| الاقتصادية
لقد عاشت المملكة العربية السعودية خلال العقود الثلاثة الماضية نقلة حضارية ونوعية متميزة صاحبها تطور ونمو شامل لكل جوانب حياة المواطن السعودي واذا كانت البدائية والبساطة هي السمة المميزة لطبيعة الحياة في السابق فان تشابك المتغيرات الاقتصادية والفكرية والاجتماعية والسياسية وغيرها في الوقت الراهن قد زاد من تعقيد الامور وتداخلها لدرجة يصعب معها التمييز بين المتغيرات المختلفة والآثار المترتبة عليها ومن هذا المنطلق فان الواقع الحالي يتطلب منا التوسع في الاخذ بالمنهج العلمي الشامل عند الرغبة في معالجة قضايانا المحلية والاقليمية والدولية واقصد هنا بالمنهج العلمي الشامل التوسع في اجراء الدراسات الوطنية ذات الصبغة الشاملة التي تركز على رصد ومتابعة حركة المتغيرات الوطنية وتأثيراتها المتشابكة وانعكاساتها المختلفة كوسيلة لتهيئة البيئة المناسبة لصدور القرار السياسي والاداري المناسب واعتقد انه قد حان الوقت لانشاء مركز وطني متخصص في الدراسات والبحوث يتبع لوزارة الداخلية ويهدف الى اجراء الدراسات النظرية والميدانية المتعلقة بكافة جوانب الحياة المختلفة وهنا نشير الى ان تبعية المركز لوزارة الداخلية ستمكنه من الحصول على الاستفادة من كافة البيانات ذات الطابع السري التي تحكي الواقع الفعلي للمتغيرات الرئيسية ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة بموضوع الدراسة كما ان تبعيته لوزارة الداخلية تمنحه الفرصة لتقديم الوصفة العلمية مباشرة الى صاحب القرار على المستوى المحلي الذي بدوره قد يوجه الوزارات والجهات الحكومية وغير الحكومية باتخاذ اجراءات وسياسات محددة تكفل تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري على المستوى الوطني ونشير هنا الى امكانية الاستفادة من وجود مركز مكافحة الجريمة ضمن الهيكل الاداري للوزارة ليكون منطلقا لمركز علمي متخصص يتجاوز اهتمامه مكافحة الجريمة الى الضبط والرصد الشامل للمتغيرات الرئيسية على المستوى الوطني خاصة في ظل تشابك المتغيرات والمؤثرات لدرجة يصعب معها الفصل بين الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والفكرية من جهة والجوانب الامنية والجنائية من جهة اخرى وهنا اقترح اذا استحسن المسؤولون بوزارة الداخلية ذلك تعديل مسمى مركز مكافحة الجريمة ليصبح مركز الامير نايف للدراسات والبحوث حتى يكون ذا مجال واهتمام شامل وحتى يضطلع بمسؤوليته الوطنية الشاملة تجاه التهيئة العلمية للقرار الاداري والسياسي.
ومن الاولويات التي يجب ان يسعى المركز الى تحقيقها تكوين قاعدة معلومات وطنية شاملة لكافة البيانات والمعلومات السرية وغير السرية التي تصف واقع المتغيرات الوطنية وتساعد على تقديم الوصفة العلمية الدقيقة اللازمة لصانع القرار السياسي والاداري واذكر هنا الى انه من الممكن ان يكون لدينا في الوقت الحاضر قاعدة معلومات سليمة لكافة البيانات المطلوبة ولكنها ربما تفقد للبناء الاحصائي السليم الذي يهتم بتبويب المتغيرات وتصنيفها وفقا لطبيعة المتغير ومكان وتاريخ التغير وبالتالي فان المهمة ستنحصر فقط في اعادة ترتيب القاعدة المعلوماتية وتنسيقها وتصنيفها بطريقة احصائية دقيقة تسهل للباحث المختص الحصول على المعلومة المطلوبة كما اعتقد ان الاولويات التي من المفترض ان يحرص المركز على تحقيقها العمل على الرفع من شأن الدراسات والبحوث من خلال تفعيل كافة الامكانات المادية والبشرية اللازمة لتحقيق نتائج علمية وواقعية تستطيع اقناع صانع القرار بجدية الدراسات المنفذة وجدوى الاعتماد عليها عند الرغبة في صياغة القرار السياسي والاداري وهذا بطبيعة الحال يتطلب بالاضافة الى الدقة في الحصول استخدام البيانات الاحصائية والاستعانة بالمختصين من ذوي الكفاءات العلمية المتميزة في المجالات المختلفة.
وبشكل عام فمهما تعددت وتبدلت الاولويات فان وجود المركز الوطني المختص في اجراء البحوث والدراسات العلمية لم يعد مجرد خيار يمكن كما لا يمكن الاخذ به بل هو في الواقع من ضروريات الحياة التي يفترض الاسراع بتكوينها وتفعيلها ودعمها الدعم المناسب لتصبح قادرة ليس فقط على متابعة المتغيرات الداخلية بل وحتى المتغيرات الخارجية ذات التأثير المباشر وغير المباشر على استقرارنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي والامني وفي هذا الخصوص اشير الى ان استمرار تشتت المسؤولية بين جهات حكومية متعددة يجعل من الصعوبة لم شتات البيانات الاحصائية كما يجعل من الصعوبة الربط بين المتغيرات المتشابكة مما يعني اهمية توحيد المسؤولية في مركز وطني موحد له الصلاحية في الحصول على كافة المعلومات والبيانات وعليه تقع المسؤولية في تقديم وتفعيل المنهج العلمي السليم اللازم لاستقرار البناء النظامي والتنظيمي للوطن بشكل عام.
* أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الامنية
|
|
|
|
|