| مقـالات
في ضوء العرض السابق لبعض مصاحبات وآثار العولمة التي تؤثر بقوة على الادوار التي تقوم بها الاسرة العربية في عملية التنشئة الاجتماعية تبرز أهمية وضرورة تفعيل دور الأبوين والأجداد والأعمام، بل والابناء الكبار في عملية التنشئة الاجتماعية للصغار.
ولاشك ان المدخل السليم لتفعيل هذا الدور ينطلق من ضرورة توعية الابوين بالمخاطر والفرص التي تطرحها آثار ومصاحبات العولمة اذ لا تخفي الطبيعة الملتبسة للعولمة باعتبارها عملية لم تكتمل ملامحها بعد، أي انها ظاهرة في طور التكوين، ومن ثم قد ينتج عنها آثار ومصاحبات ايجابية واخرى سلبية وبالتالي هناك اهمية ان يتكون لدى الأبوين حد أدنى من المعرفة والوعي بمصاحبات وآثار العولمة، وما قد ينجم عنها من مخاطر على قيم الأبناء وسلوكهم وثقافتهم وهويتهم القومية، في الوقت ذاته على الأبوين ان يدركا ما قد تتيحه العولمة خاصة في مجالات الاعلام والمعلومات من فرص للمعرفة والتعلم والتعامل مع التكنولوجيا.
والاشكالية هنا ان الضغوط الاقتصادية التي نجمت عن اقتصاديات السوق والخصخصة في بعض الدول العربية قد ادت الى تنامي ظاهرة الأب الغائب عن البيت نتيجة العمل في الخارج في احدى الدول الخليجية أو الأوروبية أو العمل لساعات طويلة خارج المنزل وقد ألقت هذه الظاهرة بأعباء ثقيلة على الأم ورغم ان أغلبية الامهات في الأسر العربية ربات بيوت الا ان تفشي الأمية بينهم وصعوبة التحديات التي تفرضها العولمة تجعلهن غير قادرات على لعب دور فاعل ومؤثر في تنشئة الابناء بل قد نشير الى ان الأم أو الأب المتعلم قد لا يصلح للاشراف على استخدام أولاده لشبكة الانترنت من دون ان يكون لديه مهارة التعامل مع الكمبيوتر والانترنت او يكون لديه على الأقل معرفة نظرية بالمخاطر والفرص التي يتيحها الانترنت حتى يكون بمقدوره الاشراف والمراقبة والتوجيه.
اشكالية ثانية تتعلق ايضا بأهمية استعادة الترابط الأسري ودعم الادوار التقليدية للأسرة بعد ان اعتراها الضعف في بعض المجتمعات الحضرية في الوطن العربي نتيجة التغير الاجتماعي السريع وخروج المرأة للعمل ولا نقصد هنا اعادة الحياة الى الأسرة الممتدة بل استعادة أدوارها في سياق مجتمعي جديد مع التفكير في اسناد أدوار جديدة للأسرة تتماشى مع متغيرات العصر وتحديات وفرص العولمة.
والاشكالية الثالثة خاصة بمسألة القدوة والنموذج داخل الاسرة فمن المطلوب اجتماعيا وتربويا ان يكون الأبوان قدوة ونموذجا يحتذى أمام الأبناء في القول والسلوك بحيث لا يطالب الأبناء بما لا يفعله الآباء أو بما يقولونه ولا يفعلونه.
ويمكن القول ان الاشكاليات الثلاث ترتبط بقضية تأهيل الوالدين من خلال عملية التنشئة الاجتماعية في الأسرة والمدرسة ووسائل الاعلام وهو موضوع يكاد يكون غائبا في مناهج التعليم ووسائل الاعلام العربية الامر الذي يدعونا الى اقتراح اعداد موضوعات ضمن مناهج التعليم وضمن برامج وسائل الاعلام العربية تهدف الى توعية الشباب باعباء وأدوار الأبوين أو بالأحرى آباء وأمهات المستقبل.
على انه يمكن تقديم مجموعة من الأفكار والمقترحات الآتية الخاصة بتفعيل دور الأسرة العربية في التنشئة الاجتماعية في عصر العولمة تتلخص في:
1 التأكيد على ضرورة دعم واثراء التفاعل الاجتماعي بين أفراد الأسرة من خلال تمضية أوقات الفراغ في تبادل القصص والحوارات والمناقشة الجماعية بعيدا عن استخدام أي وسيلة من وسائل الاعلام او الكمبيوتر داخل المنزل وثمة تجارب مفيدة قامت بها بعض الأسر الأمريكية تحت عنوان العيش بدون تليفزيون لعدة ساعات يكون الاطفال فيها متيقظين كما ان بعض الاسر قد استغنت نهائيا عن التلفزيون.
وبغض النظر عن أهمية هذه التجارب الا انه من المهم ان نبحث في وسائل اثراء الا انه من الحوار والتفاعل الاجتماعي داخل الأسرة مع الحرص على مشاركة كل أفراد الاسرة خاصة الصغار في التعبير عن أنفسهم وتوجيه الحوارات والمناقشات باتجاه دعم التماسك والترابط الاسري والاعتزاز بالأسرة والمجتمع والتأكيد على القيم والعادات والتقاليد التي تميز الثقافة العربية الاسلامية وتمثل حائط صد قوياً ضد ثقافة الاستهلاك والقيم الفردية.
2 ان مقتضيات التربية الحديثة والتحولات الديمقراطية في العالم تفضي الى الحرص على خلق مناخ ديمقراطي داخل الأسرة لكن هذا الحرص ينبغي ألا يؤثر على التضامن الأسري او يفجر الصدام بين الاختيارات الفردية وبين تماسك الأسرة أو الالتزام بالقيم والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع.
كذلك فان المناخ الديمقراطي لا يعني الفوضى او ترك سلوك الأطفال والمراهقين بدون ضوابط أو توجيهات وعلى سبيل المثال لا تعني الديمقراطية السماح للطفل بمشاهدة التلفزيون أو استخدام ألعاب الكمبيوتر أو الانترنت لعدد غير محدود من الأيام والساعات أو عدم تحديد أوقات للمذاكرة وللقيام بزيارات للاهل أو للأصدقاء.
3 ضرورة اشراك الأجداد والاخوة الصغار في عملية التنشئة الاجتماعية بحيث لا يتحمل الوالدان كل العبء خاصة وان هذه المشاركة تؤكد على تواصل الأجيال داخل الأسرة وعلى ضرورة قيام الاولاد بواجبهم تجاه الكبار كما ان هذه المشاركة قد تكون بديلا معقولا لانشغال الوالدين او عدم قدرتهم على المساهمة الفعالة في عملية التوجيه التربوي للصغار.
4 أهمية ارشاد الاطفال والمراهقين لكيفية استخدام وسائل الاعلام وألعاب الكمبيوتر والانترنت فيما يتعلق بمعايير الاختيار بين وسائل الاعلام المختلفة او بين قنوات التلفزيون وبين البرامج والمضامين الكثيرة التي تقدمها، في هذا السياق من المفيد تشجيع الأطفال على مشاهدة أنواع مختلفة من البرامج والدراما والأفلام بحيث يتعرضون لبرامج ثقافية ودينية ودراما وأفلام تاريخية ذلك ان مثل هذا التعدد والتنوع يعلم الأطفال بطريقة غير مباشرة إن التلفزيون والفيديو ليس مجرد وسيلة تسلية أو اداة لتمضية وقت الفراغ بل يمكن استخدامه في التعلم والحصول على معلومات ثقافية.
5 دعوة الوالدين الى تبني عادات جديدة عند التعرض لوسائل الاعلام خاصة مشاهدة التلفزيون والفيديو مثل المشاهدة الجماعية لأفراد الأسرة وتحديد أوقات معينة لمشاهدة الصغار واجراء مناقشات أثناء أو بعد مشاهدة بعض البرامج والمضامين لاسيما أفلام العنف والجريمة والخيال العلمي بحيث يحرص الوالدان وكذلك الاخوة الكبار على توعية الأطفال بالفروق بين الواقع والخيال وان المبالغات في بعض المشاهد تعتمد على الحيل وبرامج الكمبيوتر ومن ثم تساعد هذه المناقشات على ادراك الأطفال للواقع الاجتماعي وتفسير وفهم كثير مما يقدم في وسائل الاعلام في هذا الاطار يمكن القول بأن ظاهرة وجود أكثر من جهاز تلفزيون داخل المنزل الواحد قد لا تكون مفيدة في تطوير ودعم التفاعل الاجتماعي واجراء مناقشات أثناء وبعد المشاهدة لأن وجود أكثر من تليفزيون يجعل كل فرد داخل الأسرة ينعزل عن الآخرين ويدرك ويفسر ما يشاهده من وجهة نظره الخاصة واستنادا الى خبرته الذاتية من هنا نقترح العودة الى سلوك المشاهدة القديم المتمثل في وجود مكان مخصص داخل المنزل يجتمع فيه كل أفراد الأسرة لمشاهدة التلفزيون مع وجود ضوابط معينة في اختيار القنوات وتحديد أوقات المشاهدة.
6 احكام الرقابة والمتابعة الأسرية وبأساليب تربوية لاستخدام الأطفال والمراهقين للهواتف المنزلية مع الحرص على عدم اتاحة أرقام بطاقات الائتمان الخاصة بالوالدين امام الصغار فمن الملاحظ ان تكلفة المكالمات الدولية والمكالمات المحمولة أصبحت سببا رئيسيا في تحميل الأسرة أعباء مالية كبيرة فضلا عن الحد من التفاعل الأسري كما تلجأ شبكات الدعارة الدولية وشركات المسابقات والغناء والموسيقى الى اغواء الاطفال والمراهقين العرب لاجراء اتصالات دولية او محلية يتم خلالها تقديم ونشر افكار وقيم هدامة وعادات سيئة.
كذلك فان اغراءات الاتصال والتسوق عبر الانترنت او الجنس التخيلي الافتراضي عبر الانترنت يؤكد أهمية حرص الوالدين والأجداد على عدم اتاحة أرقام بطاقات الائتمان للصغار والمراهقين بدون ضوابط بل هناك ضرورة للحوار معهم حول فوائد ومخاطر التسوق عبر الانترنت وتحذيرهم من جرائم الانترنت والتي قد يتورطون فيها دون معرفة او قصد فضلا عن مكاشفة الصغار حول الاهداف الحقيقية لمواقع الاثارة والجنس على الانترنت وكيف ان التعامل معها يتعارض مع الدين وقواعد الاخلاق ولا يؤدي الى أي نفع للفرد أو المجتمع بل يحقق فقط أرباحاً طائلة للأفراد والشركات التي تؤسس وتطلق هذه المواقع المدمرة.
7 دعوة المسؤولين في الدول العربية لرعاية وتشجيع انتاج برامج وألعاب عربية يستخدمها الأطفال والمراهقون في العاب الكمبيوتر عوضا عن مثيلاتها الأجنبية التي تحفل بالعنف والجريمة بحيث تعتمد هذه البرامج والألعاب على اللغة العربية وتقدم افكارا ومضامين تتفق والاسس الثابتة في الثقافة العربية وتعلم النشء اعتمادا على أساليب وطرق غير مباشرة الاعتزاز بالذات الثقافية والانتماء للأمة.
8 دعوة المسؤولين في وزارات الاعلام والثقافة العربية والمسؤولين في الفضائيات العربية الخاصة للتعاون المشترك في انتاج وتبادل برامج اعلامية ثقافية وترفيهية تقلل من اعتماد القنوات التلفزيونية العربية الارضية والفضائية على استيراد المواد والبرامج الاعلامية والترفيهية الغربية مع انتاج برامج واعمال درامية وأفلام تعلي قيمة التماسك الأسري وتبرز الوسائل والاساليب التربوية التي يمكن ان تعتمد عليها الأسرة العربية في عملية التنشئة الاجتماعية كما تعالج بأساليب فنية غير مباشرة الفرض والمخاطر التي تفرضها العولمة على الأسرة العربية.
9 التفكير والعمل من اجل تبني مشروعات اجتماعية جديدة تهدف الى دعم التكافل والتعاون بين الاسر ومساعدتها على التكيف مع المتغيرات العلمية والتكنولوجية والاجتماعية المصاحبة للعولمة والتي تؤثر بقوة في البيئة المحلية والدولية ومن الممكن ان تأخذ هذه المشروعات صيغا جديدة تعتمد على المبادرات الفردية ودعم المنظمات والجمعيات الاهلية والمساجد وما يعرف بفاعليات المجتمع المدني بالاضافة الى مساعدة الدولة.
والواقع ان هذه المشروعات تحتاج الى خيال وقدرات ابداعية ورغبة حقيقية في العمل واصلاح وتطوير دور الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية وقد طرحت في مصر على سبيل المثال بعض هذه الافكار والمشروعات التي تقوم على استلهام كل ما هو ايجابي من قيم الماضي وتنمية روابط الصداقة بين الأسرة وتبادل الزيارات والخبرات وخلق آليات ومناسبات يتفاعل فيها الابناء والآباء والامهات في مجموعة من الأسر واعطاء معنى لحياة ودور كبار السن في الاشراف على الصغار وتوجيههم.
|
|
|
|
|