الطائرة ممتلئة بالملامح,, بالوجوه المعلقة بين السماء,, والارض,, كأن تلك الملامح,, تلك الوجوه تمارس ذلك,, لاول مرة كأنها ما كانت,, كذلك,, قبل صعود الطائرة,, كأنها على الارض,, كانت تملك ارجلا ثابتة تمشي على الارض مرحا.
السماء عادة,, تعطيك فرصة للتفكير,, للتأمل,, او ربما للنوم,, لكن غيومها احيانا,, تخذلك,, تحاول الامساك بها,, لكنها تتقن الفرار,, تمارسه بدلال يحبطك.
وصلنا,, ليتنا لكل,, الاشياء التي نريد نصل,.
وصلنا اصبح بين السماء والارض,, درج متواضع لاحلام كبيرة,, لاشتياق اكبر,, او لاوهام شريرة,, متوهجة,, كالحقائق,, او لسخافات عقول افكارها مزعجة كمحرك الطائرة تماما.
جميعهم,, يهرولون,, كأن الهرولة,, لا تجري في دمائهم يهرولون ان الحياة تفرض علينا احيانا ولمدة محدودة ان نهرول في دهاليزها لكن بعد ذلك بعد المدة المحدودة تلك نحن نلهث بمفردنا دون قوة اجبارية لقد تعودنا وانتهى الامر جميعهم يختارون من الحقائب ما يريدون,, في الحقيقة هي حقائبهم,, لذا لا تعب في الاختيار ولا حرمان في التمني ,, اقدارنا التي لا حول لنا فيها ولا قوة,, مريحة دائما,, هي ترحم رؤوسنا من الارهاق.
أحدهم,.
صرخ في وجه صاحبه هو في الحقيقة ايضا يريد مناداته,, لكنه تعود الصراخ ,, لقد فقدنا حقيبة,, ولكن الحمد لله ما فيها شيء يستاهل ماهي مهمة .
جاء آخر مسرعا,, ماذا حدث؟ لقد فقدنا حقيبة انها حقيبة احمد الحمد لله ما فيها شيء,, ما فيها شيء .
كنت,, من خلال زجاج نافذة شفاف ابصر وجه الحياة التي لا تتعب من السخرية بنا بل انها لا تتعب من نصب مرايا نشاهد من خلالها سخريتنا بأنفسنا.
قلت بصوت عال,, مرتفع داخل نفسي,, اذا لم تكن الحقيبة مهمة لماذا حملتها معك .
واذ كان احمد,, لا يحمل اشياء مهمة,, ما فائدته وحقيبته؟!!
أليست الحياة تمجد المهمين,, صدقا, احيانا وانتفاخا دائما,, بديمومة القهر,.
لكنني تعلمت اننا دوما نرهق انفسنا بما لا نحتاج ونرهق احلامنا بما لا يفيد, ونطمئن اوهامنا بنصر قريب؟
هاهو ذا,, رجل تائه يريد الذهاب حيث الماء والخضرة,, والوجه الحسن ثلاثي الانتصار في هذه الحياة يريد الفرار اعتقادا منه ان لا احلام له في ارضه,, ربما هربا,, او ترفا,, او عجزا او,, او,, ضع في الاماكن الفارغة ما شئت ان الحياة اختيار من متعدد لنهاية واحدة!! .
أرجع البصر كرتين,, ينقلب إلي البصر وهو متعب حزين,, اعود لداخلي احدثني بصوت هو كالصدى!!
اننا لا نصل الى احلامنا متأخرين فقط وانما احيانا كثيرة مخطئين في العنوان المشكلة اننا نحمل لاحلامنا الخاطئة تلك كل ما نملك,, وما لا نملك.
ما نريد,, وما لا نريد,.
ما يهمنا,, وما لا يهمنا,.
حقائبنا الفارغة,, والمنتفخة,.
أحمد,, ولا احمد!!
تبا لكل الاحلام,, تلك التي تتحول مع الزمن الى احتمالات مجرد احتمالات,, تفزعنا,, تؤرقنا تلهب اعصابنا قرأت ذات مرة ان الانسان القوي,, هو الانسان أوحيد ترى,, أوحيد حتى من احلامه,, التي هي في النهاية قيد انيق يزداد سمكه كلما اخذتنا احلامنا حيث لا ندري.
وصلنا
ان تصل,, ما معنى ان تصل؟
وكل الامكنة التي تريدها,, لأصول في قوانينها كل الوجوه التي تريدها,, فرض عليها,, وحولها,, حضر التمعن فيها عن بعد,, لا اكثر؟!
ان تصل,.
هنا المشكلة ربما نتمنى احيانا ان لا وصول تمارسه علينا الحياة اجبارا.
نتمنى ان كل الطرق لا وقوف فيها,, لا اشارات ملونة,, تثير شهيتك للغضب,, اشارات لم توضع لتنظيم السير وانما لتنظيم ذاكرتك,, بما يبعثره التأمل احيانا,, بما يبعثره,, السرحان,, التوهان في مسافات لا وقوف فيها لكي تتسلط تلك الألوان الجريئة الأضواء,, على ما حاولت عتمة الذاكرة افساده!!
وصلت,, ولا مفر,, وصلت بذاكرة عرضها كعرض السموات والارض اعدت لمحترفي التعب ومتقني التلذذ به.
ذاكرة,, تسترجح ايام الفرح,, بمرارة الحزن,, ذاكرة تسير بمحاذاة الالم يضللها بظله,, ذاكرة,, لها قضبان,, كالسجن لا مفر منها ولا مهرب ذاكرة,, تدركك كالموت,, لو كنت في برج مشيدة ترى متى؟ في اي يوم؟ ستدركني في ذلك البرج المشيد وفي اي ساعة من ذلك اليوم,, سأنزع قضبانها واقتلها وفي اي دقيقة من تلك الساعة,, احتفل بعتقي واطلق جناحي للسماء.
اعود,, الى هنا,, موطن الذاكرة,, ورحمها الاول كل الاشياء هنا تمجد الذاكرة وتهتف لها,, بعمر جديد.
عاشت الذاكرة,, تعيش الذاكرة,.
يا الله,, وهل يعيش الا الذكريات صوراً جميلة,, متألقة,, للامس!! كلما عدت اليها وجدتها خارج دائرة الذبول,, خارج ذاكرة كان ,, ذكرياتنا انها الآن مع كميات خرافية من الحسرة والعجز,, عن الامساك بها!!
اعود هنا,, حيث منزلي الاول ,, واول منزل اعود وانا زاهدة في ان,, اغير عاداتي الاولى فيه ابدأ,, بورقة وقلم,, اريد كتابة شيء ما,, يدور في رأسي,, او ربما كتابة اي شيء لا يدور,, في رأسي وهذا الاصعب!!
تصرخ بي امي:اجئتي لتقرأي,, ياه يا امي,, اقرأ,, لا,, اني احاول الهروب!!
احاول فقط الهروب!!
من ذاكرية ملتهبة,, الى ذاكرة اكثر التهابا!!
اكثر توهجا,,اكثر حمما,, اغلق,, كتابي,.
وها انذا مرة اخرى,, انزل من درج متواضع لامارس الحياة حياتهم كيفما كانت,, مثلما يريدون باختصار شديد,, على مزاجهم ,.
مرة اخرى تصرخ امي في وجهي بعد كل الجهد الذي بذلته لارضائها !!
اغلقت الكتاب,.
وقررت ان اريح دماغي وافعل ما يريدون !!
تصرخ في وجهي بقوة,.
انتم مثل عيال الآخرة,, كل واحد منكم في جهة لا غذاكم واحد,, ولا نومتكم وحدة ولا جلستكم وحدة والله عيال آخرة .
تتركني وتذهب,.
وانا افكر في امر واحد لقد ارضيتها فلماذا تذهب؟
اصعد الدرج مرة اخرى اني اصعد الى ذاكرتي اصعد,, وانا اكرر ما قالته امي.
عيال الآخرة,.
لو تعلمين امي ان مشاعري منذ زمن بعيد,, اصبحت مثل عيال الآخرة فارة,, هاربة مذعورة لكل منها شأن يغنيها لكل منها واد تهيم فيه مشاعر فقدت منذ زمن كل ما يربطها بالعالم,, وسكنت قالباً من الثلج.
لكني الآن امي.
اعود اليك اعود اليك وانا احمل,, جنيناً صغيراً لمشاعر جميلة احس بها,, ولا اعرفها لو تعلمين امي,, اني اضع ذلك الجنين الصغير في رحم بسيط,, موطنه قاع اوردتي,, اخاف عليه امي,, من عيال الآخرة ان يفسدوه او يبعثروا توحده,, ان تنتقل اليه عدوى الانفصال!!
اخاف عليه امي فلقد فشلت مشاعري في اكثر من اختبار للتوهج للغد,, للحياة للحرية ولا اريد لجنيني الصغير اجهاضه مبكرة من عمر الحياة!!
دعواتك امي ان لا يدخل شعوري هذا زمرة عيال,, الآخرة ,, فيشوهوا معالمه ويصبح ذلك الشعور رمزا,, لانكسارات ثابتة,, ومزارا تتسكع فيه الذاكرة بلا رحمة !!
لا اريد ان احفر في ذاكرتي نفقا جديدا ينتهي بغرفة مظلمة,, تمتلىء بالصور التي تؤخذ لاحلامنا فيشمت فيها لحزن بعد ذلك لافراح محنطة تحولت لمشاريع فاشلة للفرح.
منذ وصولي وانا احاول إلهاء الذاكرة عن كل ما يثير التهابها,, ما يفسد عليها تأمل جنينها الصغير اكرر لنفسي ما قاله جبران خليل جبران:
النسيان هو الحرية,.
النسيان هو الحرية,.
النسيان هو الحرية,.
اصبحت عباراته نشيدي اليومي,, وقوتي الذي التهمه لتتخم قناعاتي به,.
ان تكون لك,, ذاكرة شامخة كالنخيل,.
واسعة كالنفوذ,.
راسية,, كالجبال,.
متدفقة كشلال.
غائرة,, كجرح في منتصف الروح,.
عندما تمتلك ذاكرة كتلك!!
يا رب, هل على رؤوسنا السلام,, ومن اين سياتي السلام!!
الآن!!
هنا,.
اتمنى ان تدفن ذاكرتي في الارض السابعة اشم رائحة احتراقاتها,, فابتسم,, ابتسم لانني اتذكر,, فقط,, فقط ان تلك التي تحترق ذاكرتي.
(2)
اليوم,, كان عيد الاصدق حسب التقويم ما زال يوم عيد,, قررت ان اكافىء نفسي بشيء ما رأس اطلقه للريح تبعثر منه ما تشاء وتبقي ان ارادت ما تشاء,.
نظرت,, الى نفسي في المرآة,, كل عام,, وانت بخير خُطت تلك العبارة على ورقة,, علقت على المرآة,, بدون,, اسم,.
بدون,, توقيع,.
وربما,, بدون نفس,.
ازحت الورقة,, تأملت تلك التي ظهرت على صفحة المرأة لم ارها منذ زمن لكنني سألتها,.
اكل عام,, وانا بخير !!
لم انتظر كلماتها الاجابة لقد كانت كل الكلمات لدي,, دون هدف,, او معنى!!
كل الامثلة لم تعد تنتهي بعلامات الاستفهام لتتقنها ان لا اجابة شافية,, لرأس ينافس الارض في دورانها حول,, نفسها,, حول لا شيء.
تركت تلك التي في المرآة,, ولا اعرفها,, عدت الى ذلك,, الشعور الجميل الذي سكن رحماً صغيراً في قاع اوردتي ذهبت اليه,.
وشوشته,, كل عام,, وانت تكبر بسلام,.
ابتسم لي,, فبكيت,, اراد ان يقول شيئاً لكنه آثر الصمت اهداني طوقاً من الورد,, تذكرت اني اهديت مثله لفرحي يوم كان الزمن جميلا,, وهاهو اليوم يقدمه لي,, لاقدمه,, لفرحي ترحما عليه!!
اغراني,, كي ابعثر اوراقه في الذاكرة,, اغراني ان انشىء اول مقبرة في ذاكرة اضع فيها خيطاً وابرة,, وجرح فشلا في رتقه ثم اردمها انشر عليها وريقات الورد تلك التي وضعها جنين المشاعر بين كفي وامضي للنسيان,.
للحرية,.
لحريتي!!!
غادة عبدالله الخضير
|