| مقـالات
بعد مقال الأسبوع الماضي عن شفافية الأمن وحساسية الإعلام أعود مرة أخرى للكتابة من زاوية أخرى في نفس الموضوع,, هذه المرة عن الواجهات الحضارية التي تمثلها المؤسسات الأمنية في المملكة، وكيف ان هذه الشخصيات اصبحت نماذج ينبغي ان تقتديها الشخصيات الأمنية في المجتمعات والدول الاخرى,, فالحاجز النفسي الذي عادة ما يفصل الأمنيين عن المواطنين يتلاشى مع وجود شخصيات أمنية تخاطب الناس بكل صراحة وبكامل الود والحب,, وهي تكرس مفهوم أن الأمن هو منا ولنا,, والأمن هو للناس والمجتمع,, وهكذا فإن أمن العقاب والتهديد الذي تعيشه بعض الدول هو غير موجود والحمدلله,, وبديلا عنه نعيش أمن الحرص والمسؤولية وسلامة المقاصد والأهداف المتوخاة دائما من كل خطوة نخطوها أو اجراء نتخذه.
مؤسسات المجتمع في المملكة أياً كانت هذه المؤسسات هي كيانات عضوية تتفاعل مع الناس وترسم لها صورة ذهنية تمثلها في المجتمعات، سواء كانت تلك الصور سلبية أو ايجابية,, وفي الشأن الأمني فقد نجحت الشخصيات القيادية الأمنية في أن تتواصل ايجابا مع المواطن في الداخل والمهتم في الخارج في كثير من المناسبات والمواقف والأحداث,, وأصبحت هذه الشخصيات تمثل الواجهة لهذه المؤسسات الأمنية، وهي التي تخلق الصورة العامة لتلك المؤسسات,, وأصبحت رموزا أمام أجهزة الاعلام وفئات المجتمع المختلفة,, فعندما يطرأ موضوع أو يستجد موقف عادة ما يهرع الاعلاميون ويتوجه المواطنون الى هذه الشخصيات التي تكشف خفايا وملابسات الحوادث، وتعطي التفاصيل والوقائع,, وهكذا مع مرور الوقت تكون هذه الشخصيات قد أخذت مكانها في قلوب الناس وأصبحت تمثل نماذج واعية في منظومة الأمن الوطني,, واصبح الحديث معها أو عنها مباشرة أو عن طريق وسائل الاعلام نموذجا أخويا وعلاقات ودية تنشأ في اطار الاحساس العام بالمسؤولية والتدفق المخلص بالحب والمودة الأخوية التي تربط بين المسؤول والمواطن,, الأمن والوطن,, والمؤسسات والمجتمع.
وهنا في المملكة استطاعت المؤسسات الأمنية عبر بواباتها الرئيسية التي تمثلها الشخصيات القيادية أن تؤسس لها مصداقية عالية ومساحة مميزة في وعي الناس وهمومهم وهواجسهم,, ويمثل الأمير نايف بن عبدالعزيز الواجهة الأولى للأمن ليس الوطني السعودي فقط بل الأمن العربي بكل تعقيداته واختلافاته وتنوعاته وتدرجاته,, فمن خلال تأسيسه المحلي لقضايا وتكريس مفاهيم الأمن الشامل وارتباطات الأمن بمؤسسات الاعلام والأسرة والمجتمع، استطاع الأمير نايف الرئيس الشرفي لمجلس وزراء الداخلية العرب أن يؤسس مفهوما جديدا للأمن العربي يلقي بظله واضحا على المواطن العربي وقضاياه الداخلية ويرسم ويعيد رسم وبناء علاقات حميمية بين المؤسسات الأمنية والمواطن العربي,, وهكذا يعلن مؤكدا ومجددا ما سبق أن اعلنه في غير مناسبة ان الاعلام والأمن هما صنوان,, يلتقيان في مصلحة وطنية عليا ويفترقان في انقسامات واختلافات على المصلحة القومية أو الوطنية,, وهكذا فرجل الأمن العربي الأول نايف بن عبدالعزيز أصبح ممثلا لكل الأمنيين العرب وأصبح واجهة حضارية لكل مؤسسات الأمن العربي,, كما أصبح هو الداعي الرئيسي لمفاهيم جديدة وتكريس قيم حديثة لدور الاعلام في المسائل الأمنية، وما ينبغي عمله اعلاميا واتصاليا في سبيل خدمة قضايا وهموم المواطن العربي.
وفي تونس، جدد الأمير نايف دعوته للقيادات الفكرية والثقافية والاعلامية العربية في أن تقوم بدورها الوطني والقومي في سبيل تعزيز القيم الأمنية وتكريس مفاهيم المواطنة الصادقة والانتماءات العربية المخلصة,, ودعوة سمو الرئيس الشرفي لأعلى سلطة أمنية في العالم العربي تحتاج الى وقفة متأنية وتفعيل مخلص وتأسيس واعٍ من أجل ايجاد آليات وبرامج تسعى الى ترابط وتزامن الحركة الأمنية مع الحركة الفكرية والثقافية من خلال مؤسسات وأجهزة الاعلام العربي,, ولا نريد أن يفوتنا نحن الاعلاميين والمثقفين فرصة ومناسبة دون تأكيد أهمية هذا التوجه الرسمي الذي مثله الأمير نايف وطنيا وعربيا ودوليا,, وربما أن الجهود المتوقعة القادمة ينبغي أن تصب في هذا الاطار العام والسياسة الواعية,,وحيث قد اقترح موضوع مقالي السابق فكرة لقاءات دورية للأمير نايف مع رموز الثقافة والفكر والقلم ممن يوجدون على صفحات الاعلام المختلفة من اذاعة وتلفزيون وصحافة ومجلات وأكاديميات متخصصة، وذلك بهدف تعميق هذه المفاهيم الأمنية وترسيخ مبادئ وقيم وطنية لتعزيز الشأن الأمني بما يواكب طموحات المسؤولية العليا، ويعزز قناعات المواطن بأهمية الدور الأساسي له في الدعم والتواصل مع المؤسسات الأمنية,, وتحديدا في التوظيف الواعي للمواطنين كرجال وأطفال ونساء أمن ينضوون تحت مظلة الأمن الوطني الشامل لهذه البلاد,, وهذه المهمة تحتاج الى جهود كبيرة من قبل المختصين للاضطلاع بهذه المسؤوليات الجسام التي تتحقق ليس من خلال لقاء واحد أو برنامج معين ولكن من خلال حركة واسعة وحملات شاملة تستمر لسنوات من أجل تأسيس هذه المهمة التي ينتفع منها ليس فقط الجيل الحالي الذي نعيش يومه وغده القريب، ولكن الأجيال القادمة والمستقبل البعيد بإذن الله تعالى.
وكما هو واضح من خلال تجارب الأحداث وخبرات الوقائع الماضية، فإن الصورة الأمنية لنا في الداخل والخارج غير واضحة أحيانا، وتحتاج الى تركيز أو اعادة رسم لجزئياتها وعرض لتفاصيلها المختلفة,, واذا كان الأمير نايف قد وضع السياسات الأمنية العليا، ويتابعها دائما بجد واخلاص وتفانٍ سمو نائبه الأمير أحمد بن عبدالعزيز وسمو مساعده الأمير محمد بن نايف فإن المسؤولية تكون أمام القيادات التنفيذية لمختلف القطاعات الأمنية في أن تواكب هذا التوجه وتعمل على بناء الصورة التي ينبغي أن تكون والنموذج الذي يحتاج الى محاكاة، بما يحقق مصلحة الوطن وأمن المواطن على هذه الأرض,, ولدينا المكونات والعناصر الأساسية لهذه الصورة التي نتحدث عنها ولكنها تحتاج الى جهود أخرى مضاعفة لتعميق قيم الأمن ومفاهيم السلامة لدى كل الناس وكافة المؤسسات وفي كل المناطق والاتجاهات.
وفي خضم التداعيات التالية التي أفرزتها لقاءات واجتماعات الأمير نايف مع القيادات الاعلامية وتصريحات وأحاديث الأمير مع وسائل الاعلام العربية والدولية، فإن مؤسسات الاعلام في المملكة بشكل خاص تحتاج الى أخذ مبادرات حقيقية في هذه المسألة، ولا يجب أن تقف فقط كمتلقٍ منصت وناشر أمين لما يقال، دون ان تكون هناك تحقيقات واقعية لهذه التوجهات الواعية لدى المؤسسات الأمنية في المملكة,, ولاشك ان وجود استراتيجية أمنية شاملة، على كافة المستويات وبمشاركة القطاعات المعنية في الأجهزة الأمنية وباسهامات واضحة من ادارات ومؤسسات وأكاديميات من خارج النطاق الأمني تساهم جميعها ليس فقط في وضع وتوضيح السياسات الأمنية في المملكة، بل تفعيلها على الوجه الأكمل بما يخدم المصالح الوطنية والاقليمية والعربية,, وربما أن السياسة الاعلامية التي وضعها المجلس الأعلى للاعلام برئاسة سمو الأمير نايف تكون بمثابة خطوط عامة توجه أيضا السياسة الأمنية للمملكة,, ويمكن أن تكون هذه السياسات التي تعبر عن الاستراتيجية الأمنية الشاملة بمثابة منطلقات جديدة لدور أمني واعٍ يواكب متغيرات المرحلة الجديدة ويتسق مع مستجدات الظرف الأمني والوضعية الجديدة لتناول وتخطيط ومعالجة القضايا والمسائل الأمنية ومجهودات السلامة والوعي العام.
|
|
|
|
|