أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 2nd February,2001 العدد:10354الطبعةالاولـي الجمعة 8 ,ذو القعدة 1421

مقـالات

فاعلية التعليم
من المعروف ان مصطلح فاعلية التعليم يقصد به: المستوى الذي يبين مدى تحقيق أهداف النظام التعليمي بنجاح .
ومن المعروف أيضا ان أهداف النظام التعليمي متعددة الجوانب، فكيف نقيسها من خلال معيار واحد؟
لعل اكثر انواع المعايير انتشارا معيار التحصيل الذي يرتكز على مقدار استيعاب الطلاب للمعلومات وتنحصر مهمة المعلم استنادا الى ذلك في بناء عملية التعليم وتوفير الشروط الملائمة لاستيعاب المتعلمين للمهارات والخبرات والمعلومات وتقوم فاعلية التعلم من خلال نتائج التحصيل.
ان هذا المعيار يقوم بدور مهم في تقويم مدى استيعاب المتعلمين للخبرات الاجتماعية التاريخية المتمثلة بالمعلومات لكن لابد من الانتباه الى ان عملية الاستيعاب لا تحدث آليا بل تتكون من نشاط معرفي معقد يستند في جوهره على عمليات عقلية منظمة وقد يؤدي الاقتصار في تقويم هذه العملية على اجابات الطلاب الشفوية والكتابية الى حرمان المدرس من تحليل سير العملية ذاتها وآلية حدوثها بسبب التركيز على السلوك الظاهر فقط.
يشكل ما ذكرناه سابقا دافعا للبحث عن معايير أخرى قد تساعد في اصدار أحكام ليس من خلال النتائج فحسب وانما تشمل آلية الوصول اليها ويرتبط اعداد مثل هذه المعايير بشكل وثيق بفهم طبيعة عملية الاستيعاب من الناحية النفسية والنظر اليها كتفاعل بين المعلم والمتعلم الذي تتلخص في ان كلا عنصري هذه العملية في نشاط متبادل.
يعد المتعلم محور العملية التعليمية وليس موضوعا لها فهو لا يمتثل لتعليمات المعلم فقط وانما يكيفها داخليا ويتفاعل مع ما يعرض عليه من معلومات حيث يقوم باستيعابها بفاعلية ويستخدمها عمليا بما يتناسب مع خبراته الذاتية ومستوى تطوره العقلي فالمعلومات المستوعبة مزيج خاص من الخبرة الاجتماعية والذاتية ولا تصبح ملكا ذاتيا الا بعد ادراكها ومعالجتها واستخدامها بشكل متعاقب وهذا ما يضمن فاعلية النشاط.
يمكن القول: انه لا يمكن كشف محتوى الاستيعاب اذا لم تفهم آليته وبالتالي توجيهها.
ثمة حقائق معروفة في علم النفس حول عدم التطابق بين مقدار المعلومات المعروضة وبين المعلومات المستوعبة فعلا، مما يستدعي تنظيما خاصا للنظام العقلي لتجاوز هذه الحالة من التناقض.
من المعروف ان التربويين يركزون عادة على عملية اختيار المحتوى وترتيبه منطقيا وطريقة عرضه الخ,.
وتجدر الاشارة الى انه مهما تمت صياغة المحتوى بدقة فانه لا يمكن للمحتوى ذاته ضمان فاعلية الاستيعاب لذلك تكتسب عملية اختيار النشاط التعلمي وتنظيمه اهمية خاصة.
لابد من التأكيد عند الحديث عن معايير فاعلية التعلم على تركيز الاهتمام بأساليب تنظيم الاستيعاب، وابراز الافعال العقلية التي تساعد على الوصول الى الاستيعاب، ويجدر التنويه الى انه ليس من المهم تحليل ماهية المعلومات المستوعبة، بل الاهم من ذلك كله تعرف كيفية استيعابها، وجوهر النشاط المعرفي الذي يكفل تحقيق هذه العملية، والشروط المثلى الضرورية لذلك.
لعل من الضروري فهم الاستيعاب على انه ليس عملية اكتساب عفوية للمعلومات والمهارات والخبرات بل على اعتباره عملية هادفة تستدعي نشاطا معرفيا منظما من قبل المتعلمين، بالتالي يتطلب توجيه هذه العملية توافر مهارة التأثير على خصائصهم العقلية, ليس من الممكن تنظيم العملية التعليمية اليومية وتقويم مدى استيعاب المتعلمين للمعلومات اذا لم نتمكن من فهم طبيعة النشاط الفعلي وقوانينه التي تضمن الاستيعاب.
وكما ذكرنا اعلاه فانه مهما تمت مراعاة الدقة في اختيار المحتوى وطرائق تنظيمه وعرضه فان ذلك لا يكفي لضمان فاعلية الاستيعاب لذلك لابد من اكتشاف شروطه الداخلية، أي النشاط التعليمي الحقيقي الذي يساعد في تحقيقه.
ومن المعروف ان جهود المعلم تتوجه عادة نحو تنظيم المادة التعليمية من حيث حجمها وجزئياتها وعرضها المنطقي واختيار الأساليب والانشطة التعليمية المناسبة وأساليب التقويم,, الخ، الا ان ذلك كله لا يعد كافيا لأنه يشير الى فاعلية الاستيعاب ظاهريا لذلك يصبح ضروريا تحديد أساليب الاستيعاب أي مضامين نشاط الطلاب التعلمي اذ تصعب امكانية تحديد آلية حدوث الاستيعاب وبالتالي قياس الفاعلية اذا لم تحدد مبادئ عرض المعلومات انطلاقا من محتواها المنطقي والعلمي وشروط استيعابها.
لنفرض ان الفاعلية تقاس من خلال نتائج التحصيل العامة التي يعبر عنها بمقدار معلومات المتعلمين فانه يمكن الوصول الى النتائج نفسها باستخدام مستويات متفاوتة من نشاط الطلاب المعرفي فقد يكون ذلك باستخدام اساليب النشاط التذكري حيث تتمثل اهداف الطلاب في تذكر نصوص الكتاب المدرسي واسترجاعها واستعمال الاساليب المعروفة في حل الواجبات بشكل متكرر, أي ان النشاط المعرفي للطلبة يتوجه نحو استرجاع النماذج المعروضة من قبل المدرس لأوفي الكتاب المدرسي ولكن يمكن تحقيق النتائج ذاتها بصورة مختلفة تماما أي عندما تتم تهيئة الشروط الملائمة التي تساعد الطلاب ليس على تذكر المعلومات الجاهزة وأساليب استرجاعها المعروفة فحسب وانما على اكتسابها ذاتيا واستخدام المعلومات المكتسبة في حل مشكلات جديدة أي على ممارسة النشاط الابداعي وليس التذكري فقط.
لو اجرينا مقارنة بسيطة بين الاسلوبين المذكورين آنفا فانه لا يمكن القول إن الفاعلية تجسدت في الاسلوب الثاني فقط بل في الاسلوب الاول ايضا لأن المتعلم قام بانجاز الواجبات المطلوبة فقد قرأ الكتاب المدرسي واجاب عن الاسئلة المطروحة من قبل المدرس اي انه استوعب المادة المعروضة عليه بفاعلية ويعزى الفرق بين الاسلوبين الى طبيعة النشاط العقلي.
تجدر الاشارة الى انه لا يمكن تطوير النشاط الطلابي المعرفي استنادا الى مؤشرات ظاهرية عدد الأيدي المرفوعة، عدد التمرينات المنجزة,, الخ بل من خلال ابراز محتوى النشاط العقلي اي يحتاج ذلك الى تعرف مستويات الافعال العقلية التي يستخدمها المتعلم بهدف استيعاب المادة.
ومما سبق نستطيع القول انه يمكن استيعاب المحتوى باساليب مختلفة ويرتبط اختيار هذا الاسلوب او ذاك بشروط عديدة منها: أهداف الدرس وطبيعة المحتوى ودرجة جاهزية الطلاب,, الخ.
حيث انه كما سبق واشرنا يمكن استيعاب المادة الدرسية عن طريق التذكر والاسترجاع في بعض الحالات وعن طريق تنظيم نشاط الطلاب البحثي الهادف الى اكتساب العمليات المنطقية واساليب الافعال العقلية اضافة الى المعلومات الجديدة, لذلك يمكن للمدرس هنا عند تحضيره للدروس ان يحدد مستوى النشاط العقلي الذي يعد اساسيا لعملية الاستيعاب والاساليب التنظيمية الملائمة انطلاقا من تحليل المحتوى والعرض المنطقي له والشروط المساعدة على استيعابه ويضاف الى ذلك ضرورة الربط بين الفاعلية والكفاية حيث يبذل المعلم جهودا كبيرة في أحيان كثيرة لضمان الاستيعاب نحو اختيار الأساليب الدرسية التي تحفز نشاط المتعلم وتجعله أكثر نشاطا وانتباها فيقوم باستخدام أساليب الشرح المتنوعة والوسائل التعليمية المختلفة وتنظيم استعمال العمل الجماعي بأنواعها المتعددة فان الفاعلية هنا ليست عالية ولا تتناسب مع مقدار الجهد المبذول رغم اهمية ذلك في تفعيل نشاط الطلاب المعرفي.
ويبرز في هذا المجال سؤال يفرض نفسه وهو: ما هي أساليب نشاط الطلاب المعرفي التي تساعد في تحقيق فاعلية الاستيعاب؟
في معرض الاجابة عن هذا السؤال لابد من القول: ان طرائق التدريس تختلف في تأثيرها على النشاط المعرفي وفي تهيئة الظروف الملائمة لحدوثه حيث يوجه المعلم اهتمامه في طرائق العرض بشكل رئيسي نحو عرض المعلومات وفق نظام محدد وبشكل واضح ضمان عملية الاستيعاب المتقن.
رغم محاولته عند عرض المادة الدرسية اثارة نشاط الطلاب المعرفي التي تأخذ طابعا غير مباشر ثم يقوّم في النهاية درجة الاستيعاب ولكن غالبا ما تغيب لديه مهارة تحويل منظومة الأفعال العقلية التي قد يعرضها المنهاج إلى معلومات ومهارات وخبرات اضافة الى غياب الأهداف الخاصة بتشكيل هذه الأفعال.
ومن الجدير بالذكر ان تشكيل هذه الأفعال يتطلب استخدام أساليب أخرى اذ يوجه المدرس اهتمامه الى تدريب الطلاب على استخدام النشاط المعرفي المنطقية التي تحفز نموهم العقلي ويتحول اهتمامه من التركيز على عرض المادة الدرسية الى الطالب ذاته بهدف اكسابه اساليب النشاط العقلي.
يمكن القول ان اكتساب الطلاب لأساليب النشاط العقلي تساعد في التخلص من صعوبات كثيرة تواجه عملية الاستيعاب سواء بالنسبة للطلبة او بالنسبة للمدرس فقد يحدث ان يتغيب الطلبة عن بعض الدروس احيانا او لا يتابعون شرح المدرس بسبب الشرود او صعوبة المادة الدرسية وفي مثل هذه الحالات نجد ان استيعابهم لهذه الأساليب يساعدهم على التخلص من تلك الصعوبات ذاتيا اضافة الى ان ذلك يساعد المدرس في تشخيص الصعوبات التي يواجهها كل طالب ووضع حلول فعالة لمعالجتها.
لعل من اهم الشروط المساعدة في نجاح هذا الاسلوب من التعليم ان تكون من مجموعة اهداف الرئيسة المحددة تكون أساليب النشاط العقلي لدى الطلبة ويجدر التنويه الى ترابط المعلومات والنشاط المعرفي اللذين يكفلان استيعاب هذه الاساليب بعلاقات معقدة فالمعلومات هي نتاج هذه العمليات المعرفية او تلك اذ تحدث عملية الاستيعاب من خلال توجيه نشاط الطلبة المعرفي.
اذاً يتلخص جوهر العلاقة بين المعلومات والنشاط في ان طبيعة النشاط المعرفي تؤثر على نوعية المعلومات من جهة وعملية استيعاب المعلومات تؤثر على تطوير النشاط المعرفي من جهة اخرى.
مما سبق يمكن القول: ان تنظيم النشاط المعرفي انما يتم فعلا اذا درب الطلبة بشكل منظم على اكتساب هذا النشاط أثناء اكتسابهم للمعلومات والمهارات والخبرات ولا يؤثر استيعاب هذه الاساليب على تكوين المعلومات فقط بل على طبيعة علاقة الطالب بعملية التعلم فتعزز خصائصه الذاتية ويصبح اكثر تنظيما وتتكون لديه مهارة استخدام هذه الأساليب في ظروف جديدة وايجاد أساليب جديدة اخرى.
وان ذلك كله يزيد من الاهتمام نحو عملية التعلم ويجعلها اكثر فعالية ويساعد في الوصول لنتائج عالية فضلا عن تأثيره الايجابي على شخصية المتعلم وخصائصه العقلية وحاجاته وميوله.
الدكتور: جمال سليمان

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved