أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 2nd February,2001 العدد:10354الطبعةالاولـي الجمعة 8 ,ذو القعدة 1421

عزيزتـي الجزيرة

عميدا الأحساء,, الرَّاحلان المُلاَّ والمبارك
يوم الثلاثاء 28/10/1421ه احتضنت أقدم مقابر الأحساء مقبرة الكوت بالهفوف جسد العالم,, الفقيه الحنفي,, المحدّث,, الأديب,, اللغوي اللامع، والشاعر المطبوع,, الشيخ/ عبدالرحمن بن أبي بكر الملا رحمه الله ,, حيث انضم الى كوكبة نيّرة من علماء الملا في هذا القرن، والقرون الماضية؛ ممن كانت حياتهم حافلة ومزدهرة بالعلم الديني واللغوي والأدبي, وقد سبق أن تحدّثت عنه في هذه الحديقة الوارفة من الواحة .
وبعد يوم واحد,, وربما أقل ودعت واحتنا الفيحاء الأحساء سَمِيّ الشيخ الملا؛ أعني الفقيه المالكي ,, المحدث,, الراوي,, الشاعر الدقيق المؤثر,, الشيخ/ عبدالرحمن بن علي آل الشيخ مبارك غفر الله له، ورحمه، وذكره بالخير ، إذ كانت وفاته يوم الأربعاء 29/10,, أما موعده مع مقبرة الصالحية بالهفوف، فكان ضحى الخميس 30/10/1421ه.


قيل عبدالرحمن,, نجل عليّ
أودعوه في قبره مصبحينا
دفنوه يوم الثلاثين من شوّ
ال,, من عام واحد العشرينا
بعد ألف,, وأربع من مئين
حُسبت بعد هجرة الصابرينا
قلتُ: صبرا,, يا نفس,, حمداً لربي
قد سما في مواكب الصالحينا

وبفقده تكون الأحساء الصابرة صبر أهلها المكافحين الأباة في وداع لعلمين وسميين اسمهما واحد وخليلين في الاتجاه، ولم يجتمعا إلا قليلا بسبب الأسفار، فالأول اغترب عن الأحسائيين لمدة نصف قرن,, بل أكثر، لهيامه بأشرف بقاع الأرض.


يا ساكنا أسمى بقاع الأرض في
أم القرى فوَّاحةِ الأوفياء!
حضِنته حُباً نصف قرن,, نائياً
عن قومه في واحة الأحساء!!,.

أما الآخر؛ فإن له صولات وجولات في جزيرة العرب، ودول الخليج العربي، وبالذات في إمارة دبي التي خصّها بأروع القصائد العصماء، بعد أن خص أمراءها، وأمراء دول الخليج بأصدق القصائد الوعظية، التي تحضهم على تطبيق الشريعة الاسلامية، غير أنه خلد هذا الحب لدُبي بزواجه مرتين.
والفقيدان عميدان لاسرهما, فلقد كان الشيخ عبدالرحمن آل مبارك وجيها، وصاحب منتدى صباحا ومساء، فمنزله المبارك بحي البصيرة روضة عبقة! يشتمُّ من عبيرها روادها من أسرة آل مبارك، وغيرهم من الأحباب, ومزرعته أيضا دوحة مثمرة، حيث كان يوم الخميس ضحى في أيام الصيف هو موعد اعمار النخل بالتواجد الثر، إذ ينهل الجالسون دُررا متنوعة من القصائد والقصص والتعليقات من لدن الشيخ/ عبدالرحمن، وعضيده الأيمن الموسوعي,, الشيخ أحمد بن علي.
وللشيخ عبدالرحمن هيبة ووقار، يعرفه من يراه من بعد، ومن عاداته أنه كان لا يخرج إلا مشتملا بالمشلح البشت ، معتجرا عمامته البيضاء، التي تطوّق غترته البيضاء أو الشالية,, اضافة الى رفيقة دربه العصا .
أما النور، فكان صبحا يتنفس على محياه! ويضيء فويق لطاته!!


كأنك شمس، والنجوم كواكب
إذا طلعت؛ لم يبد منهن كوكب!!

الله أكبر!! يا من تذكرني بالعلامة الفقيه المحدث,, الخطيب المصقع المجاهد الصادق,, الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ مبارك إمام وخطيب الجامع الكبير بقلب الصالحية ذاك الذي تهتز لخطبه منارة الجامع وأقواسه!!
أما في سرد القصص والروايات والاستشهادات الشعرية؛ فإنه يذكرني بالشيخين الجليلين: أبي عبدالحكيم/ ابراهيم آل مبارك وأبي عبدالملك / عبداللطيف آل مبارك, أما الأول فإني أراه في أكثر من عشرة مجالس، إذ يحفظ آلاف الأبيات, الى درجة أنه أحيانا يعيب على بعض رواد المجالس في تجرد جيوبهم من الأقلام، والدفتر, فكان يقول لنا,, هيا اسمعوا، واكتبوا، ولو في أوراق عادية، ويشرع يملي علينا عشرات الأبيات في الجلسة الواحدة، أما الآخر أبوعبدالملك فلقد زرته مرّة على الفراش في المستشفى، وأخرى في بيته بعد اصابته بالشلل عوّضه الله ورحمه فإذا أنا أمام أعجوبة من أعاجيب الدنيا، حيث كان يلهج بذكر الله دائما, وإذا فتحنا له بوابة مدينة الشعر؛ فإنه يتحول الى سيل بليل، لا سيما إذا تواجد نجله عبدالباسط فهو الذي يهيضه، ويفجّر شلالاته الأدبية العذبة!! إذ لدى عبدالباسط مفتاحه!!.
وللشيخ عبدالرحمن دروس وحلق في دول الخليج، والأحساء، وقد حالفني الحظ قبل عشر سنوات، عندما تشرفت بحضور حلقة رمضانية، بعيد صلاة العصر، فكان تلاميذه من الأسرة المباركية يقرأون في أحد مصادر الحديث والفقه، واذكر منهم الشيخين عبدالحميد الثالث ، وفهد بن الشيخ أحمد بن علي,,ثم يتبعهما الشيخ عبدالرحمن بن علي بشرح الكلمات، والوقوف على العبارات، ودقائق المفردات لغويا وبلاغيا، وتفسير الآيات، والتعليق على ما تحث عليه الآية أو الحديث من آداب وفضائل، اضافة الى أنه لا ينسى الاستشهاد بما قالته العرب من شعر, فكان رحمه الله مدرسة لها وزنها ومكانتها، وأجواؤها الفسيحة، عرف عنه ذلك في دروسه وفي قضائه للناس في محاكم الشرقية, ولا غرابة في ذلك وهو تلميذ علامة العصر,, الفقيه,, الداعية,, اللغوي,, الشاعر,, الشيخ عبدالعزيز بن صالح العلجي، وهو من تدين له جميع دول الخليج العربي بعد الأحساء في العلم, فتلاميذه هناك لا يعدون.
وقد طبعوا بعض تراث أستاذهم العلجي في الكويت وقطر والبحرين.
قال ابن عويد: ومن تلاميذ الشيخ العلجي في الأحساء,, الشاعر الكبير المبدع المغمور أبوجبرائيل ونوح ,, الشيخ عبدالله بن محمد الرومي أستاذ كاتب هذه السطور في الأدب والرواية، وصاحب عشرات الدواوين، وفارس المراثي في جزيرة العرب، إذ أنه يرثي الشخص قبل موته!! وتلك من لطائفه, وقد استؤنفت أحدية المبارك هذا الموسم الأحد 3/11 بلقاء عن الراحل، تخللته القصائد والكلمات، وقبل ذلك كان موضوعا للقائها أبوسعد، والملا، والحاوي وغيرهم رحمهم الله,, وهكذا,, ودعنا شيخنا عبدالرحمن آل مبارك، بعد ما عرف ما له، وما عليه، مجاورا ربه الرؤوف الرحيم، ونعم الجوار جواره,, كما يقول التهامي رحمه الله :


جاورت أعدائي,, وجاور ربه
هيهات بين جواره وجواري!!

وختاما:


عَلمٌ من آل مبارك فذٌّ
فقدته منابر المصلحينا
وله في علم الحديث,, وفقهٍ
حِلقٌ,, أضحت منهل الواردينا
وله في رواية الشعر سهمٌ
يحتذي حذو منهج الأوّلينا
ألمعيٌّ في عصرنا,, ووجيهٌ
وعميدٌ لمعدن الطيّبينا
يا إلهي,, اجمعنا به في جنانٍ
نلتقيهِ,, مع سيد المرسلينا

اللهم آمين.
عبدالله بن ناصر العويّد
عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية،
موجه تربوي للأنشطة الأدبية بتعليم الأحساء

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved