| الاخيــرة
في العالم الثالث يبحث العاملون عن سبب يقنعون فيه أنفسهم سعياً وراء الاسترخاء والكسل، فيعلقون أمورهم بما يدور حولهم من أحداث لأنهم لا يريدون أن يعملوا إلا ما يشاؤون ومتى شاؤوا وكيفما شاؤوا، وإن ظلوا كذلك فقد ضلوا عن جادة الطريق, يشنف آذانهم اللفظ، وتطرب اسماعهم الأحداث، وتبهج صدورهم الإنجازات، عندما تستمع إلى جاهلهم أو مثقفهم على حد سواء تنبهر من قدرته عن نقد غيره، وإبراز مثالبه والحديث عنه وفيه، لكنه لم ير قط نظرة عابرة إلى ذاته، ولم يتحسس سويداء قلبه، ولم تدغدغ مشاعره خلجات ذاته، فيغض الطرف عن عيوب ذاته، وكأنه بريء منه براءة الذئب من دم يوسف، أو براءة يوسف من امرأة العزيز، لكنه نسي أو عنَّ له أن يتناسى أنه كحامل صحيفة المتلمس، يحمل حتفه بيده لتجاوزه حدود عيوب نفسه إلى عيوب من سواه, وحسبه بقول الشافعي المشهور:
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا |
لا يمكن لدول العالم الثالث ان تتقدم قيد أنملة إذا ظل التغير محصوراً في مراكز الافراد، والهياكل الإدارية، وتغيير القوانين، مع تناسي ما هو أهم وأجدى رغم أهمية ما ذكر آنفاً، ذلك الأهم هو العمل الجاد المثمر من الفرد أولاً تحت أي سماء، وفوق أي خلاء, فلا نيل نوال ولا تحقيق شأو دون عناء وكد، فمن يا ترى من شعوب العالم الثالث من يستطيع أن يقدم ذلك الجهد المتواصل المستمر لست أدري؟
يتعلل الكثير من كسالى العالم الثالث بالظروف المادية والإدارية والاجتماعية ليبرروا خلودهم إلى الراحة والاسترخاء، كما يمتطون جياد الألسن لإبراز ذاتهم وتحسين مراكزهم الاجتماعية لأنها أيسر السبل، وأسهل المسالك، وأهون الأمور لإشباع الذات دون تقديم الوقود الكافي لذلك.
لو أن بعضاً من أولئك جرَّب أو حاول أن يجرب متعة الإنجاز لما تعداه إلى سواه، لكنه لم يجرِّب، أو أنه جرَّب ولم يكن لديه مخزون من الصبر يكفي لتجاوز المرحلة الانتقالية من أسلوبه الذي ألفه، وظنه أبهى حلله، إلى أسلوب جفل منه ورأى فيه أبشع صوره، وكأني به قد نعم بجهالته مثلما شقي ذو العلم في نعيمه وكقول الشاعر:
ذو العلم يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم |
هموم شعوب العالم أجمع وأحاديثهم تنحصر في ثلاثة أمور معروفة يقال لها SPS وهي الرياضة والسياسة وأمر آخر، وتكاد تجتمع شعوب العالم على الدندنة حولها، النامي منها والمتقدم، ألا أن شعوب العالم المتقدمة تتعداه إلى العمل الدؤوب المتواصل في الوقت الذي يحمل بعض من شعوب العالم الثالث هذه الأثافي الثلاث معهم حيثما كانوا، فيستنزفون أثمن أوقات العمل في الجدل حولها، وهي كما تعلم لا تسقي ظامئاً ولا تشبع جائعاً، وكأنما هي جراب سيف، أو قبضة ماء.
عندما يتحلق بعض من العاملين أثناء العمل حول المقاعد والطاولات، يتحدثون حول هذه الاثافي غير مبالين بما أوكل لهم من عمل، فإنما هم بهذا يهدرون ثروات بلادهم التي مآلها إليهم وإلى أولادهم، ومع هذا فهم مستمرون في البحث عن السبب في عدم تقدمهم، ينظرون هنا وهناك، ويطرحون الحجج والبراهين التي ليست سوى حجج للحد من انتاجهم وعندما ينتهي وقت العمل الذي أُهدر يعودون إلى منازلهم للحديث حول ذات الموضوع، مع مجموعة أخرى من الأصدقاء وهكذا يتم هدر أثمن ما في الوجود، ومع هذا فهم يتساءلون عن السبب في التخلف عن الركب، وفيهم يكمن السبب.
د, محمد بن عبدالرحمن البشر
|
|
|
|
|