| مقـالات
المجتمعات الإنسانية المتحضرة تحكمها أنظمة وأنماط، كالنظام الرأسمالي، والنظام الماركسي، والنظام الديني، وأنظمة أخرى لا تحصي لها عددا، على أن المواضعات في الأنظمة الرأسمالية والماركسية مستمدة من القيم المادية القائمة على المقايضة والإلزام, فالتكافل يكون مقابل أداء مادي سابق وعلى ضوء عقد اجتماعي، أما التشريع الإسلامي فالتكافل فيه مبادرة، لأنه ضرب من العبادة، يتقرب بها المنفق الى ربه، يرجو الرحمة، ويخشى العذاب، ومن باب العدل وتوقي بخس الناس أشياءهم لا ننكر وجود نزعة إنسانية لا يخلو منها مجتمع ولا نظام، ولكنها نزعة محسوبة ومحدودة, أما المجتمع الإسلامي فإن أمَّات الفضائل فيه مرتبطة بالإنفاق (وآتى الزكاة), (ومما رزقناهم ينفقون), (والذين هم للزكاة فاعلون), (والمتصدقين والمتصدقات), (رحماء بينهم), (في أموالهم حق للسائل والمحروم), وفي آية (حق معلوم).
والتكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي مبادرة، تتجسد بقوله تعالى: (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا), وهو تكافل لا يتبعه من ولا أذى، يقيل العثرة، ويجبر الكسر، ويستل الضغائن، ويؤلف القلوب، ومتى أحس أفراد المجتمع بالاطمئنان تنامت فيهم المحبة والثقة والاخلاص، وامتلأت النفوس بالولاء، وبقدر ما يتخلف التكافل يضعف الانتماء، وتستفحل الأحقاد، ويختل الأمن، ويحتاج الإنسان الى مؤسسات حكومية تحميه وأخرى تؤويه، كما في الأنظمة المادية النفعية، وما أشقى الشعوب حين تُنزع الرحمة من قلوب الموسرين فيها، ثم لا يؤدى التكافل إلا وظيفيا.
والإنسان الذي لا يتحقق له الأمن الغذائي والصحي والإمكانيات المناسبة لمثله، يندفع لتحقيق ضروراته ومتطلباته بطرق غير مشروعة، بحيث ينتزع غذاءه وأمنه بالأنياب والأظافر، وتلك شرعة الغاب, والإسلام شرع لأمته من الدين ما يحقق لها الأمن بكل وجوهه, ويشيع فيها المودة والرحمة, ولتحقيق الترابط والتكافل ركز على المسؤولية الجماعية: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) فرض الزكاة، وحدد أصناف المستحقين لها، وشرع الكفارات وحث على الصدقات، وأوصى بكفالة اليتيم، وامتن على رسوله بإيوائه، وقال في محكم التنزيل: (ألم يجدك يتيما فآوى) وهذا التساؤل التقريري ينطوي على غايات وأهداف لا يعرف كنهها إلا العالمون.
ولعل من بوادر المآلات والمصائر ما يطمئن بأن فقد الأبوين أو أحدهما بوصفه ظاهرة اجتماعية لا يحول دون معالي الأمور، فالرسول صلى الله عليه وسلم نشأ يتيما، مات أبوه وهو جنين، وماتت أمه وهو طفل، ولم يزده ذلك إلا صلابة في الحق ولينا في الجانب، واستقامة كما أمر، فكان كما وصفه القرآن (وإنك لعلى خلق عظيم) لقد تغلب على صعوبات الحياة في طفولته بكفالة عمه له، ولم يكن يتمه عائقا، إذ شق طريقه، مارس التجارة، وضرب في فجاج الأرض، وحين بلغ أشده وبلغ أربعين سنة اختاره الله لتحمل رسالته الخاتمة، وهذا تشريف للأيتام لا يطاله عز ولا يرقى اليه مجد، ثم هو لفت لنظر الموسرين الى أن الأيتام بأحوالهم يمثلون حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ومعاناته وأخلاقياته، وهو حافز لهم على مواساة الأيتام وكفالتهم والعطف عليهم ومخالطتهم، فكأن اليتيم يذكرنا بطفولة رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومن ثم نحس بانجذاب اليه وعطف عليه ومحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي مر بهذا الوضع، ولم ينعكس أثره على حياته، بل سمت أخلاقه، ونبلت سيرته، وكان الصادق الأمين قبل التكليف وبعده, لقد رق للأيتام وعطف عليهم وواساهم ونافح عن حقوقهم وحذر من الإساءة لهم لأنه ذاق مرارة اليتم، ونحن حين نفعل مثل ذلك يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة لنا, وقد كان لنا فيه أسوة حسنة، فإذا كنا مطالبين بأن نأخذ عنه مناسكنا, وأن نصلي كما رأيناه يصلي، كان علينا أن نقتدي بخلقه الرفيع وحنوه الأبوي على الفقراء والمساكين والمستضعفين، وأن نمتثل أمره، ونقتفي أثره، والله جل وعلا حين من عليه بالإيواء والهداية قال له: (فأما اليتيم فلا تقهر, وأما السائل فلا تنهر, وأما بنعمة ربك فحدث), وهو صلى الله عليه وسلم استجابة لأمر ربه قال من باب التحفيز والحث والإغراء: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وأشار بأصبعه يعني السبابة والوسطى) والحديث كما في الترمذي حسن صحيح, والنصوص الشرعية حافلة بالحث على العطاء والإحسان وبها تتجلى أهمية الكفالة والإيواء والرقة والعطف والرحمة.
لقد ورد جذر ( ي ت م) مفردا ومثنى ومجموعا في أربعة وعشرين موضعا من القرآن الكريم, متخذا مواقع دلالية متعددة, كالثناء على مطعمي الطعام للأيتام، وكالحث على الإحسان إليهم, وإيتاء المال على حبه لهم، والإنفاق عليهم، والإقساط فيهم، والتحذير من قرب أموالهم فضلا عن أخذ شيء منها، والأمر بالإصلاح لهم, كما جاء في الحديث النبوي الشريف أكثر من ذلك كما وتفصيلا، وجلّ الأحاديث مرتبط بأحداث تتعلق بأحوال الأيتام وبما يواجهونه من تصرفات الكافلين لهم، وانطلق علماء الشريعة والمواعظ من هذه النصوص يرسمون طريقا قاصدا لأوجه التعامل مع الأيتام، لقد شققوا المسائل ، وتركوا لمن بعدهم ما لا مزيد عليه من الأحكام والمواعظ، ولم يبق إلا أن نستجيب لله وللرسول إذا دعانا لما يحيينا، ومن نعم الله علينا ان هيأ لنا من الإمكانيات ما يحفزنا على مزيد من البذل والعطاء، وهذا المهرجان الخيري الذي تنفذه وزارة متخصصة بشؤون الرعاية الاجتماعية، ويرعاه أمير سباق الى كل خير يعد موسما من مواسم العطاء، وواجب القادرين المبادرة والمسارعة.
والأمة مجموعة قيم سلوكية لا تقاس بأشيائها المادية من قلاع خرسانية وسيارات فارهة وحدائق غناء وأموال وبنين، وإنماتقاس بفعلها وبمثلها، والأشياء المادية تراب فوق تراب: (وكل الذي فوق التراب تراب) وقد تتحول لتكون فتنة وعدوا وابتلاء وعقوبة، وكم من فرد أو أمة بطرت معيشتها وخرج كبراؤها على قومهم في زينتهم، فخسف الله بهم وبديارهم الأرض، ولهذا فالتخطي بالماديات الى الفعل الحضاري يعمق إنسانية الأمة ويقيها مصارع السوء، والإسلام ركز على التكافل الاجتماعي، وجعله جزءا من العبادة، ولم يربطه بتبادل المنافع المادية، ولم يكن مناطه السلطان وحسب، لقد حث على العطاء ووعد بالمثوبة، فرض زكاة الأموال وتوعد مانعيها، وفرضها على الأبدان، وشرع الصدقات، وحدد الكفارات، وحرَّض الموسرين على الإيواء والكفالة، وشبه المؤمين في التواد والتراحم بالجسد الواحد الذي تتداعى سوائره بالسهر والحمى متى أصيب جزء منه, وهذا الوصف تأكيد للروابط الاجتماعية التي تصل حد الاندماج, وجاءت الأحاديث النبوية مؤكدة اضطلاع أفراد المجتمع المدني بكفالة الأيتام والوعي التام بتدبير شؤونهم وتنمية أموالهم وحسن الخروج بهم من عوالم اليتم الى فضاءات الحياة السوية، وشرع الله امتحانهم فإذا آنس الكفيل منهم رشدا آتاه ماله.
والدول المسلمة لا تسمح لأي عارض باختراق فضاءاتها والنيل من إنسانها مهما كان الثمن، و عزة الإنسان وكرامته وحريته وأمنه وصحته وحماية ضروراته الخمس من أوجب واجبات الدولة المسلمة, والله الذي كرم بني آدم حث على حفظ كرامة الإنسان وصيانة عرضه، (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره), (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم), (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا), وفي الحديث: (كل كبد رطبة فيها أجر), وعمر بن الخطاب رق للذمي المسن وهيأ له الحياة الكريمة, والدولة المسلمة تعي مسؤوليتها الجماعية، ولهذا تعددت فيها المؤسسات التي تضطلع بمسؤولية إقالة العثرات، فالضمان الاجتماعي، والجمعيات الخيرية، ودور التربية والرعاية والتوجيه,، ودور العجزة والمسنين، ومكافحة التسول، والتسليف، وغيرها كلها وسائل لصيانة الكرامة ودرء المفسدة وسد الذريعة والحيلولة دون تفشي الأحقاد والأضغان، فالفقر والعوز مصدرا كل شر، والرسول صلى الله عليه وسلم أثنى على (الأشعريين) ونسب نفسه اليهم تكريما لهم وإعجابا بصنيعهم لمجرد أنهم إذا أرملوا فرشوا أرديتهم وأخرجوا ما في بيوتهم من طعام ثم اقتسموه, وقوله صلى الله عليه وسلم: (من سن سنة حسنة فله أجرها,,, إلخ) مرتبط بفعل إحساني، فكأن سن الطرق للتحصيل وجمع الصدقات والهبات والتبرعات وإنشاء الجمعيات الخيرية وتأليف الجماعات من السنن الحسنة التي يؤجر فاعلها، ولعل (المهرجان الخيري الأول لرعاية الأيتام) من السنن الحسنة، فهو أسلوب توعوي تذكيري تحفيزي,
ونحن نرى ونسمع عن مشاريع وطرق لجمع الأموال والأعيان وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، والناس قد تأخذهم الغفلة ويشغلهم العمل والصفق في الأسواق ومعافة الأهل، فلا يذكرون واجبهم إزاء المحتاجين فيقيض الله لهم من ينبههم وينوب عنهم في إنشاء المؤسسات وإيواء الأيتام والمسنين والمتخلفين عقليا, والأعمال بالنيات، والإنفاق من السعة، والدال على الخير كفاعله.
والدولة ليست بمعزل عن سائر أفرادها ولا عن مختلف شرائح المجتمع، ومسؤوليتها الإنسانية هم مشترك ومشاع، والإنسان جزء من الدولة ينهض معها بمسؤولياتها ويشاطرها مناشطها الإنسانية، ولا يمكن انفراد الدولة بالمهمات الإنسانية، وليس من مصلحة الأمة تخلي أي فرد أو جماعة عن العمل الإنساني.
والأيتام شريحة مهمة وحساسة، وكفالة اليتيم وإيواؤه ومخالطته عمل خيري فعله صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما تزال الظاهرة قائمة الى يوم القيامة, ولليتيم اليوم متطلبات تختلف عن متطلبات يتيم الأمس، فالتعليم والتربية والإعداد السليم لمواجهة الحياة من أوجب الواجبات، ولا تكفي في الكفالة متطلبات المأكل والمشرب والملبس والسكن، بل لابد من الرعاية الصحية والتعليمية وتلك أعباء جديدة.
والمؤسسات الحكومية المعنية تخطط لمشاريع الخير وتشرف على أدائها وتبارك فعلها، وتسهم في تفعيلها، ولكنها لا تنفرد بالفعل، بل تهيئ مساحات واسعة للقطاع الخاص: أفرادا وجماعات ومنظمات وجمعيات وشركات ورجال أعمال، لكي يسهموا في دعم المشاريع الخيرية، ويؤتوا الفقراء من مال الله الذي آتاهم، فالمال مال الله، وهو وديعة عند صاحبه، والله سائله يوم القيامة عن طرق الكسب ووجوه الإنفاق، ومن ثم فلا فوت، ومال الإنسان ما قدَّم، أما ما خلفه فمال الوارث، على المورّث وزره وللوارث خيره، والصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء، وتقي الإنسان الشح، ومن يوق شح نفسه يكن من المفلحين، والجهات الرسمية حين تتصدر المشاريع الخيرية، وتبارك الفعل الإنساني، تود إشاعة العطف والتكافل وتعويد الناس على الاضطلاع بمسؤولياتهم.
والدولة الحمالة تود ان المواطن شاطرها مسؤولياتها الإنسانية، وأحس بواجبه إزاء الفقراء على تحمل المسؤولية إلا أنها حفية بمن يشاركها الخير ويقاسمها الغنيمة، فالمواطن حين يحس بواجبه وينهض به، تشيع الرحمة والمودة، وتصفو النفوس، ويتحقق أمر الله: (وأما بنعمة ربك فحدث), إن الحديث بنعم الله جل وعلا لا يقف عند حد الكلام، بل يتجاوز ذلك الى الفعل وفي التنزيل (اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور), فالشكر لا يكون بالقول وحده، بل يكون به وبالعمل، والتحدث بنعم الله جل وعلا هو الآخر لا يكون بالقول، بل يتجاوزه الى العمل و(البر) كما (التقوى) من الكلمات الزاخرة بالمعاني والدلالات، فكما أن البر معاونة المحتاجين بالمال، فإنه اسم جامع لأنواع الخير والفضائل، إنه العطف والبشاشة والإحسان وتحمل الأذى في سبيل الخير, وفي التنزيل: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون), ثم هو سمة لمن: (آتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب).
والسلف الصالح ضربوا أروع الأمثلة على العطاء حتى قال الله فيهم (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا), وهو إطعام لا يريد منه الفاعلون جزاء ولا شكورا، لأنه لوجه الله جل وعلا, كما وصفهم بالإيثار : (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة), و صدق الله (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) والله قد وصف عباده الصالحين بالمسارعة الى الخيرات (ويسارعون في الخيرات) وفي ذلك تأكيد على المبادرة خوف الفوات بالفقر أو الموت، والمجبولون على العطاء والإحسان, (يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة), فالخشية من الله تبعث على الإشفاق والوجل في حال التلبس بالطاعات، فكيف بالنفس إذا اقترفت الذنوب وقصرت في جنب الله.
ولأن فعل الخير نفحات من الله فإن على الموسرين أن يبادروا بالأعمال الصالحة، وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه على ذلك، وحذرهم فتنا كقطع الليل المظلم، ومن خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، والناصحون من يبادرون الى البر والصلة، والله قد أثنى على الأنصار بحبهم من هاجر اليهم، واليتيم الذي فقد أبويه يجد الأبوة الحانية عند عامة المسلمين وخاصتهم، والإيثار كما يقول القرطبي (تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية رغبة في الحظوظ الدينية) ونحن في بلادنا والحمد لله على شيء من الثراء، نعطي، ويبقى الكثير، ونعطي ويخلف الله, ولمّا نحتاج الى الإيثار، وهو الجود بالمال مع الحاجة اليه.
واليتيم في مجتمع صاخب يعج بالأعمال وتشغل أفراده الأموال والأولاد بحاجة الى من يذكر به، ويدعو الى الإحسان إليه ورحمته، والرحمة جماع الرقة والعطف والرأفة والإحساس والمغفرة وخفض الجناح, والرحمة من الكلمات الحمالة لفيض من الدلالات، وأمة محمد وصفوا بأنهم: (رحماء بينهم) وأنهم يتواصون بالمرحمة، والله قد رحم عباده حين بعث فيهم رسوله، وجعله ليِّن الجانب، ولو كان فظا غليظ القلب لانفضوا من حوله.
واليتيم بحاجة الى اللين والتلطف وتواضع الأفراد والمجتمع له، فحالته النفسية لا تحتمل المزيد من الإهمال، ومن أجل إشاعة التواد والتراحم نهى الله عن المشي في الأرض مرحا، وهو الاختيال والبطر، ونهى عن تصعير الخد وهو إمالته تعاظما وتكبرا، ونهى عن الاختيال وهو التباهي والافتخار، وأمر بالاقتصاد في المشي وهو الاعتدال، وبغض الصوت، وقد أكد على عذاب المتكبر: (أليس في جهنم مثوى للمتكبرين) (كذلك يطبع الله على قلب كل متكبر جبار) ولا يمكن تحقيق الأجواء الملائمة للفقراء والأيتام والعاجزين في مجتمع متكبر متجبر، والذين تمتد أيديهم الى المتعثرين من الفقراء والأيتام ليقيلوا عثرتهم لا يكونون متكبرين ولا متجبرين ولا مصعرين لخدودهم, إن مخالطة الأيتام والفقراء والمساكين مدعاة للتواضع، والله قد نهى رسوله عن طرد الضعفاء، وأمره بتصبير نفسه معهم، لأن في ذلك تطهيراً للنفس وتطييباً لخواطر المستضعفين.
وحالة اليتيم خطيرة لأنها تمر بالإنسان في طفولته، وحين يوجد اليتيم في بيئة متجبرة متكبرة متغطرسة لا ترعاه حق الرعاية، يتعرض للانحراف الخلقي والعقد النفسية، يحقد ويكيد، ويتحول الى فرد غير سوي، فالوضع الذي يعيشه اليتيم يتطلب من المجتمع العطف والرحمة والمحبة، ولهذا حث الرسول صلى الله عليه وسلم على مسح رأس اليتيم تطمينا له وقربا منه وإشعارا له بالخلف الصالح، وعند أحمد وابن حبان (من وضع يده على رأس يتيم رحمة كتب الله له بكل شعرة مرت على يده حسنة), والإسلام اهتم باليتيم، وأوصى به، ونهى عن قهره والنيل منه وتبذير ماله، وذم المكذبين بالدين ووصفهم بزجر اليتيم ونهره، وعبر عن ذلك (بالدع) وهو الدفع بقوة (أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم) وبرنامج الأسر الصديقة الذي يطرحه (المهرجان الخيري الأول لرعاية الأيتام) تؤكده الآية الكريمة (وإن تخالطوهم فإخوانكم) والآية نزلت بعد تحرج بعض الأولياء من الاقتراب من أموال الأيتام خوفا من الوعيد الشديد، وليس تكبرا ولا تجبرا، ومخالطة اليتيم وتقريبه جبر لخاطره وإسراع في اندماجه في المجتمع، وقضاء على إحساسه باليتم، ولهذا فإن على الأسر المستطيعة ان تستقبل الأيتام، وأن تؤاخي بينهم وبين أطفالها، وأن تحاول جاهدة خلق أجواء ملائمة لاستلال أي شعور مغاير قد ينعكس أثره على سلوك اليتيم فيما بعد، وهناك ثلاث مستويات يستطيع المحسن الأخذ بأحدها (الكفالة) أو (الصداقة) أو (الاحتضان) ولو أن المواطنين أخذوا بها كل على قدر استطاعته لكان خيرا لهم وأهدى سبيلا, والمجتمع المثالي هو المجتمع الذي يترجم المثاليات التنظيرية الى فعل ويربط بين العقيدة وقيمها الأخلاقية إذ لا قيم بدون عقيدة, ومبادرة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بإقامة (المهرجان الخيري الأول لرعاية الأيتام) تجربة رائدة، ونجاح هذا المشروع مؤذن بمبادرات أخرى، تمسح العبرات، وتواسي المنكوبين، وتفك غوائل الزمان، وكل إنسان معرض لتخليف الأيتام، وكم من أطفال يعيشون مع آبائهم وأمهاتهم في سعة من الرزق، اخترمت يد المنون أحد الأبوين أو كليهما فتحول الأبناء المنعمون الى أيتام محرومين، فليحذر الغافلون فجأة النقمة.
|
|
|
|
|