| أفاق اسلامية
* تقرير خاص ب (الجزيرة)
حذر فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد المطلق الاستاذ بالمعهد العالي للقضاء بالرياض أفراد المجتمع المسلم من كتمان الأمراض المعدية بالوراثة وعدم الإعلان عنها عند الزواج، كالبرص والجذام، وبعض أمراض الدم لتعدّي مضارها الى النفس والنسل، مشيراً إلى أن الإحصائيات المعنية بهذه الأمور تبين أن نسبة انتشار أمراض الدم تصل في بعض المناطق الى (20%)، ناهيك عن الآثار النفسية والاجتماعية والجسدية التي يصاب بها المريض وأسرته والتكاليف المالية الباهظة التي تتكفلها الدولة في العلاج.
ودعا فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله المطلق في الدراسة الخاصة التي أعدها، وتنشرها (الجزيرة) حول (التشخيص المبكر للأمراض المزمنة والمقعدة من المنظور الشرعي)، دعا الى اهمية إجراء التشخيص الوقائي لكلا الزوجين قبل الزواج، مؤكداً على مشروعية الإلزام به قبل إتمام عقد النكاح.
وشدد فضيلته في السياق نفسه على أنه من واجب ولي الأمر مسؤولية أمر رعيته بما ينفعهم، وإلزامهم بما يدرأ عنهم الشرور، ووجوب طاعته في ذلك؛ لأنها من الطاعة المشروعة.
وفي دراسته التي أعدها فضيلة الشيخ عبدالله المطلق، أورد أربعة مطالب، أولها (حكم التشخيص قبل الزواج،) والثاني (حكم التشخيص بعد الزواج وقبل الحمل)، والثالث (حكم التشخيص بعد الحمل) والرابع (مسؤولية التشخيص المبكر).
وفيما يلي نص الدراسة التي أعدها فضيلته:
المطلب الأول: حكم التشخيص قبل الزواج:
يقر الفقه الاسلامي بنتائج العلوم الطبيعية التي تنفع الإنسانية، ويثمن جهود العلماء في شتى العلوم إذا أسدت خيرا للبشرية، ومن تلك العلوم علم الوراثة وعلم الطب وعلم الكيمياء الحيوية وغير ذلك، وقد ثبت طبيا في هذا العصر انتشار الأمراض الوراثية بين أسر كثيرة بسبب ما يحمله الزوجان من أمراض وقد انتشرت أمراض تكسر الدم بين أطفال هذه الأسر وتحملت في علاجها ثقلا كبيرا، وذاقت مرارة شديدة، وكان من السهل الوقاية من ذلك لو عمل الزوجان الأسباب المشروعية واهتما بالتشخيص المبكر قبل الزواج الذي هو واجب شرعي تدل على وجوبه نصوص الشريعة وقواعدها السمحة ومقاصدها الصالحة النافعة، وهذه أدلة ذلك:
أولا: من النصوص الشرعية:
أ أمر الله تعالى بأخذ الاسباب والحذر من كل ما يؤذي فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم) والتشخيص المبكر قبل الزواج من أخذ الحذر حتى لا يصاب الإنسان في ولده اصابة تقلق حاله، وتذهب ماله.
ب ان الله تعالى حرم على المسلم ان يؤذي غيره، وفي التهاون بالتشخيص المبكر أذى لولده اقرب الناس إليه، وأذى لزوجته؛ لأنها أكثر من يحمل هم الطفل المعاق والأذى محرم بنص القرآن قال تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا).
ج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر المسلم أن يحرص على ما ينفعه، وجعل ذلك دليلا على قوة إيمانه، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير واحب الى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن).
د أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالوقاية من الأمراض والبعد عن أسبابها حين أمر أن نبتعد عن المجذوم وحين نهى أن ندخل البلد التي وقع بها الطاعون، أو ان نخرج منها حتى لا نؤذي غيرنا بنقل المرض إليه.
ه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى العرب عن أشياء قد اعتادوها لما فيها من احتمال الضرر فقد روى البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال: (إنه لا يصاد به صيد ولا ينكأ به عدو ولكنه قد يكسر السن ويفقأ العين).
ثانياً: من القواعد الشرعية:
أ الاحتياط في جلب المصالح ودرء المفاسد: قال العز بن عبدالسلام في قواعد الأحكام 2/19: المثال العاشر: الاحتياط لمن يوجد ويتوقع وجوده كتحريم نكاح الأمة خوفا من ارقاق الولد الذي يتوقع وجوده, إ,ه.
ومفسدة الرق أخف من مفسدة التخلف العقلي والمرض المقعد الذي يعيش بسببه الإنسان عبئا ثقيلا على الأسرة.
وقال ايضا في 1/50 والضابط أنه مهما ظهرت المصلحة الخلية عن المفاسد يسعى في تحصيلها، ومهما ظهرت المفاسد الخلية عن المصالح يسعى في درئها، وإن التبس الحال احتطنا للمصالح بتقدير وجودها وفعلناها، وللمفاسد بتقدير وجودها وتركناها, أ,ه.
وقد نص الفقهاء على انه لا يجوز كتمان الأمراض المعدية بالوراثة عند الزواج كالبرص والجذام لتعدي مضارها الى النفس والنسل، انظر: معونة أولي النهي 7/194.
ومعلوم ان بعض امراض الدم اكثر ضرراً من هذه الأمراض، فلابد من بيانها وكشفها.
ثالثا: من المقاصد الشرعية:
ان من المقاصد التي حرص الشارع على حفظها مقصد حفظ النفس، ومقصد حفظ المال، وفي التشخيص المبكر قبل الحمل حفظ لهما؛ لأنه إذا حصل الزواج ووقع المحذور تضررت نفس الطفل، وعاش حياة متعبة، وتضرر الأبوان، وانفقا مالا كثيراً في الرعاية والعلاج، وكان يمكن حفظ هذا المال لو سلك الزوجان طريق الوقاية قبل الزواج.
المطلب الثاني: التشخيص بعد الزواج وقبل الحمل:
وفي هذه المرحلة يمكن للزوجين تدارك ما فاتهما مما كان يجب عمله قبل الزواج، وفيه وقاية وحذر محمود مما يمكن ان يكون سببا في متاعب طويلة تكدر حياة الزوجين، وإذا ظهرت النتيجة قابلة لانتقال الأمراض المقعدة فإنه يستحب الفراق، وأن يبحث كل واحد من الزوجين عن شريك يلائمه في إنجاب ذرية سليمة، ويمكن ان نقيس هذه الحالة على ما اذا كان بقاء الزوجة يلحق ضررا بالأبوين او أحدهما فإنه ينبغي له ان يسارع في إزالة الأذى عن والديه ولو كان ذلك بطلاق الزوجة، فإذا كان لا يزول الاذى عن ولده إلا بفراق زوجته فإن ذلك مما يشرع دفعا للأذى الذي سيقع على أقرب الناس منه.
المطلب الثالث: التشخيص بعد الحمل:
ويختلف حكمه باختلاف اهدافه؛ فإن كان الهدف منه عمل الأسباب في العلاج المبكر والحرص على سلامة الجنين فذلك مشروع وهو من الحزم الذي يتناوله قوله صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك).
وإن كان الهدف منه اسقاط الجنين المشوه والتخلص منه قبل نفخ الروح فيه أو بعده ففي هذا الخلاف الذي وقع بين العلماء في حكم اسقاطه؛ لأن الوسائل لها أحكام الغايات.
المطلب الرابع: مسؤولية التشخيص المبكر:
إذا علمنا ان التشخيص المبكر منفعة محضة، ووقاية نافعة، وهو واجب شرعي يحتمه ما اشتهر من نصوص الشريعة وقواعدها التي تدرأ المفاسد وتبعد عن المخاطر فإنه ينبغي لنا ان نعرف من هو الذي تقع عليه مسؤولية هذا الواجب, ان عقد النكاح يشترك في مسؤولياته الزوجان وولي الزوجة وعلى هؤلاء جميعا تقع مسؤولية هذا الواجب، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه احفظه ,,, أم ضيعه حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) رواه النسائي وابن حبان وحسنه الالباني في صحيح الجامع.
وعلى ولي الأمر مسؤولية أمر رعيته بما ينفعهم وإلزامهم بما يدرأ عنهم الشرور ويجب طاعته في ذلك لأنها من الطاعة المشروعة، وعندما نقرأ بعض الاحصائيات التي يتحدث عنها المختصون، فنرى أن نسبة انتشار امراض الدم تصل في بعض المناطق الى 20% وعندما ندرس الآثار النفسية والاجتماعية والجسدية التي يصاب بها المريض وأسرته والتكاليف المالية التي تقوم بها الدولة في العلاج حيث يقدر العاملون في هذا المجال تكلفة علاج المريض سنويا بمائة ألف ريال يقوى عندنا القول بوجوب التشخيص الوقائي قبل الزواج ومشروعية الإلزام به قبل اتمام العقد والله ولي التوفيق.
|
|
|
|
|