| مقـالات
اتجهت الحكم والأمثال منذ الجاهلية الأولى إلى الحث على الاجتماع ونبذ التفرق، ومع ذلك لم يستطع العرب تكوين قوة لها مكانتها بين الأمم، عن طريق الاجتماع، فقد فرقتهم الديانات المختلفة، والعصبيات الممقوتة، فالقَبَلَيَّة لها شأن كبير في تفريق العرب إلى كيانات قبلية، فعرب الجنوب يغيرون على عرب الشمال، وعرب الشمال يغيرون على عرب الجنوب, وتاريخ القبائل العربية معروف لكل مطلع على التاريخ والشعر, ولا أحب بسط القول في هذه المسألة خشية بعث القديم بين القبائل العربية، ولكنني أحب تسليط الضوء على فرقة العرب التي أساسها الديانات الوثنية، فلكل قبيلة صنم أو وثن، تعبده القبيلة أو تجعله وسيلة لعبادة الله، فهي تنتصر له، وسدنته من القبيلة نفسها، فجل العرب وثنيون قبل الإسلام، أما النصرانية فهي محصورة في فئات من العرب، وليس لهذه الديانة السلطة القوية على قبيلة عربية، أما ما أشار إليه (لويس شيخو) في (شعراء النصرانية) بأن جعل جل الشعراء في العصر الجاهلي نصارى فهو انتصار لملته النصرانية، وليس هناك دعم لحججه، وقد حاول الأحباش إدخال النصرانية الى جزيرة العرب إبان حكمهم لليمن، فبنى أبرهة الأشرم كنيسة بصنعاء سماها القَليس وقد شيدها بالرخام، وطلى أخشابها بالذهب وكتب إلى ملك الحبشة: إني بنيت لك كنيسة لم يَبنِ مِثلَها أحد، ولست تاركاً العرب حتى أصرف حجهم عن الكعبة، وقد أراد بعض العرب إهانة أبرهة، فدخل الكنيسة وأحدث فيها فغضب أبرهة، وعزم على هدم الكعبة فاستعد لذلك، وأحضر الفيل لتلك الرحلة الطويلة، وقد أمر برصف الطرق في الجبال ولا تزال أجزاء من رصف أبرهة باقية إلى الآن ولكن حلمه لم يتحقق بنشر النصرانية في الجزيرة العربية, ووثنية العرب تؤيدها الأصنام والأوثان المنتشرة في الجزيرة العربية، فلكل قبيلة صنم أو وثن، تعبده، أو تجعله وسيلة للتقرب إلى الله، ولا ينكر عاقل ما لكثرة الأصنام والأوثان، من أثر في تشتت العرب أما حمل الفرقة على العصبية القبلية وحدها فهو أمر ينقصه ما سأذكره من تعدد الأصنام والأوثان، والانتصار لها من قبل القبيلة التي تعبدها أو تتوسل بها، فسدنة الصنم من القبيلة، فهم يرتزقون من صيانته وحفظه، فالأنعام تهدى له، والذبائح تنحر بجواره، والنّذُور تؤدى له، وكل تلك أموال ينتفع بها في الجاهلية، فالعُزَّى لقريش، في وادي نخلة بين مكة والطائف، وهي شجرة سَمر بُنيَ بيت بجوارها، وسدنتها من بني سليم، وكانت قريش تعظمها, فإذا طاف الرجل بالكعبة أخذ يقول: واللاتِ والعزى ومناة الثالثة الأخرى، فإنهن الغَرَانيق العُلَى، وإن شفاعتهن لترجى وقد ارسل النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العُزَّى،فقطع الشجرة، وأحرقها، وهدم البيت, و(وُدّ) صنم لقبيلة كلب في دومة الجندل، وسُوَاع لهذيل في ينبع وسدنته لحيان، ويغوث لمذحج في جرش، وجرش اليوم أطلال وبقايا مدينة في الجنوب الشرقي من أبها، ويَعُوق لِخيوان وهي قبيلة يمنية، ونَسر لحمير، ومناة بقُدَيد بين المدينة ومكة على ساحل البحر وهو للأوس والخزرج، وقد هدمها علي رضي الله عنه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وَفَلس صنم لطيء هدمه علي رضي الله عنه، واللات وهي صخرة مربعة في الطائف وهي لثقيف، وقد بني عليها بناء، وقد هدمها المغيرة بن شعبة، وهُبَل لقريش وهو في جوف الكعبة، وقد صنع من عقيق أحمر على صورة إنسان، وإساف ونائلة صنمان لقريش، وكانا من حجر، واحد بجوار الكعبة والآخر في زمزم، ومناف صنم لقريش، وسعد صنم لكنانة بساحل جدة، وذو الكُفَين لدوس، وذو الشَّرَى لبني الحارث بن يشكر من الأزد، والأُقَيصر صنم لقضاعة ولخم وجذام وعاملة وغطفان، وهو في قرية مشرفة على الشام، ونِهم صنم لمزينة، وعائم صنم لأزد السراة، وسُعَير صنم لعنزة، وعُميَانس صنم لخولان، واليعبون لجديلة طيء، وبَاجِر للأزد وطيء وقضاعة، ولبني الحارث بن كعب بنجران كعبة يعظمونها، وكان بنو مليح من خزاعة يعبدون الجن, وقد شاعت الأسماء المرتبطة بالأصنام في أحياء العرب مثل: عبدالعزى، وعبديغوث، وعبد مناة، وتيم اللات، وعبد مناف، فلما توحدت العبادة توحد العرب.
د, عبدالعزيز ابن محمد الفيصل
|
|
|
|
|