| مقـالات
الحياء شعبة من الإيمان كما جاء في الحديث الشريف, ولكن الحياء المقصود هنا يشمل جملة من مكارم الأخلاق التي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لإتمامها, ومنها غض الطرف عن المحارم والتعفف عن إتيان القبيح وإن كان حلالاً وعدم التخلف عن المروءات وإن كان التخلف مباحاً، وغير ذلك من الأعمال والأفعال الكريمة.
أما الخجل الذي نحن بصدده فهو ذلك الذي يعيق الإنسان في حياته ويجبره على المجاملة التي تضره وسلوك مسالك هو في قرارة نفسه لا يرضاها, وأعتقد أن كثيراً من الناس قد عانوا من ذلك في فترة من فترات حياتهم, ولست أتكلم عن الخوف العائم أو الرهاب الذي يعتبره بعض علماء النفس نوعاً من الخجل الشديد، بل أعني الخجل الذي يقل عنه درجة ويتدخل في حياة الإنسان ويجعل الآخرين يستغلونه.
أسباب الخجل:
للخجل أسباب عديدة منها الإيمان بقيم معينة مدفونة في اللاوعي وغائبة عن الوعي وتجبر الإنسان على قبول طلب معين أو سلوك مسلك معين بناء على رغبة الآخرين, وقد صادفتني، ولاشك أنها قد صادفت بعض القراء أيضاً، مواقف كثيرة من هذا النوع حيث أجبرت على الاستجابة لطلب أحد من الناس أو مجاملته في سلوك معين أو رفضت وعانيت من الندم ومن احتقار الذات والشعور بالصغر, ولما بدأت أبحث في داخل نفسي عن السبب الذي منعني من الاعتذار وجدت أن هناك قيماً راسخة في اللاوعي عندي تمنعني من التأخر عن الواجب, وبتحليل هذه القيم وجدت أنها معممة ولا تأخذ حساباً للظروف السائدة والزمن المتغير وطاقة النفس ومقدرتها وحقها على صاحبها.
وعلى ضوء ذلك التبصر قمت بمجهود لتصحيح هذه القيم لكي يكون فيها توازن وفقاً لمبدأ لاضرر ولا ضرار.
والسبب الثاني هو الشعور بالنقص فالشخص الذي يشعر بالنقص لديه رغبة ملحة في إرضاء الآخرين وخاصة الذين يعتبرهم أرقى منه، لأنه يخشى من الرفض, والخوف من الرفض وعدم القبول من الآخرين يدفعه إلى سلوك مسالك هدفها إرضاءهم ولو كان فيها مشقة ومخالفة لمبادئه.
وهذا النوع نادراً ما يأخذ مبادرة خشية ان لا تأتي النتائج كما ينبغي فينتقده الآخرون ويرفضونه، كما يحجم عن تصدر أية أوضاع يكون فيها الشخصية الرئيسية خشية أن يخيب آمال من دعاه فيأسف لدعوته, كما أن هذا النوع من الأشخاص تصيبه الرهبة إذا اضطرته الظروف لإلقاء خطاب أمام جمع من عدة اشخاص أو أجريت له مقابلة.
العلاج:
علاج الخجل كعلاج غيره من المشكلات النفسية يتطلب تبصراً ومقارنة مع الواقع وتفنيداً وقوة إرادة مدعومة برغبة في الشفاء ليقبل الإنسان نفسه كما هي ويظهر بها أمام الناس بلا رتوش أو تغطية، سواء قام بالعلاج طبيب نفساني أو قام به الإنسان نفسه إذا كان يملك حداً أدنى من المعرفة, ومحاولة تغطية العيوب لم تنجح قديماً ولا حديثاً، وقد قال الشاعر زهير بن أبي سلمى:
ومهما تكن عند امرىء من خليقة
وإن خالها تخفى على الناس تعلم |
ويمكن أن يأخذ العلاج مسارين يمثل الأول تعلم الجرأة والتمرن عليها, ففي كل موقف يواجهه يحاول أن يتصرف بما تمليه عليه ظروفه وإمكاناته لا ما يعجب الطرف الآخر ويحوز على رضاه وقبوله, وسوف يجد الأمر صعباً في البداية ولكن في كل مرة سيكون أسهل عليه من التي قبلها, وليحذر في هذه الحالة من انفراط القيد والانقلاب إلى تصرف تفقد فيه الكياسة, وهذا المسار وحده لايكفي فإذا كانت البنية التحتية مهزوزة فإن ردود فعل الإنسان نحو سلوكه سينقصها الاتزان والثقة ويصحبها التردد والندم.
فلكي تتم الفائدة يلزم المضي في الوقت نفسه في المسار الثاني وهو يشمل التبصر في النفس لمعرفة أسباب اكتساب الشعور بالنقص وعن القيم الخفية وإبرازها للوعي ومن ثم اختبار صحتها على ضوء الواقع والإطار الزمني الحالي, وتدريجياً سوف تبدأ في الاختفاء مالم تكن كبيرة وتحتاج إلى تدخل متخصص, ويفهم ضمناً من ذلك اعتراف الإنسان بهذه العيوب وقبولها وهو يمثل المرحلة الأولى والمهمة في طريق الحل والله الموفق.
mwabel@hotmail.com
|
|
|
|
|