التاريخ كهل ضارب في العمر,.
يعيش بيننا كرواية لما رآه وشاهده,.
كثيرون عرضوا له انفسهم وحاولوا
استمالته,, ليحفظهم !!
عين الواقع المنصفة التي يرى بها رفضتهم
جعلته يركل اولئك ويضرب بهم عرض الحائط
بل وهمش ما اوهموا انفسهم بفعله,.
وعلى النقيض,.
راقب التاريخ اناساً آخرين,.
وحفظ لهم مانسوه عن انفسهم,.
محاولاً ان يكون اكثر انصافاً لهم,.
من اولئك القلائل,.
بديوي الوقداني,.
احد رموز شعر الجزيرة العربية
دماً وعرقاً ينتسب لإحدى اشهر قبائل الجزيرة
العربية قبيلة عتيبة .
واراه التراب جسداً قبل مايزيد عن قرن من الزمان,.
حفظه التاريخ لنا شاعراً مثلاً,.
حفظه المكان لنا ساكناً وطللاً,.
حفظه التاريخ,.
شامخاً كالصرح المتين العالي,.
يانعاً كالثمر اللذيذ الحالي,.
يافعاً كنظارة الشباب ومرونة الفتيان,.
منتصباً كقوام ماللقرون الوسطى من فرسان,.
قال عنه صاحب الازهار النادية من اشعار البادية:
اذا غرد سكتت البلابل .
واذا غنى اطرب المحافل .
قال الجواهر والدر,, من الشعر,.
وصاغ الفصيح بثقافة النبطي,.
وهذا تميز آخر اختص به,.
أليس هو من قال:
لاتخشى يابن رسول الله من حجر
رأى المكارم في كفيك فانفجرا
كتب في شتى اغراض الشعر واجاد,.
وجال بحور الشعر بما هوى وارد,.
قرأ قليلاً من النحو والأدب فتمكن منهما
لذلك قال عن نفسه:
اعرف حروف الهجاء بالرمز واكتبها
عاقل ومجنون حاوي كل الاشكالي
في شعره,.
افصح عن غزاره الشاعر,, وثقافة السائح
ذكر بومبي واسطمبول والاسكندرية .
وتلاعب بالمفردات التركية,.
عندما اتى كهلنا التاريخ وهمس في اذاننا,.
وقال: بديوي يقول,, كذا,, وكذا,.
لم يكن مغامراً,, ولم يكن مجاملاً,.
ولم يهرف بما لايعي ولايعرف,.
بل قال ماقاله وهو يثق انه سيثيرنا فعلاً,.
ويدرك اننا سنقلب ذلك الهمس صخباً,.
ليدوي صوت التاريخ,.
لمن يستحق التاريخ,.
وكيف نلوم التاريخ؟؟
عندما يعشق شاعراً بوزن بديوي الوقداني,.
او يتغنى بقصائده الرائعة التي تفنن في تنويعها,.
الم نردد مع التاريخ تلك القصائد,.
الم نأخذ من بعضها الحكمة
الم نأخذ من بعضها المثل
مثل هذا أحق,, برعاية التاريخ,.
مثل هذا أحق,, بان يبقى حصنه طللاً,.
مثل هذا احق,, بان يبقى شعره مثلاً,.
قال بديوي ذات مرة:
ايامنا والليالي كم نعاتبها
شبنا وشابت وعفنا بعض الاحوالي
كم من المرات نطق لسان حالنا بهذا البيت,.
هزات عنيفة قوية تصيبنا عندما نقرأ لهذا الرمز
ويتحرك فينا حسن الجمال
ونستلذ بقراءة الشعر المثال
اقول الشعر المثال,.
احب بديوي الشعر,, فكتبه حباً واجزله
وعشق الشعر بديوي,, فكتبه عشقاً وأوصله,.
فأحببنا الشعر,, وعشقنا الشاعر,,
الاطلال والشعر,, هي البقية الباقية من بديوي الوقداني,.
زرنا لكم اطلاله,.
منزله الذي داعب التاريخ فيه,.
وحصنه الذي بناه ليحميه ويحتويه,.
في قرية قصعان بوادي نخب
هناك,, في الطائف
عاش بديوي بن جبران الوقداني,.
احب قريته وتمسك بها
كيف لايحبها وقد احتضنته طفلاً,.
ورعته شاباً ورجلاً,.
جذوره الضاربة في اعماق ارضها
لم يكتف بها كرابط,, فقام بتكبيل نفسه بها
بانياً قيوده منزلاً وحصناً,, كما هو البرشومي
والرمان كانت الآكام الحصون سمة للطائف
احجار متراكمه تميز المعالم احياناً,.
وتخفيها احياناً اكثر,.
هذا ابسط تعريف لبقايا منزله
رياح الزمن فعلت فعلتها بمنزله
كأنها تسعى جاهدة لطمس معالمه,.
جدران من الحجر شكلت وحدات المنزل,.
غرف بقيت صامدة بقدر استطاعتها,.
وفاء لمن سكنها وعمرها
تردد صدى قصائده
تحتوي,, التاريخ!!
تحدث القادمين عنه!! وتعطي المغادرين منه!!
تقول لنا: هنا وقف بديوي,.
وهناك داعب ابنه,.
وفي هذا المكان يستلذ بأكل وجبته,.
وهنا ينام,, وفي هذا المكان الرحب يستقبل ضيوفه,.
نجول في المكان,, وتجول الاسئلة اسرع منا,.
تقف الإجابة حائرة على حافة التخمين!!
قد تصيب!! قد تخيب!!
الاجابة الشافية الوافية,, الكافية لنهم سؤالنا,.
عند بديوي الوقداني نفسه,.
عند ذلك وقفنا نتمنى ونقول:
ليت بديوي معنا!!
فرد علينا قبل اكثر من قرن
مختصراً الليالي والايام قائلاً:
الملك لله والدنيا مداوله
وما لحي على الايام تخليد
عندها,, حزمنا حقائبنا لنغادر المكان,.
ظهر لنا كهلنا التاريخ,.
واظنه كان معنا طوال الوقت,.
كانت عيناه مغرورقتان بالدمع,.
بادرنا بالاجابة قبل ان نسأله قائلاً:
اتعلمون لماذا ابكي,.
قلنا: بكاء حزن وكمد,, تنهد قليلاً
وقال: ليس,, حزناً,, ولاكمداً على احد
ولكن فرحاً,, لإنصافي لهذا الرمز,.
فأنتم شواهد انصافي له
كم تمنينا ان يكون بديوي معنا لنقول له:
ان ماقلته قبل قرن واكثر
حفظه لك,, وحفظه لنا,, هذا الكهل!!
كم تمنينا ان يكون معنا لنطلب منه:
اتدرون ماذا سنطلب منه؟
سنطلب لنا ولكم قصيدة جديدة!!
alkoon16 @hotmail.com
|