| مقـالات
اريل شارون، الذي ولد بمستوطنة كفر ملال عام 1928 في فلسطين، لم يتردد في الانضمام الى عصابات هاجان التي نظمها المستوطنون اليهود لتكريس وجودهم في الأراضي الفلسطينية وهو في سن الرابعة عشر,, ومعروف لنا العرب المجازر التي اقترفتها هذه العصابات ضد الفلسطينيين العرب في بلادهم,, وكانت هذه العصابة الارهابية قد تأسست عام 1920م وتم اعادة تنظيمه عام1929م واستمرت حتى اعترفت السلطات البريطانية بجناحيها السياسي وسلمته فلسطين عام 1948م ومن هنا نشأت دولة اسرائيل الى هذا اليوم,
شارون الذي ساهم في تأسيس الفكر والسياسات المتطرفة في اسرائيل كان قد جند كامل حياته في خدمة هذا الهدف الذي يمثل قاعدة ومنطلقا له في مختلف شئون حياته الخاصة والعامة,, وقد قاد مجموعة 101 الارهابية التي شنت عمليات انتقام ضد المواطنين الفلسطينيين خلال حرب تأسيس اسرائيل، وخلال الفترة التي تلتها في الخمسينيات الميلادية، ثم تدرج في جيش الحرب الاسرائيلي كقائد في الجبهة الشمالية، ثم في الجبهة الجنوبية,, وكذا مديرا لمدرسة التدريب الحربية,, حتى تم تعيينه جنرالا قبل اشهر من حرب الايام الستة عام 1967م,, الى ان استقال من الجيش عام 1972م ولكنه عاد بسبب حرب اكتوبر 1973 ضمن الجيش الاحتياطي الاسرائيلي الذي يتكون تقريبا من كل السكان اليهود، حيث ان معظمهم دخل في تجربة حربية/ أمنية من خلال التجنيد الاجباري المفروض عليهم,, وعاد شارون وشارك في الحرب ضمن لواء ساهم في عبور قناة السويس وتبلور من خلاله استعادة الجيش الاسرائيلي لتوازنه في تلك الحرب,
بعد هذا الاستنفار الحربي والاعمال الدموية التي ساهم فيها شارون اتجه الى السياسة، فتم انتخابه في نهاية عام 1973, ثم عين مستشارا امنيا لرئيس الوزراء اسحاق رابين,, ثم عاد للكنيست الاسرائيلية، وتعين بموجب ذلك وزيرا للزراعة وطور علاقات زراعية مع مصر بشكل خاص,, ولكن يظل المنصب الأكثر أهمية لشارون في الفترة الماضية هو تعيينه وزيرا للدفاع، وخلال هذه المسئولية الحربية لها غزا لبنان ولاحق الفصائل الفلسطينية, وخصوصاً منظمة التحرير الفلسطينية,, والتي جاء نتيجتها خروج محرج لياسر عرفات وبعض قيادييه من بيروت,
وبين عامي 1984 و1990 كان شارون وزيرا للتجارة والصناعة، حيث استطاع انهاء اتفاقات خاصة مع الولايات المتحدة تصب في مصلحة اقتصادية كبرى لاسرائيل,, وبين عامي 1990 و1992 عمل شارون وزيرا للبناء والتعمير، حيث استطاع بناء ما يربو على )144000( مائة واربعة واربعين وحدة سكنية خصصت للمهاجرين الروس بعد اتفاقات تهجيرهم من الاتحاد السوفيتي سابقا,, وخلال عامي 1992 و1996 كان عضوا بالكنيست في لجنة الشئون الخارجية والدفاع الى ان تم تعيينه وزيرا للتجهيزات الأساسية عام 1996م وعمل على علاقات مشتركة مع الأردن ومصر والفلسطينين,, وفي عام 1998 عينه نتنياهو وزيرا للخارجية، وشارك في المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وكان كبير المفاوضين في الوفد الاسرائيلي الذي شارك في مفاوضات الواي ريفر بلنتيشن ,
وبعد خسارة نتنياهو في الانتخابات قبل الأخيرة تمكن شارون من تحقيق هدفه الذي كان يسعى اليه، وهو تزعم حزب الليكود المتطرف,, وكان يقف منتظرا ما ستسفر عنه الاحداث لربما يكون في سدة الحكم الاسرائيلي,, وبتخطيط منه جاهر بزيارة المسجد الأقصى مع عدد من افراد حمايته الشخصية، مما ادى الى اعادة تأسيس الانتفاضة الفلسطينية مرة اخرى,, وهذه الخطوة التي فعلها شارون هي التي ادت فعلا الى انهاك حقيقي لموقف باراك مما ادى في نهاية الأمر الى زعزعة موقفه الانتخابي، وافرز بالتالي ظاهرة شارون وصعوده الى رئاسة الوزراء وهو الحلم الذي لطالما كان يراوده في حياته,
هذه كانت حياة اريل شارون خلال ثلاثة وسبعين عاما مضت,,ولكن ماذا يدور بفكر شارون رئيس الوزراء؟ ما هي اولوياته وكيف سيخطط لتحقيق اهدافه؟ وهل سينجح في ذلك؟ وفيما يلي عرض باهم معالم التفكير التي يضعها شارون من خلال قراءة لما كان يفكر فيه وما اظهره في بعض مقابلاته الاعلامية، وبعض المقالات التي كان يشارك بها في مناسبات كثيرة,
* في مقابلة اذاعية مع التلفزيون الاسرائيلي اوضح اريل شارون )1996( ان هاجسه الذي يؤرقه دائما باعتباره يهوديا هو ماذا ستؤل اليه اسرائيل بعد ثلاثين عاما أو ثلاثمائة عام أو ثلاثة الاف عام,,؟ وذكر انه تدارس التوارة وخصوصا مع علمائها في مسائل عديدة سياسية ودينية وأمنية وغيرها، ولكن بشكل خاص تدارس ما كتبته التوراة عن فكرة الهجرة المعاكسة من أرض الميعاد,, ولم يشأ شارون الحديث كثيرا عن هذه النقطة، الا انه دعا الشعب الاسرائيلي الى قراءة متمعنة لكتبهم المقدسة, وربما يكون ذلك بهدف اشاعة القلق والاحساس بعدم الاستقرار التي يريد شارون تكريسها في فكر وعقل الفرد الاسرائيلي,, وهذا الاحساس هو الذي يستقر في عقل وفكر الرئيس شارون منذ بدايات توجهه العسكري شابا الى وصوله الى كرسي رئاسة الوزراء شيخا,, وهو يعرف بان الهجرة المعاكسة أو هروب اليهود من فلسطين هي حقيقة تاريخية تثبتها الكتب السماوية,, ولهذا تنبع فلسفة شارون من ضرورة تشبع الأجيال اليهودية بهذه الحقيقة لاسباب أهمها تعميق الحقد على العرب، فهم الذين سيخرجون اليهود من فلسطين، وتعزيز الحالة الشكية معهم وهذا يترتب عليها زعزعة أي فكر سلامي بين الشعبين اليهودي والعربي الفلسطيني,, وكذا لمحاولة توسيع الحضور والوجود اليهودي على الأرض، ما يعكس ربما رغبة دفينة لدى اليهود بان المد البشري لليهود والانتشار الجغرافي لهم ربما يكون حائلا دون نبوءات الكتب المقدسة، وربما ينقض حركة التاريخ المستقبلية,
* يحاول دائما شارون ان يعزز من التوسع اليهودي وفرض الامر الواقع,, وقد نشر الخطوط الحمراء الستة، أو ما يمكن ان نسميه )لاءات شارون الستة(، والتي سبق ان كتبها في مقال له بصحيفة جيروزليم بوسط )21 يوليو 2000م( فما هي الخطوط الحمراء التي لا يستطيع شارون التنازل عنها أو استثناءها من أي مفاوضات مع الفلسطينيين,
1 القدس الكبرى,, ويجب ان تكون هي عاصمة اسرائيل الأبدية، ولا تكون مقسمة، بل وحدة متكاملة تحت سيطرة وتحكم اليهود,, كما لا يجب ان يترك موضوعها بدون نهاية يخشى شارون ان تكون قنبلة مؤقتة لصراع اسرائيلي عربي قادم,
2 الأمن الاسرائيلي يتحقق من خلال توسيع مفهوم النطاق الأمني الاسرائيلي، ليصل الى نهر الأردن وكل النطاقات الحدودية مع الأردن,, ومن الغرب تحتاج اسرائيل الى التحكم على المرتفعات الغربية التي تؤهلها للاشراف على السواحل والسهول الغربية, وبطبيعة الحال الاشراف والسيطرة على الأراضي الفلسطينية,
3 المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة تظل تحت السيطرة الاسرائيلية، بما في ذلك كل الطرق والممرات المؤدية اليها,,
4 بخصوص اللاجئين الفلسطينيين بين اعوام 1948 1967 لا تتحمل اسرائيل اي مسئوليات اخلاقية او التزامات اقتصادية تعويضات لهم,, ويظلون هم مسئوليات الدول الموجدين بها, الاردن، لبنان، وسوريا وغيرها من البلدان,
5 تحتاج اسرائيل الى سيطرة على منابع المياه التي تصل الى اسرائيل ويجب ان يتعهد الفلسطينيون بعدم تلويث مصادر هذه المياه,
6 كل المناطق الفلسطينية يجب ان تظل تحت اشراف وسيطرة اسرائيلية جوا، ولا يسمح شارون بوجود جيش فلسطيني، ولكن بوحدات أمن تحافظ على الأمن الداخلي الفلسطيني,
< لايزال شارون وباصرار يملك بيتا له في القدس، وتحت حراسة مشددة ويهدف من وراء ذلك الى تعزيز فكرة القدس الأبدية لاسرائيل,, وانه الشخصية التي لاتهاب الانتفاضة,
< فكرة شارون عن مفاوضات السلام التي كانت في الأيام الأخيرة من فترة كلنتون يرى انها غير مجدية,, ولا يجب اعطاء تنازلات مجاملة لرؤساء امريكيين,, وكما قال في مقابلة ان الرؤساء الامريكان يأتون ويذهبون, ولكن اسرائيل يجب ان تظل دائمة، ومصالحها فوق كل اعتبارات,
هذا هو شارون الجديد القديم,, الجديد في وضعه السياسي كرئيس للوزراء,, والقديم في فكره وممارساته الارهابية,, فماذا يمكنه انجازه خلال فترته التي يعيشها اليوم,, وهل سعيه لحكومة وحدة وطنية معناه وضع قواعد لعبة سايسية داخلية في اسرائيل من اجل تحقيق وضعية جديدة على الواقع السياسي العربي,,
لقد دخل لبنان عام 1982م ولم تخرج اسرائيل منها الا بعد حوالي سبعة عشر عاما تقريبا,, فهذا الرجل الذي يعشق الحروب، رغم انه يدعي بانه يكرهها,, هل يسعى اليوم الى فرض امر واقع جديد يلتهي به العرب خلال العقدين القادمين؟,
|
|
|
|
|