أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 5th February,2001 العدد:10357الطبعةالاولـي الأثنين 11 ,ذو القعدة 1421

عزيزتـي الجزيرة

حين لا ينفع الرتق ولا الخياطة ولا الرقع!!
ولماذا تريد العودة إلى القيود والأغلال؟
عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,, وبعد:
فقد قرأت قصيدة بعدد سابق من الجزيرة وبصفحة عزيزتي الجزيرة بعنوان عودي للشاعر الاستاذ زكي السالم أعرض لها فيما يأتي:
1 عودي، سألتك بالأسى
وبكل آهات الصدودِ
أولاً : لابد أن نعرف لماذا هربت منك، وسببت لك الأسى، ولماذا صدَّت عنك وجعلتك تحترق بالآهات.
ثانياً: ان كانت فرت منك لسبب قوي منك فما أظنها تعود، قال الشاعر:


إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد
إليه بوجه آخرَ الدهر تُقبلُ

ثالثاً: إذا كانت فرت منك فلن تعود حتى لو كانت راغبة هكذا كرامة الأنثى: أما سمعت ما شدت به كوكب الشرق أم كلثوم:


أنا لن أعود إليك مه
ما استرحمت دقات قلبي
أنت الذي بدأ الملا
لة والصدود وخان حبي
فإذا دعوت اليوم قل
بي للتصافي لن يلبي
2 وبكل شكوى بثها ال
مشتاق من ألم الوعودِ

وإذا كانت يا صاحبي تعدك بالعودة فهي مجاملة، فهذه مواعيد الليل يمحوها النهار، قال الشاعر:


فقلت: الوعد سيدتي، فقالت:
كلام الليل يمحوه النهارُ

وخُلف الوعد في هذه الأمور مطلوب من المحبوبات، قال كثير عزة:


قضى كل ذي دَينٍ فوفّى غريمه
وعزة ممطولٌ معنّىً غريمُها

وقال أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم لعتبة بعد أن يئس من وصالها:


يا عتبَُ سيدتي أما لك دينُ
حتى متى قلبي لديك رهينُ

واعلق على هذا البيت: ان عندها دينا والحمد لله هو الذي يحصنها من مجاراة الشاعر, ثم قوله يا عتبَُ: هذا يسمى الترخيم وهو حذف آخر المنادى,, قال ابن مالك في الألفية:


ترخيماً احذف آخرَ المنادى
كيا سُعا فيمن دعا سعادا

وأما الحرف قبل المحذوف إذا كان متحركا مثل عتبَة، فاطمَة، قالوا يجوز الفتح والضم فتقول: أفاطمَ، أفاطمُ، قالوا في الأول: على لغة من ينتظر أي ينتظر رجوع التاء المربوطة وفي الآخر: على لغة من لا ينتظر (يئس من رجوع التاء المربوطة) ولله في النحويين شؤون,, واخواننا المصريون شديدو الولع بالترخيم فينادون أحمد (يَحمَ)
ونعود إلى بقية أبيات ابي العتاهية (إسماعيل بن القاسم) اليائس من وصل عتبة:


وأنا الذلول لكل ما حملتِني
وأنا الشقيّ البائس المسكينُ

وأقول له:
(انت اللي جبته لروحك، وبيدك لا بيد عمرو)
وأنا الغداة لكل باكٍ مُسعد
ولكل حِبٍّ صاحب وخدينُ
(والمسعد الذي يشارك بالبكاء والنواح لا الذي يخفف ويسرّ ويُسعد والحِبّ الحبيب والخدين الصاحب)


لا بأس ان لذاك عندي راحةً
للصب ان يلقى الحزينَ حزينُ

(والصب المشتاق المحب, وشكوى العلة لمن يشكو منها يريح الشاكي والمشكوَّ إليه).


يا عتبُ أين أفر منك (حبيبتي)
وعليَّ حصن من هواك حصينُ

(وهذا الحصن جعل أبا العتاهية يقبع فيه محاصراً لا فكاك)


3 وبكل حرقة عاشق
يكوى بنيران الجحودِ

لو قال: بحرقة كل عاشق لكان أحسن.
أما عن حرقة العشاق والمحبين فحدث ولا حرج، وهم يحسبون الحرقة والحريق كلاماً يقال، هذه أم كلثوم مرة ثانية غنت من كلمات بيرم التونسي أتألِّب (أَتَقلَّب) على جمر النار وهذا الراحل عبدالوهاب غنى من كلمات أحمد شوقي رحمه الله:


فحرقنا نفوسنا
في جحيم من القبل

فجعل القبل التي يتبرد بها العاشقون جحيما, وهذا فناننا محمد عبده يشدو قائلاً: باتِقَلَّب على جَمر الغضا وحرائقهم هذه لا تطفئها سيارة الاطفاء وإلا لكنا استدعينا لهم الدفاع المدني ت 998، وكانت نجاح سلام الفنانة اللبنانية قد شكت لأمها وبيّها (أبيها) من الحريقة في قلبها، طالبة استدعاء الاطفائية قالت في أغنية جميلة (طواها التاريخ فيما طوى):
يا إمّي ويا بيّي
دَخلَ الله تعوا لَيّي
(تعوا ليِّي: اي تعالوا إليّ)
بألبي والع حريأة
جيبوا لي الاطفائية
(بألبي: بقلبي، حريأة: حريقة)
(وأنا أعرف الاطفائية التي تريدها فهي وصال حبيب القلب)
وكان الملحن أدخل في لحن هذه الأغنية صوت سيارة الإطفاء.
وأقول للمحرَّقين: جربوا أن تجلسوا دقيقة فوق فرن الغاز وبعدها تغنَّوا بحريق الشوق والحب كما تشاءون.
وأعود إلى البيت لأسأل الشاعر اللحوح الولهان: لِمَ الجحود وماذا قدمتَ لها من عوارف الإحسان لتجحدك؟ وغريبة: كنا في الصدود وصرنا إلى الجحود.
4 عودي فإن خيالك المشدو
دَ للأفق البعيدِ
5 قد عاد أرهقه الظما
من بعد حلم بالورودِ
أما وقد عاد خيالها الذي كان بعيدا بُعد الأفق فتصبَّر به فقد قالوا: الرائحة ولا العدم , وإذا عاد لك خيالها (طيفها) فاستعدّ للسهر، حتى اني أرجو لك أن تصل إلى درجة استجداء خيالها للرحيل كي تنام:


قولي لطيفك ينثني
عن مضجعي وقت المنام
كي استريح وتنطفي
نار تأجَّجُ في العظام

* * *


قولي لطيفك ينثني
عن مضجعي وقت الرقاد
كي أستريح وتنطفي
نار تأجَّجُ في الفؤاد

* * *


قولي لطيفك ينثني
عن مضجعي وقت الهجوع
كي استريح وتنطفي
نار تأجَّجُ في الضلوع

***


قولي لطيفك ينثني
عن مضجعي وقت الوَسَن
كي أستريح وتنطفي
نار تأجح في البدن

***
ثم قولك: قد عاد أرهقه الظما: والإرهاق من التعب لا من الظمأ.
بعد حلم بالورود: كل هذا البيت كلام جميل بلا مضمون منطقي, وان كنا لا نريد منطق ارسطو بل نريد المعقولية والمعنى الذي يمكن ان يُشرح أو يُفَّهم.


6 عبثا يفتش قلبك ال
موجوع عن حب جديدِ

وكأن الحب شقة خالية يبحث عنها قلبها, يا أخي الحب الحقيقي (على رأي المطرب محمد فؤاد) لا يحول ولا يزول (بيعلمنا نسامح بنسّينا امبارح)
الحب الحقيقي كما قال طلال مداح (رحمه الله) (عن ذي الرمة):


لقد رسخت في القلب منك محبة
كما رسخت في الراحتين الأصابعُ

واظن الاصابع في راحة اليد لا سبيل لخلعها إلا بالاستئصال والبتر (والعياذ بالله).
وقال ذو الرمة أيضاً:


أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى
فصادف قلباً خالياً فتمكنا

ولا بأس بهذا الشاهد العظيم للفنان الراحل (المونولوجست) محمود شكوكو:
الحب في القلب زي الرز في الكوسه
ياليل قل للحبيب هات,,.
7 كلا فلن تجدي مكا
ناً مثل قلبي في الوجودِ
وما أدراك؟ ولم هذه الأنانية؟ ثم انها لا تريدك فلم لا تقول لنفسك ما شَدَت به الراحلة أم كلثوم (أيضا): أصون كرامتي من قبل حبي .
كما أن هناك من له قلب أوسع من قلبك بكثير, قال عمر بن الفارض:
لقد صار قلبي قابلاً كل صورةً
,,, ,,, ومرعى لغزلان
فهل قلبك اوسع من مرعى الغزلان؟


8 يا فاتناً: هل مات حب
ك وهو في عمر الورودِ

نحوياً: حتى تنصب المنادى النكرة المقصودة يلزم ان تأتي بعده بجملة وصفية والا فهو مبني على ما يرفع به، وفي حالتك مبنيٌّ على الضم فيلزمك ان تقول: يا فاتنُ.
ثم انك كررت كلمة الورود في بيتين ولم يفصل بينهما سوى بيت واحد فهل انقرضت الألفاظ العربية الدالية.
أما عن عمر الورود فلو كانت اصطناعية (من البلاستيك) لدامت طويلا.
وهذا البيت يذكرنا ببيتي قصيدة من اجل عينيك التي شدت بها ام كلثوم وهما:


يافاتنا لولاه ماهاجني
شوق ولا طعم الهوى طاب لي
هذا فؤادي فامتلك أمره
فاظلمه ان احببت اوفاعدل
9 هل اسلمته يد المن
ون إلى متاهات اللحودِ؟

وإذ قلبتها نكداً وهماً وغمّاً وحزناً وموتاً أقول لك ان اللحود معروفة موجودة ليست تائهة, ويد المنون هذه استعارة مكنية: شبه المنون بإنسان امرأة مثلا لها يد، حذف المشبّه به (المرأة) أو كنّى به.


10 هل أطلقته مكرَّماً
أم ظل يرسُف في القيودِ

ولما كانت قيوداً وأغلالا فاحمد الله على الحرية والعافية، ولماذا تريد ان ترجع لها؟ ثم انك قلت أو تساءلت عن الحب هل مات والموت النهاية فما بعده لا قيود ولا اغلال وهو الحرية المطلقة فلا استعباد بعده.


11 عودي فقد شُقَّ الفؤا
دُ لكِ وهيا للمزيدِ

أولاً : من جهة الوزن تحتاج لاشباع لكِ لكي تصير (لَكِي).
ثانياً : شُقّ الفؤاد كأنه خرقة، يا أخي اتق الله في قلبك، فلو كان فيه ثقب لاحتجت إلى عملية القلب المفتوح, وأنا عبر صحيفتنا الجزيرة وصفحتنا العزيزة أوجه نداء عاجلاً إلى الدكتور محمد الفقيه رائد عمليات القلب المفتوح في المملكة ان كان لشق القلب عملية علاج وخياطة فليفدنا مع شكرنا الجزيل له سلفاً.
ثالثاً: وهيّا للمزيد: للمزيد مِمَّ من الشق؟ لم يبق إلا ان ينقسم القلب شطرين أو أكثر, وهنا لا ينفع الرتق ولا الخياطة ولا الرقع:


يا عمرو قل للقمر الطالعِ
اتسع الخرق على الراقعِ
لا نسبَ اليومَ ولا خلّةٌ
اتسع الخرق على الراقعِ
المرء يجمع والزمان يفرّقُ
ويظلّ يرقع والخطوب تمزقُ
12 وتوزعت فيه الرؤى
حيرى، تفتش عن فقيدِ

وتوزعت فيه: في ماذا؟ في الفؤاد لا ارى مرجعاً للضمير في البيت غيره.
الرؤى جمع رؤية (بالنظر) ورؤيا (بالمنام)، كما تصلح الرؤيا بالنظر الحقيقي:
قال الفرزدق:


فكبّر للرؤيا وهش فؤاده
وطمأن نفساً كان قبلُ يلومُها

والرؤيا هنا (في بيت الفرزدق رؤية البيت الحرام).
والفقيد هو الحب عسى الا تجده فتلك راحة.
وقد قيل: اليأس احدى الراحتين .


13 حتى خرجت بوجهك ال
وضاء من خلف الحدودِ

والوضّاء: من الوضاءة والاشراق والضوء والبياض، والمؤمنون يبعثون غُرّاً محجلين من الوضوء، فالوضوء يكسب صاحبه وضاءة ونورا.
أما هذه الحدود فإن كانت بين بلادنا العربية فلا مشكلة فالأمة العربية وحتى الإسلامية حدودها يسهل دخول مواطنيها منها الى غيرها أما إذا كانت حدوداً مع بلاد أجنبية فهذا يعني ان الحبيبة أجنبية فلم هذه الورطة؟


14 وبقدك الفتان يز
هو مائساً بين القدودِ

وهذا ذكرني بصباح فخري الفنان المطرب السوري المعروف المسمى فتى الشهباء وأغانيه المسماة بالقدود الحلبية، والشهباء هي مدينة حلب وكنت أظن الشهباء صفة جميلة أو صفة مدح حتى سمعت انه عند منطقة حلب كان لرجل بقرة شهباء فحلبها فقالوا: حلبَ الشهباء فسميت حلب الشهباء ما علينا ولا يزعل أحباؤنا أهالي حلب فمِنهم سمعنا هذا التعليل.
أما فتى الشهباء الفنان صباح فخري فقد كان فتى في غابر الزمان وكان داخلاً في حد الظباء أما الآن فقد دخل في حد الابل: قال الشاعر:


الآن جئت وقد علا
ك الشيب في خدٍّ مَحَل
وخرجت من حد الظبا
ء وصرت في حد الابل
الآن تخطب ودنا
عد للعداوة يا خجل

(هذه الأبيات مذكورة في مقامات بديع الزمان الهمذاني وأتيت بها للاستشهاد فقط بالظباء والابل ولا علاقة لنا ولا لصباح فخري بالعداوة والود).
وعلى فكرة فإن صباح فخري ماشاء الله مازال يغني ويرتفع صوته كثيراً دون ان يحمر له وجه أو ينتفخ له عرق في رقبة، وكأن الذي يغني غيره, كما انه مع دخوله حد الابل إلا أنني رأيته قريباً يغني ويرقص ويلف ويدور على المسرح وكأنه مازال في حد الظباء.
أما القدود الحلبية فمنها هذا القد الذي يغنيه صباح فخري (فتى الشهباء) المذكور:


قدك المياس يا عمري
بغصين البان كم يزري

(مع ان المطربين يقولون: يا غصين البان كاليسر) تحريف عجيب


وانت أحلى الناس في نظري
جل من سواك يا قمري

أو (عمري)
والقد في مختار الصحاح بما يناسب ما نحن فيه القامة
والمياس المتبختر، والمائسة الزهرة


15 وبشعرك الذهبي يح
كي روعة الحب الوليدِ

والظاهر أنها استجابت لإلحاحك وعادت، أم هي محض خيالات وأمنيات، بعد أن يأَّستَنا أنت ويأَّسَتنا هي من العودة (أو أنها على طريقة الحكايا والحواديت: وعاشوا في تبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات ، أو الأفلام العربية التي تنتهي بلم الشمل غالباً وزفة العروسة).
أما شعرها الذهبي الذي يحكي روعة الحب الوليد: فهل هو أشقر أصفر ذهبي أصلاً، أوَلم تغيره فترة الصدود والجحود الطويلة؟
أم أنه شابَ فصبغته؟
أم أنها من خارج الحدود العربية والإسلامية لغلبة الشعر الأشقر هناك وندرته لدينا؟
وهل الحب الوليد بعث من جديد فهو وليد، أم أنه حب جديد من باب التغيير؟


16 وأنا من الشوق المبرح
رحت أهزأ من قيودي

وكررتَ القيود وهذا لا يجوز كما قرر العروضيون والنقاد القدامى في أقل من سبعة أبيات.
ثم رحت تهزأ من قيودك التي لا نعلم ما هي حيث ذكرت سابقاً انها قيود الحب هل رحت تهزأ منها بالكلام فقط دون العمل على تحطيمها على طريقة البدوي الذي سُرقت ابله فلما سئل ماذا فعل: أجاب: أوسعتُهم سبّاً وأودوا بالإبل


17 فأظل أحطمها وأع
دو نحو قلبك من جديد

ستظل تحطمها إلى متى، وكم مرة، وستعدو نحو قلبها من جديد، بعد أن خرجت إليك بوجهها الوضاء وقدها الفتان وشعرها الذهبي, وكنت أخبرتنا أنها لا تريد العودة في أكثر أبيات القصيدة.
ويكفي هذا:
على أن القصيدة جميلة الألفاظ مفهومة غالبا موزونة إلا القليل النادر وما على الشاعر مما قلنا شيء.
شاكراً للشاعر الأستاذ زكي إبراهيم السالم ولجريدة الجزيرة المباركة، وصفحتي عزيزتي التي فيها من القراء مشاركة والقراء الكرام,,, والسلام ختام.
نزار رفيق بشير
الرياض

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved