندوق الذي دعستِ إليه فوق هوَّات من الشوك والجمر...، لم يكن سجنكِ في متاهات التيه...، بل أصبح منطلقكِ إلى أرباح الاقتناء...
أنتِ سيدة الاقتناء...
ألا ترين كم من العيون حولكِ... وكم من القلوب لكِ... وكم من مباهج الفرح من حولكِ؟
أيَّتها الصديقة... الناهضة...
أدري أنكِ عرفتِني ضمن ركّاب قافلة محطَّتكِ...
لكنَّني أدري أنني عرفتكِ منذ عرفتُ نفسي... عند أوَّل مواجهةٍ لكلِّ الحواسّ فيَّ...
وإني أؤمن بتلاحم النفوس عند بؤر النور...، والطهر...، والبياض... والأصوات... ولأنكِ التقيتِني هناك...، فلقد وجدتُ مفتاح الطريق إليكِ ، هو قطرة النور، وقطعة الطهر...، وذرة البياض... وأنتِ تقفين على مشارف الطريق... تعتزمين الرحيل..
لا.. لا ترحلي فإني قد عقدتُ العزم أن أدسَّ نفسي داخل صندوقكِ...
ألم أقل لكِ... إنكِ مقبلةٌ لا مدبرةٌ على الفقد؟!
كلُّنا فاقدون...
أتدرين لماذا؟ لأنّنا لا نمارس الحياة الأبديَّة... إنَّنا لا نملكُ من أنفسنا، ما هو لها، وما هو ليس لها... كي نمنحها...
أنتِ سيّدة الحزن... والصمت...
إذن أنتِ سيّدة الفوز والأخذ...
وأنتِ تمنحين نفسكِ جواز الرحيل في مدى الخيال...
إذن فأنتِ سيّدة المدن ومفاتيح الأبواب...
بالله كيف لا تعرفين أنكِ كذلك؟!..
أيَّتها الصديقة... في دروب الهدى...
زيدي حزنكِ فتيلاً ولا تبكي...،
وزيدي بكاءكِ دموعاً ولا تحزني...،
وزيدي ضحككِ صمتاً ولا تبتسمي...،
وزيدي بسمتكِ ضحكاً ولا تصمتي...،
هاتِ منكِ ما ليس لكِ...،
وخذي لها ما هو لها...،
آتستطيعين أن تفصلي بين الحدِّ الأبيض والأبيض؟!
أم بين الأسود والأسود؟!
ما عليكِ إلا النهوض من داخل صندوقكِ إلى حيث أنتِ...، وإلى ما تكونين...
كي تبتهج الآماد... ومشارف النور... وبؤر السرور... وذلك الذي لا ينتهي.
وسأظلُّ لكِ...
وسأظلُّ بجانبكِ...
وسأظلُّ... كذلكِ..
أنت.. هنَّ.. وإني... وإننا... نحن...

أعلـىالصفحةرجوع













[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved