أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 5th February,2001 العدد:10357الطبعةالاولـي الأثنين 11 ,ذو القعدة 1421

مقـالات

تجربة
د, عبدالإله بن سعد بن سعيد
أريد أن ابدأ قصة تجربة مررت بها، بإزجاء أسمى آيات الشكر، والتقدير، والعرفان لصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية ورئيس مجلس القوى العاملة، وراعي السعودة في بلادنا, الذي كانت لتوجيهاته السديدة اكبر الاثر في اتاحة الفرصة لشباب بلادنا للعمل في مجالات القطاع الاهلي, خصوصاً القرار الأخير لسعودة اسواق الخضار الذي كانت نتيجته أن رأينا السواعد السعودية وهي تعود الى المجال المهني بقوة وحماس، ومعنوية مرتفعة, بعد ان غابت عنه فترة طويلة من الزمن لاسباب لا مجال لذكرها الآن, ولا جدال ان قرار السعودة هذا اثلج صدور المواطنين على اختلاف اعمارهم وجنسهم وفئاتهم، لما له من انعكاسات حميدة وآثار ايجابية تظهر لنا يوماً بعد يوم, وكلنا امل وتطلع وطموح ان تسعود مجالات مهنية اخرى بعد ان تدرس دراسة متعمقة ويتم التعرف على جدواها من خلال المراكز البحثية المتخصصة في مثل هذه المجالات.
والسؤال الذي مر في ذهني هو هل عزف العنصر السعودي عن العمل اليدوي حقاً بعد ان كانت المهن اليدوية في الزمن الماضي حكراً عليهم ولم يكن هناك ثمة اجانب يعملون في هذه المهن؟؟ واذا اتفقنا على ان الاوضاع الاقتصادية الجيدة والرخاء الذي عم البلاد في الحقبة الزمنية الحالية وهي نعمة انعم الله بها على بلادنا، كانت من اهم الاسباب التي جعلتنا نستعين ببعض العمالة من بلدان اخرى لتقوم بالاعمال المهنية المختلفة ما دمنا قادرين على تحمل اجور تلك العمالة الاجنبية وفي نفس الوقت نفرغ شبابنا للاتجاه الى التعليم في كل المجالات للاستفادة منهم مستقبلاً وهذا في رأيي توجه جيد.
معظم الدول المتقدمة حضاريا مثل امريكا ودول غرب اوربا يقوم بالاعمال المهنية فيها عمالة اجنبية، على ان الوضع في المجتمع السعودي نحو الاتجاه لجلب العمالة اخذ في الازدياد سنة بعد سنة وبشكل مزعج وشمل كل المجالات الفنية وغير الفنية مما هدد كثيرا من مصالح العامل والفني السعودي بسبب المنافسة القوية في الاجور, الى جانب ذلك فالوقت الذي توفر للمواطنين على اختلاف فئاتهم العمرية لم يستغل الاستغلال الجيد في التعليم فنسب الخريجين في الجامعات السعودية على الرغم من ارتفاعها في كل عام الا ان غالبيتهم من الكليات النظرية, هناك عزوف ملحوظ وعدم رغبة في ممارسة العمل اليدوي سواء داخل المنزل او خارجه, وإذا افترضنا ان ذلك صحيح الى حد ما، فما هي ردة فعل احدنا اذا وجد نفسه فجأة مضطراً لاداء عمل يدوي مثل تغيير إطار السيارة او اصلاح قفل باب في المنزل أو بعض الاعمال المنزلية الاخرى؟؟ من المؤكد ان فئة كبيرة من الناس سوف لن تفعل ذلك وسوف تلجأ الى طلب المساعدة مباشرة, وهذا النوع هو الذي اوجه اليه سؤالي, فما المانع أن يحاول الفرد تعويد نفسه على أداء بعض المهن اليدوية البسيطة مما يطلق عليه عالمياً اليوم بمصطلح شائع do it your self قم بعمله بنفسك, هل تقف القناعة الشخصية أو الوضع الاجتماعي أو المركز الوظيفي عائقاً امام مثل هذه التجارب؟؟!! ان الموضوع اعمق بكثير مما يعتقده الكثير منا, فهناك جوانب في حياتنا قد لا يفكر فيها البعض إلا عندما تطرق بابه فجأة كالإحالة على التقاعد مثلاً,, فماذا يفعل المحال على التقاعد؟؟ اين يتجه؟ وما هي المهن التي يمكن القيام بها للقضاء على الملل والسأم الذي لا محالة حال به بعد ان كان ملء السمع والبصر في الوظيفة هل يتجه الى التجارة؟ ام الى الزراعة؟ ام الى الرعي؟ ام هل ينتهي به المقام الى الجلوس في المنزل او دور المسنين؟!
اعود الى تجربتي الشخصية التي ابعدتك عنها تاركاً لك الاجابة على التساؤلات السابقة, في مزرعتي البسيطة تعود العمال لدي الذهاب الى السوق في كل صيف لبيع محصول التمور بعد جنيه, في الصيف الماضي وبعد ان صدر القرار التاريخي الحكيم بمنع غير السعوديين من بيع المنتجات الزراعية وجدت نفسي فجأة مضطراً للتصرف وباسرع وقت في مواجهة الموقف, والحق انني اصبت بحيرة، وتردد، وقلق اذ لا يمكن مخالفة النظام بأي حال من الاحوال، ولا يمكن تركها تتعرض للتلف, ابني الذي لا يتجاوز عمره الرابعة عشرة بدد حيرتي وطلب مني السماح له بخوض التجربة في البيع فنحن في الصيف والمدارس مغلقة وافقت له في الحال فهي فرصة ذهبية وتجربة سوف يستفيد منها دون جدال, تم تحميل المحصول في سيارة مخصصة لذلك وانطلقت الى السوق ومعها ابني.
تبعتهما بنفسي لمراقبته والاشراف عليه فهو صغير السن والتجربة جديدة, ولم اشعر الا وهو في غمرة البيع والشراء والمزاودة مع الزبائن، والحق انني استمتعت بالتجربة التي جاءت عرضاً وبدون سابق ترتيب ويعلم الله لم تكن تهمني (الفلوس) بل كان الهم والدافع الحقيقي هو كيف التخلص من كمية الرطب والتمور اذ يصعب تركها, فكان الحل الوحيد هو بيعها ولا يهم السعر, لقد كانت تجربة فريدة لابني نشكر الامير اللبيب نايف بن عبدالعزيز عليها, ان موضوع المهن اليدوية موضوع يستحق منا الوقوف عليه وبحث اهم الاسباب والحواجز التي تقف عائقاً امام قيامنا ببعض هذه المهن، هل هي حواجز نفسية؟ ام مادية؟ ام وظيفية؟ ام,, ام,, ام,, الى آخر ما يمكن للفرد ان يتصوره, ان تغلبنا على هذه الحواجز مهما كانت هو موضوع مهم للغاية لأنه اصبح مرتبطا بتطور مجتمعنا, فلا يمكن لأي مجتمع ان يتقدم وهو يعتمد وبشكل مبالغ فيه على سواعد غيره, إن اخطر ما في الامر ان تكون هذه الحواجز وهمية لأنه إذا كانت كذلك وجب على الجميع إزالة هذا الوهم,, فلا الدين ولا الخلق القويم يمنع من ممارسة المهن,, فقد مارس الأنبياء وهم صفوة الخلق عند الله المهن, لقد اثبتت تجربة سعودة اسواق الخضار وكبائن الهاتف واسواق الذهب والبنوك وشركات الامن والسلامة ان الشباب السعودي قادر على خوض التجربة والنجاح فيها بإذن الله واول الغيث قطرة.
* جامعة الملك سعود

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved