| عزيزتـي الجزيرة
في صباح من صباحات هذا الوطن الجميل,, وبينم كنت متجهة إلى مقر عملي الذي اجد فيه ذاتي، أبحث كما يبحث غيري عن الارتقاء والسمو، في تلك اللحظات الصباحية التي يكون فيها الجميع اما متجها لمقر عمله أو لمدرسته، أو لتجارته، طلبا للرزق، يبحث الجميع عما يبعث في نفسه في تلك اللحظات التفاؤل والاشراق ودواعي النشاط وكل ما يبعث فيك حرارة تستحثها لتستطيع بها اكمال يومك الحافل بالعمل والجهد, في غضون كل هذه التداعيات تشهد منطقة الرياض وباقي مناطق مملكتنا الحبيبة موجة برد قارصة لم تشهدها منطقة الرياض منذ اعوام,, وأنا هنا لست بصدد وصف حالة الجو لهذه الايام التي نعيشها ولكن ما أريد الحديث عنه، ذلك الموقف الذي استدعى انتباهي وشدني واستوقفني عدة لحظات كنت اتأمل فيها قسمات تلك الوجوه البريئة لاطفال في عمر الزهور لم تتعد اعمارهم العشرة اعوام، تلك الطفولة البريئة المعذبة التي اغتالتها قسوة هذا الزمن، هل هو استغلال الانسان لاخيه الانسان؟ وأي استغلال ابشع وأفظع من ذلك الموقف المحزن الذي يتكرر مرات ومرات امام أعيننا، هؤلاء الاطفال الذين لم يكونوا ذاهبين إلى مدارسهم,, بل كانوا يتداولون مهنة التسول، أو كسب عيشهم,, حسب ظروفهم تراهم في شدة البرد وزمهريره حافين الاقدام,, عارية اجسادهم فمن يحميهم من هذا البرد القارص؟, تلك الملامح الطفولية البريئة التي ارتسمت عليها كل معالم وملامح البؤس والشقاء,, ولا أخفي على القارئ الكريم فقد كان احد الاطفال في سن احد اخوني الصغار,, وفي مثل شكل جسمه وأعتقد ان ذلك الطفل لو كان يدرس لكان في نفس الصف الذي يدرس فيه أخي تصوري في ذلك الطفل أخي الذي في مثل عمره,, أحسست بألم يعتصر قلبي وحمدت الله وشكرته على ما نحن فيه من نعم نرجو من الله ان يديمها علينا,, في تلك اللحظات يتبادر لذهن اي متأمل في هؤلاء الاطفال عدة احتمالت وأسئلة تطرح نفسها وتبحث عن اجابة,, فمن هم في مثل سن هؤلاء الاطفال اين مكانهم الآن؟ ألا يدرسون حتى يتعلموا!! وأحد الأطفال في حال لا تؤهله للدخول للمدرسة لحب فيه انما لصغر سنه فهو لم يتجاوز الخامسة من عمره,, ومن هو في مثل سنه ينعم بالدفء والحنان في ذلك الفراش الوثير في حضن الأم الحاني، هربا من لسعات البرد القارصة.
ولكن على العكس تماما وجدت هؤلاء الاطفال صامدين,, لم يأبهوا بشدة البرد ونجدهم عارية أجسامهم حتى يستدروا عطف من حولهم,, بعد كل هذا يحتدم الصراع داخل جنبات نفسك هل تعطيه مالا أم لا؟ ستعطيه المال لانه يستحق العطف والشفقة,, وعندما نفكر قليلا تجد ان هذا الطفل ما هو إلا اداة يوصل بها إلى هدف مادي وهناك من هو وراءه سواء كان عصابة تدرب هؤلاء والاطفال على التسول واستدرار عاطفة الناس، أو الوالدين الذي يحثونهم على طلب الرزق بهذه الطريقة,, أما السؤال الذي يطرح نفسه هو من المسؤول عن كل هذا؟ من هو المسؤول عن هؤلاء الابرياء الذين يسكنون الطرقات، ويتعرضون للاخطار مقابل حفنة من المال,, التي يبخل بها في بعض الاحيان تستتر وراء ان يكونوا متسولين ولا يحق لنا ان نساهم في زيادة انتشاره وتشجيعه على القيام بمثل هذا الفعل الشنيع!! أين انت يا مكافحة التسول من كل هذا؟ وما هو دورك في مكافحة مثل هذه الظاهرة ومحاولة القضاء عليها والحد من انتشارها؟!
أين أنت من استقلال مثل هؤلاء الاطفال الابرياء الذين لا حول لهم ولا قوة,, ولا ذنب لهم سوى أنهم سقطوا ضحايا لأناس نزعت من قلوبهم الرحمة,, أو تلك الظروف القاسية التي اجبرتهم على مثل هذه الحياة الصعبة والمؤملة.
وأكرر ان مثل هؤلاء الاطفال ومن هم في سنهم يحظون بكل انواع الرعاية والحنان والاهتمام,, ولكن أين هم مما ينتشلهم من بؤر الضياع والشقاء حتى لا يتحولوا في يوم من الايام اناسا يحملون في دواخلهم عددا من العقد النفسية التي ما كانت الا نتاجا لما قاسوه وعانوه في طفولتهم المعذبة,, أعود للبدء من معاقبة المسؤول عن استغلال هؤلاء الاطفال,, فإن كان الوالدين لابد لهم من عقاب يوضع لهم جراء ما ارتكبوا وما اقدموا عليه تجاه هؤلاء الاطفال وان كانوا عصابات تدربهم وكما سمعنا ان هناك عصابات تشوه ملامح بعض الاطفال حتى يكون التأثير على نفس المتلقين اكبر هؤلاء يستحقون معاقبة شديدة كل ما اقوله للجهات المختصة اقدر واحكم وتستطيع الحكم عليهم بما هو مناسب,, إذن ما هو المطلوب من إدارةمكافحة التسول؟ ما هو دور المؤسسات الخيرية الايوائية في مثل هذه الحالات؟ ما هو دور مؤسسات التأهيل العملي والعلمي لتأهيل من هم في مثل هذه الظروف؟
يأتي دور مكافحة التسول الذي يأتي قبل اي دور يقوم به المواطن,, أيضا تقع المسؤولية على عاتق الجمعيات الخيرية التي يجب عليها ان تساهم في ايجاد الحلول لمثل هؤلاء الاطفال، ومحاولة توفير العيش الكريم لهم,, وليس مستغربا على وطن ينظر بكل معاني التعاون والتكافل الذي تظهر ملامحه في كل اوجه النشاطات الخيرية التي تحتضن مثل هذه المشاريع الايوائية التي يبدو لزاما عليها ان تهتم بهذه الفئة من المجتمع، وكلنا أمل ورجاء ان لا يتكرر مثل هذا الموقف الذي يتكرر لالف مرة في اليوم، وان نرى صباحات أخرى أجمل وأزهى من تلك الصور البائسة، التي تفسد عليك جمال صباحك وبهجة يومك.
حنين الغامدي
الرياض
|
|
|
|
|