الناس أصبحت تمدد الرجلين وترمي الهموم والمشاكل خلفها,, كل ذلك في الاستراحات,, ومقياس هذا قديماً أنهم كانوا يتسامرون على قدر حالهم, بريق حلو,, بليمون أسود, وسكر أحمر,,, فلم يصل السكر الأبيض بعد,, ولم يكونوا يعرفون الشاي إلا عند قلة من التجار,, والتجار آنذاك,, هم من يملكون التمر والبر,, ولباس الزهور,, والزهور قماش أبيض أنعم من الأمريكاني لأن الأمريكاني,, يشبه أقمشة بعض أكياس الأرزاق,, ولذلك فعامة الناس يضعون بدلاً من الشاي,, الليمون الأسود, وكانوا يستوردونه من الكويت، لأن الكويت بلد ساحلي، ويأتيه الخير من كل مكان، فكانت شلة الشيّاب يتسامرون أحياناً,, عند أحدهم بعد المغرب وقبل العشاء لأن لا شيء بعد العشاء إلا النوم,, هذه الشلة,, يشربون الشاي الليموني بالسكر الأحمر,, أما,, البطون,, فليس لها نصيب من المفاطيح, وأين المفاطيح,,, في تلك السنين؟,, وسمعنا ان الفلاحين إذا ما سمعوا بأن أحد القصابين سيذبح غداً نعجة أو خروفاً أو جملاً جاءوا في الصباح للمقصبة وأخذوا يلمّسون المذبوح وهو معلق,, فقط,, لكي تلامس أيديهم الشحم ويسألون ويقولون: ما شاء الله كم ذا به؟ وهم لا ينوون الشراء فليس لديهم ما يدفعونه لكن فقط لكي تلامس أيديهم الذبيحة فتلين تلك الأيدي قليلا بعد تعرضها للنشوفة واليبوسة بسبب عناء الفلاحة,, ولا يشتري اللحم إلا التجار, وهم من ذكرنا انفا ويشترون ولا يريدون ان يعلم أحد به, فكان الواحد منهم يخفي اللحم تحت البشت أوالثوب ويسير به في السوق وهو يتلفت يميناً ويساراً لئلا يراه أحد, وكان أحد الظرفاء إذا ما علم أن احد هؤلاء التجار قد اشترى لحماً,, قال لصديق له,, قوه,, نمر من عند باب فلان تروح اللحم,,, .
اما في زماننا هذا,, فقد كثرت الاستراحات ومدد الناس الأرجل وارتخت البطون,, وتمططت الوجوه,, وأصبح الواحد يمشي وكأنه يخوض في طين,, من وفرة النعم ولنا صديق طيب يحب الناس والأصدقاء, لذلك فهو يحرص على تجميعهم في استراحته ليلة بعد ليلة,, يتجاذبون بالألسن أطراف الحديث,, وبالأيدي أطراف الذبيحة,, ويدحرجون الأرز في الأفواه كأنما ابن الرومي قصدهم عندما قال في الخباز:
مابين رؤيتها في كفه كرة
وبين رؤيتها قوراء كالقمر |
ومن بين هؤلاء ضيف جديد,, تقاعد خاله أخيرا من العمل,, وذات يوم كلمه بالهاتف فرد عليه صاحب الاستراحة وكان الخال مرحاً وعرض عليه زيارتهم في الاستراحة, فقال سآتي إن شاء للتعرف على هذا الذي أبرز وجنات ابن أختي ودور بطنه ومدده من اليمين والشمال,, هكذا أصبح كثير من الناس يعيشون, والحمد لله على نعمائه.
|