|
| وَرّاق الجزيرة
أمران أعادا لي الشوق القديم وقد كنت ساليا؛ أولهما: انه جاءني طالب من جامعة دكا في بنغلاديش يعد أطروحة عن جهود ابن جني النحوية والصرفية، وقد حاز على منحة للاطلاع على المصادر والمراجع حول الموضوع فأرشدته الى كثير منها مما تزهر به مكتبة جامعة الملك سعود، وغيرها من مكتبات الرياض.
وثانيهما: أنني، إبان معرض الكتاب الدولي الذي أقامته جامعة الملك سعود في شهر رجب 1421ه، حصلت على كتيب صغير كنت سمعت بصدوره، عنوانه: أضواء على آثار ابن جني في اللغة، الآثار المخطوطة والمفقودة، إعداد الدكتور غنيم بن غانم الينبعاوي الأستاذ المساعد بكلية اللغة العربية وآدابها جامعة أم القرى بمكة المكرمة، مطبوعات معهد البحوث العلمية في جامعة أم القرى، الطبعة الأولى 1420ه/1999م، ص109, وكانت لي عناية بابن جني وبدراسة كتبه منذ أن قرأنا في دبلوم الدراسات العليا في جامعة دمشق كتاب الخصائص على أستاذنا الدكتور شاكر الفحام، واطلعنا على المقدمة الضافية التي قدم بها الأستاذ محمد علي النجار، رحمه الله، لتحقيقه الكتاب، وهي الطبعة التي ما زالت معتمدة حتى يوم الناس هذا لما تميز به المرحوم النجار من ضبط للنص جعل امكانية الزيادة عليه تقتصر على تخريج بعض الشواهد التي لم يُتح للأستاذ النجار تخريجها مما أوقعه في بعض التصحيف الهين الذي لا يغيب عن فطنة القارئ المتبصر.
استغرقت مقدمة الأستاذ النجار 73 صفحة، مؤرخة في عام 1372ه/1952م، تحدث فيها عن نسبه، ومولده، ونشأته، وبعض صفاته الخُلُقية والخَلقية، وعمن أخذ عنه من العلماء والأعراب، وعن صحبته لأستاذه أبي علي الفارسي ت377ه ، وعن صحبته للمتنبي، وغير ذلك من جوانب حياته، وعلمه، وثناء العلماء عليه، وما أخذوه عليه، وعن وفاته في بغداد عام 392ه, وأفرد عشر صفحات للحديث عن كتبه، وبذل في استقصائها جهدا كبيرا ندرك مقداره عندما نعلم أن كثيرا من الكتب التي عاد اليها كانت عند تحقيقه الكتاب مخطوطة، قابعة في مكتبات غير مفهرسة لا يعلم عنها أحد شيئا, وقد أورد الأستاذ النجار الكتب التي وردت في الاجازة التي كتبها ابن جني بخطه لبعض الآخذين عنه في سنة 384ه؛ وهي عنده تسعة عشر كتابا، بينما يقول الدكتور الينبعاوي ص14 : إنها عشرون كتابا، وقد أورد هذه الاجازة ياقوت الحموي في معجم الأدباء ج12، ص 109111 ، وأورد ياقوت كتبا أخرى يبدو أن ابن جني ألفها بعد الاجازة، أحصاها الدكتور الينبعاوي ص15 فبلغت عشرين كتابا, وقد بلغ عدد كتبه لدى الأستاذ النجار تسعة وأربعين كتابا بين مخطوط وضائع, بينما بلغ عدد المطبوع منها لدى الدكتور الينبعاوي أربعة وعشرين كتابا، أما المخطوطة فبلغت عنده ثمانية كتب، وأما الضائعة فبلغت تسعة وثلاثين كتابا؛ فيكون مجموع ما أحصاه ثلاثة وسبعين كتابا بزيادة أربعة وعشرين كتابا على ما جاء عند الأستاذ النجار.
وقد اهتم كل الذين نشروا نصوص ابن جني بالحديث عن كتبه، فزادوا على ما جاء به الأستاذ النجار، وصححوا بعض ما ذكره, بعد هذا كله جاء الدكتور الينبعاوي الذي اهتم بابن جني في رسالة الماجستير، وفي رسالة الدكتوراه التي كان عنوانها كما يذكر جهود ابن جني في الصرف وتقويمها في ضوء علم اللغة الحديث ، ويحدد في ص6 ما دفعه الى الكتابة في هذا الموضوع، يقول: هذا الاطلاع عل بعض آثار ابن جني دفعني الى الكتابة في هذا الموضوع يقويه ما وجدته من حاجة ماسة الى هذه الدراسة المتواضعة التي ترمي الى الكشف عن آثار ابن جني لتتضح لنا بعض جوانب شخصيته العلمية، ثم يجمل في المكان نفسه ملحوظاته على الدراسات السابقة بثلاث ملحوظات، أولها: نسب بعض الباحثين بعض الكتب الى ابن جني خطأ؛ وثانيها: ذُكرت مؤلفات له على أنها من آثاره المفقودة في حين أن هذه المؤلفات وصلت إلينا؛ وثالثها: سردت بعض الدراسات مؤلفاته كما وردت في كتب التراجم قديما ولم تشر هذه الدراسات الى ما أثارته هذه الكتب والرسائل في الدراسات اللاحقة, ناهيك عن ملحوظات أخرى سيجدها القارئ في ثنايا البحث كما يقول, ووضح أيضا طبيعة بحثه فقال في ص67 : ,,, دراسة لغوية احصائية تهدف الى الكشف عن منهجه اللغوي وفكره واحاطته بناصية العربية وأثره في الدارسين بعده,,, .
جاء الكتاب في تمهيد وفصلين؛ ذكر الدكتور الينبعاوي في التمهيد الدراسات التي سبقته عن ابن جني مما كتب بلغة عربية، وبدا له أنها ذات اتجاهين: الأول عرض فيه الباحثون الى دراسة بعض جوانب ابن جني العلمية كدراسة الجانب الصوتي أو الصرفي أو اللغوي بمعناه العام، والاتجاه الثاني من الدراسة عرض فيه الباحثون الى تحقيق كتبه ودراستها وبيان ما فيها من ظواهر لغوية، وبلغ عدد الدراسات من الاتجاه الأول ست عشرة دراسة توزعت بين كتاب ومقالة ورسالة جامعية, واكتفى الباحث في الاتجاه الثاني بذكر الرسائل الجامعية وبلغت ثلاث رسائل, وبلغ عدد المصادر والمراجع التي عاد اليها 132 مصدرا ومرجعا.
ووجدت الدكتور الينبعاوي يقول في ص15 : ,,, فلعل من يأتي بعدنا يضيف اليها جديدا، أو يصحح مفهوما كان سائدا , ووجدت ان لدي بعض ما أقوله في هذا المجال مما تجمع لدي من ملحوظات على عمل الدكتور الينبعاوي، وأول ذلك أنه يورد بعض الكتب مرتين في المطبوع والمخطوط، مثال ذلك كتاب المسائل الخاطريات الذي ورد برقم 19 في المطبوع، وبرقم 33 في المخطوط، وكتاب الفسر الذي ورد برقم 11 في المطبوع، وبرقم 32 في المخطوط، وقد كان الأولى أن يشار الى القطعة التي مازالت مخطوطة عند الحديث عن القسم المطبوع, ونشير في هذا السياق الى ما ذكره الدكتور الينبعاوي برقم 51 ضمن الآثار المفقودة بعنوان شرح المقصور والممدود للفارسي، وذكر في القسم نفسه برقم 70 كتابا لابن جني بعنوان المقصور والممدود، وذكر أن الدكتور أحمد عبدالمجيد هريدي ذكر الكتاب في مقدمة تحقيقه لكتاب أبي علي القالي المقصور والممدود, ولما عدت الى مقدمة الدكتور هريدي لكتاب القالي طبعة مكتبة الخانجي، القاهرة، 1419ه/1999م، ص73 لم أجده يذكر لابن جني كتابا في المقصور والممدود وإنما ذكر أن ابن جني شرح كتاب المقصور والممدود لأبي علي الفارسي حسبما جاء في كشف الظنون، وأعيان الشيعة، وأنه شرح كتاب المقصور والممدود لابن السكيت كما ذكر ذلك ابن جني نفسه في الخصائص 1/255، 2/48 ، وذكر ان لابن جني رسالة بعنوان: ما يحتاج إليه الكاتب من مقصور وممدود ومهموز، نشرت في القاهرة 1924م، ضمن: ثلاث رسائل لابن جني, وثانيه: ان الدكتور الينبعاوي يذكر الكتب التي رواها أبو الفتح ضمن مؤلفاته المطبوعة، وهي ديوان أبي طالب، وديوان أبي الأسود الدؤلي، وديوان العرجي، وكتاب من نُسِب الى أمه من الشعراء، وكان الأولى أن تفرد وحدها حتى لا يظن أنها مما ألفه واشتهر به, وثالثه ان الدكتور الينبعاوي لم يتحدث عن كتاب نسبه الأستاذ النجار في مقدمته ص68 لابن جني اعتمادا على نص جاء في كتاب الخصائص، وهو كتاب الزجر؛ إذ جاء في الخصائص في آخر باب في هذه اللغة أفي وقت واحد وضعت أم تلاحق تابع منها بفارط؟ قول ابن جني: وقد كنت حضرتني وقتا فيه نشطة، فكتبت تفسير كثير من هذه الحروف في كتاب ثابت في الزجر فقد قرأها الأستاذ النجار، رحمه الله، كتابٍ ثابتٍ على الوصف، وفهم من ذلك ان لابن جني كتابا عنوانه الزجر، والصواب الذي نراه إن تُقرأ العبارة على الاضافة كتابِ ثابتٍ في الزجر ويكون المقصود ثابت بن أبي ثابت اللغوي المعرف صاحب كتاب الفرق، ويكون لابن جني تعليق على هذا الكتاب، ضاع ولم يصلنا، ورابع الملحوظات بخصوص الكتاب رقم 58 من الكتب الضائعة، وهو الكتاب المعروف كتاب القد ؛ إذ ذكر الدكتور الينبعاوي ان سبب التسمية لم تشر إليه المصادر، وأورد موضعين نقلتهما المصادر عن هذا الكتاب, وقد كان الأستاذ النجار قد تساءل في مقدمته ص6667 عن ذا ، هل هي بمعنى صاحب فتعرب بالحروف؟ أم أنها اسم اشارة فتلزمها الألف على البناء، وقد وردت بالحالتين كلتيهما في الكتب التي ذكرت عنوان الكتاب, وقد كنت قرأت في مقدمة نشرة أحد المستشرقين كتاب اللمع لابن جني، أنه اطلع على مجموعة من الأوراق المخطوطة لابن جني في مكتبة دير الاسكوريال، تحتوي على مسائل لابن جني ورد فيه قوله: إنه ألفها بهذا؛ أي المقدار، وعلى ذلك تكون ذا اسم اشارة، والقد للدلالة على الحجم، وربما وجد بعض من قرأ تلك المسائل العبارة فأطلقها اسما لهذا الكتاب الذي لم يعرف من لم يطلعوا عليه طبيعة الاسم ذا ، ولا معنى كلمة القد فذهبوا في تفسير ذلك مذاهب شتى.
وخامس الملحوظات ان كتاب ابن وكيع الذي نقضه ابن جني في كتابه الضائع رقم 59 عند الدكتور الينبعاوي هو المنصف في نقد شعر المتنبي، وقد طبع أربع طبعات أولها بتحقيق أستاذنا الدكتور محمد رضوان الداية في دار قتيبة، دمشق 1982م،
وآخر الملحوظات الأخطاء الطباعية التي تفشت في نص الكتيب؛ كأن تتحول في ص20 بقية الخاطريات إلى بغية الخاطريات وأن يتحول التَّوَّزي في غير موضع من الصفحة 70 الى النَّوَّزي، وأن يتحول تاريخ الأدب العربي لبروكلمان في الصفحة 71 الى تاريخ الأدب العبري,, وأختم هذه الكلمة بالقول: إننا بحاجة إلى بحث يتناول ما كتبه المستشرقون على اختلاف جنسياتهم عن ابن جني، وما نشروه من كتبه، وما تُرجم من هذه الكتب الى اللغات الأوروبية المختلفة أو غيرها من اللغات، لنضيف معارفهم الى معارفنا، ونصحح بعض ما وقعوا فيه من أخطاء، وبعض ما وقعنا فيه منها في ضوء دراسة مقارنة ما زال مكانها فارغا في المكتبة العربية.
جامعة الملك سعود كلية الآداب - قسم اللغة العربية
|
|
|
|
|
